حكم البابا


لا أعرف ما إذا كان محمد عزيزية مخرج مسلسل خالد بن الوليد الذي يعرض حالياً علي أكثر من فضائية عربية قد قرأ كتباً عن سيرة حياة خالد بن الوليد أحد أبرز القادة العسكريين للفتوحات العربية الاسلامية الأولي قبل شروعه في إخراج مسلسله، أم أنه بطريق الخطأ قرأ بدلاً عنها كتاب (سيرة حياتي) لمؤلفه العماد مصطفي طلاس وزير الدفاع السوري السابق؟ ولا أعرف ماإذا كان عزيزية بحث قبل إخراجه لمعارك المسلسل في الوثائق التاريخية عن الخطط العسكرية التي اتبعها خالد بن الوليد في المعارك التي خاضها، أم أنه وبطريق الخطأ أيضاً اطلع بدلاً عنها علي الخطط العسكرية التي خاض بها العرب المعاصرون حرب الخامس من حزيران ضد اسرائيل؟ وإن كنت من خلال مشاهدتي لما عرض من حلقات المسلسل حتي الآن أرجح بأن محمد عزيزية أدار أداء الفنان باسم ياخور في تجسيده لشخصية خالد بن الوليد بطريقة أقرب إلي شخصية صاحب سيرة حياتي منها إلي شخصية خالد بن الوليد الحقيقية، وصور المعارك لتبدو أقرب إلي نكسة حزيران منها للفتوحات العربية الاسلامية التي تمت علي يد خالد بن الوليد، فلو كانت الوقائع التاريخية سارت بالطريقة التلفزيونية الافتراضية التي صور بها محمد عزيزية شخصية خالد بن الوليد ومعاركه لكان الأكثر منطقية أن نشاهد اليوم مسلسلاً عن القائد الروماني الذي هزم العرب المسلمين واحتل بلادهم، من مشاهدة مسلسل عن سيف الله المسلول الذي هزم الروم وفتح بلادهم!!

استفزني مسلسل خالد بن الوليد في كل تفاصيله بدءاً من مستوي اللغة العربية التي يتحاور بها أبطاله، والتي تبدو أقرب إلي لغة المناطق الصناعية التي يتحدث بها المكنسينجية والدوزنجية والكومجية ، منها إلي لغة القبائل العربية، ولو كانت لغة حوار المسلسل هي لغة قريش فعلاً لما كان القرآن الكريم معجزة الدين الاسلامي الأولي نزل بهذه اللغة الاعجازية الخلابة والآسرة، وكان يمكن إدهاش قريش بلغة من مستوي قصائد شاعر البعث صابر فلحوط.
ولو كان رجالات قريش وزعماؤها بالصورة الكاريكاتورية التي ظهروا بها في المسلسل، من النوع الذين يدبرون المكائد البدائية الساذجة لانهاء الدعوة الاسلامية، والتي لا ترقي حتي إلي مستوي المؤامرات التي طهر بها صدام حسين حزب البعث من معارضيه بعد تنحيته لأحمد حسن البكر، لما احتاجوا إلي شخصية بعظمة وحنكة وحكمة الرسول الكريم محمد، وكان يمكن لشخص من مستوي علي عقلة عرسان صاحب التجربة المهمة في كسر شوكة الكتاب السوريين أن يطوعهم، فيعين عمار بن ياسر نائباً لرئيس اتحاد الكتاب العرب ويفرز له سيارة مع سائق، ويسمي بلال الحبشي أميناً لسر الاتحاد ويخصّه بعدة مهمات سفر مدفوعة الأجر إلي الحبشة كل عام.

ولو كان المسلمون الأوائل الذين قامت قريش بتعذيبهم لثنيهم عن اعتناقهم للاسلام علي شاكلة الكومبارس الذين أدوا دورهم في المسلسل، لما احتاجت قريش لاستخدام مااستخدمته من طرق لوقف دخول أهل مكة في الاسلام، ولكان بإمكان رجل بمستوي قائد جهاز الأمن والاستطلاع السوري السابق في لبنان العميد رستم غزالة مع مفرزة من مخابراته إعادتهم إلي الجاهلية، ووأد الدعوة الاسلامية في مهدها.

ولو كانت المعارك التي أدارها خالد بن الوليد وفتح بنتيجتها البلاد التي فتحها بالطريقة التي ظهر بها في المسلسل حاملو راية جيشه في المسلسل حين يطعن أحدهم، فينتظر إلي أن يغيّر مدير الإضاءة أماكن برجكتوراته ، ويضع لها الفلترات المناسبة، وإلي أن يغير المصور زاوية كاميرته، وإلي أن يقف حامل البوم في المكان المناسب للحصول علي الصوت الأوضح، وعلي الكومبارس المطعون أن يملأ هذا الزمن الميت بعصر نفسه لإظهار تعابير الألم علي وجهه تنفيذاً لتعليمات المخرج، لحين تجهيز اللقطة تقنياً لتسليم الراية إلي كومبارس آخر، لو كانت معارك خالد بن الوليد جرت حسب هذا الأسلوب الاخراجي للمسلسل، لما احتاج الروم إلي تجييش الجيوش وتكلف عناء إرسالها إلي تلك المعارك لهزيمة جيش المسلمين، ولكان بإمكان فريق رياضي شهير بخساراته مثل منتخب سورية لكرة القدم أن يغلب جيشه خالد بن الوليد ويوقف الفتح الاسلامي.

ولهذا كلّه أعتبر تصنيف مسلسل خالد بن الوليد لمؤلفه عبد الكريم ناصيف ومخرجه محمد عزيزية حتي في إطار الدراما المدرسية مدحاً لا يستحقه، لكن أكثر ماأصابني بالحزن في المسلسل فعلاً هو هدر طاقة وموهبة باسم ياخور الذي أدي دور خالد بن الوليد مخلصاً لرؤية النص ومنفذاً لتعليمات المخرج، أكثر من إخلاصه للشخصية التاريخية، كاسراً هيبتها وقوتها وصلابتها المرسومة في عقول من قرأ ولو نصف صفحة عن سيرتها، بطريقة مشابهة لاختيار الفنان محمد هنيدي ببنيته الجسمانية الضئيلة لأداء دور عنتر بن شداد.
لا أظن أن خالد بن الوليد لو كان حياً وشاهد المسلسل الذي يروي سيرته، سيكتفي بمقارنة ميتته علي فراشه وهو الذي لم يبق في جسمه شبر إلا وفيه طعنة سيف أو ضربة رمح بميتة البعير وربما كان سيستخدم ألفاظاً أقسي لنعي ميتته!

برامج ومسلسلات

بعكس مسيرة مرايا ياسر العظمة، بدأ برنامج طاش ماطاش صغيراً وكبر مع الوقت بموهبة ومثابرة وخفة ظل نجميه ناصر القصبي وعبد الله السدحان، وبالطريقة نفسها التي نشرت بها أعمال دريد لحام ونهاد قلعي بالأبيض والأسود اللهجة والبيئة السورية في العالم العربي، تحول القصبي والسدحان إلي سفيرين مرحب بهما عربياً للهجة والبيئة السعودية، وباستخدام أسلوب الملاكم محمد علي كلاي في الرقص كالفراشة واللسع كالنحلة تخطيا خطوطاً حمراء كثيرة لبيئة بلديهما، لكن ماينقصهما حتي الآن نص لا يحاولان القفز علي ضعفه بالمبالغة التهريجية، ومايهدد تجربتيهما شعور أي منهما بأنه النجم الأبرز والأكثر إضحاكاً، مما سيؤدي إلي انفصالهما وخسارتهما معاً!

من خلال متابعتي لما عرض حتي اليوم من حلقات مسلسل أيام الولدنة أعتقد بأن مخرجه مأمون البني لم يدرس فن الاخراج في أي معهد أكاديمي، وأن خبرته في الاخراج تلقاها من أحد أسواق البضائع المستعملة (السكراب)، ولهذا السبب يحتوي المسلسل علي بقايا نص وبقايا تمثيل وبقايا صورة وبقايا مكياج وبقايا انتاج، والطريقة الأفضل التي أنصح بها المشاهدين الذين يرغبون بمتابعته هي تلك التي أتبعها أنا مضطراً باعتباري كاتب نصه، بتغطية جهاز التلفزيون بشرشف والجلوس لسماع ماتبقي من حواره!!

كان غسان بن جدو مراسل الجزيرة في لبنان بحاجة إلي نظارة سوداء معتمه لتغطية عينيه، لأن نظراته كانت تكسر خفر العذاري وحمرة خدودهن، وخجل المراهقات وبحة أصواتهن، وتهذيب التلاميذ ورفعهم سباباتهم طلباً لإذن بالكلام، وورع المؤمنين وخشوع قلوبهم، التي ظهر بها في برنامج أكيد مايسترو مع نيشان علي شاشة تلفزيون الجديد !

حاتم علي تقني أكثر من كونه مخرجاً، ومشكلته في كل الأعمال التي قدمها باعتباره مخرجاً أنه يفضل زهور الزينة التي تصنع من القماش والبلاستيك علي الزهور الحقيقية ذات الرائحة، والطيور المحنطة التي توضع في الصالونات علي تلك الحية التي تطير في السماء، ولهذا يقدم في مسلسله علي طول الأيام صورة جميلة وأداء جيداً وممثلين ممتازين، ولكنه يفتقد الروح والحرارة والحياة، ولذلك تبدو أعماله مثل الأيقونات الدينية المزيفة متقنة وجميلة وخادعة ولكن ينقصها الايمان.

يحتاج برنامج بالعربي علي شاشة العربية إلي زيادة جرعة سمير قصير وانقاص جرعة جيزيل خوري ليصبح البرنامج أكثر توازناً وأقل استعراضية!