السبت: 2006.10.14
تشارلز تانوك ـ بروجيكت سنديكيت
أصبح العالم اليوم نهباً لمخاوف بشأن انزلاق العراق إلى مستنقع حرب أهلية بين الشيعة والسُنَّة والأكراد. إلا أن تلك الحرب التي باتت تلوح في الأفق، والتي ستجر إلى أتونها الطوائف كافة في العراق، تهدد بصورة خاصة مجتمع المسيحيين الأشوريين الصغير، وتتوعده بالإبادة التامة.
إن المجتمعات المسيحية في العراق تُعَد من بين أقدم الطوائف المسيحية التي مارست عقائدها الدينية في المنطقة الواقعة ما بين نهري دجلة والفرات منذ عهد المسيح. فالكنيسة الأشورية الرسولية، على سبيل المثال، يرجع تاريخ تأسيسها إلى العام 34 بعد الميلاد على يد القديس بطرس. كما يرجع تاريخ تأسيس الكنيسة الأشورية في الشرق إلى العام 33 بعد الميلاد على يد القديس توماس. واللغة الآرامية التي ما يزال العديد من المسيحيين في العراق يتحدثون بها حتى اليوم، هي نفس اللغة التي كان يتحدث بها هذان الرسولان، والمسيح ذاته.
ولقد أسهم المسيحيون الأشوريون بالكثير في المجتمعات التي عاشوا فيها، حين كان حكامهم المسلمون متسامحين معهم. ولقد ساعد علماؤهم في الدخول إلى quot;العصر الذهبيquot; للعالم العربي، وذلك بترجمة الأعمال المهمة من اللغتين اليونانية والسريانية إلى اللغة العربية. ولكن في العصور الحديثة قل التسامح معهم إلى حد كبير. فأثناء حملة الإبادة الجماعية الأرمنية التي شهدتها الفترة من 1914 إلى 1918، قُـتِل ما يقرب من 750 ألف أشوري، حوالي ثلثي تعدادهم آنذاك على يد الأتراك العثمانيين.
وفي أثناء الحرب العالمية الأولى، واجه الأشوريون الاضطهاد بسبب تعاونهم مع البريطانيين. ولقد فر العديد منهم إلى الغرب، ومن بينهم بطريرك الكنيسة الأشورية. كذلك، في أثناء الحروب التي شنها صدّام على الأكراد، تعرضت مئات القرى الأشورية للدمار، وأصبح سكانها مشردين. وقصفت قوات صدّام العشرات من الكنائس القديمة. وكان تعليم اللغة السريانية محظوراً، كما أجبرت السلطات الأشوريين على إطلاق أسماء عربية على أبنائهم في محاولة لتقويض هويتهم المسيحية. وكان على كل من يرغب في الحصول على وظيفة حكومية أن يعلن انتماءه إلى العرق العربي.
في العام 1987، سجل الإحصاء الرسمي للسكان في العراق 1.4 مليون مسيحي. واليوم، لم يتبق منهم في البلاد إلا حوالي 600 إلى 800 ألف، يتركز أغلبهم في سهل الموصل. ولقد فر منهم حوالي ستين ألفاً، بل وربما أكثر، منذ بداية التمرد الذي شهده العراق في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003. وأثناء العام 2004 تسارع خروجهم مع بداية حملة التفجيرات الإرهابية ضد الكنائس المسيحية على يد إسلاميين اتهموا المسيحيين بالتعاون مع قوات الحلفاء بدافع من انتمائهم العقائدي.
وطبقاً لتقرير حديث أصدرته الأمم المتحدة، أصبحت الأقليات الدينية في العراق تشكل quot;هدفاً منتظماً للتمييز، والمضايقات، بل والاضطهاد في بعض الأحيان، إذ تتعرض لحوادث تتراوح ما بين الترهيب إلى القتل، ويُسْتهدف أعضاء الأقلية المسيحية بصورة خاصةquot;.
وهناك تقارير واسعة الانتشار عن مسيحيين يفرون من البلاد نتيجة تهديد نسائهم بسبب عدم التزامهن بارتداء الملابس الإسلامية الصارمة. ويقال إن بعض النساء المسيحيات تعرضن لإلقاء أحماض على وجوههن، وقُتل بعضهن لارتداء الجينز أو عدم وضع النقاب.
تتصاعد حدة هذا الشكل من أشكال العنف في المنطقة المحيطة بالموصل على نحو خاص. ويزعم كبار رجال الدين هناك أن القساوسة في العراق لم يعد بإمكانهم أن يرتدوا العباءات الكهنوتية علناً، خشية أن يتعرضوا للهجوم من قِبَل إسلاميين. وفي شهر كانون الثاني الماضي انفجرت عدة سيارات ملغومة في هجمات منسقة على ست كنائس في بغداد وكركوك؛ وفي واقعة أخرى تعرضت ست كنائس أخرى للتفجيرات في وقت واحد في بغداد والموصل. وعلى مدار العامين المنصرمين ذكرت التقارير تعرض 27 كنيسة أشورية للهجوم بلا سبب غير كونها أماكن عبادة للمسيحيين.
وتذهب هذه الهجمات إلى ما هو أبعد من مجرد استهداف المظاهر المادية للعقيدة. فقد تعرضت المتاجر الصغيرة المملوكة لمسيحيين للهجوم، وبصورة خاصة المتاجر التي تبيع المشروبات الكحولية. كما قُـتِل العديد من أصحاب هذه المتاجر. ويقول مدير المتحف العراقي دوني جورج، وهو أشوري، إنه أجبر على الفرار من العراق إلى سورية خوفاً على حياته، وأن المتعصبين الإسلاميين تعمدوا إعاقة أعماله كافة التي لا تركز على الفن الإسلامي.
كما اشتكى الزعماء الأشوريون رسمياً من التمييز المتعمد أثناء الانتخابات التي شهدها العراق في شهر كانون الثاني 2005، وزعموا أن صناديق الاقتراع لم تصل إلى البلدات والقرى الأشورية في بعض الحالات، ولم يظهر المسؤولون الرسميون عن التصويت، أو أن صناديق الاقتراع سرقت في حالات أخرى. كما استشهدوا بتواجد المليشيات الكردية وقوات الشرطة السرية بالقرب من المراكز الانتخابية. إلا أنه في الآونة الأخيرة بدأت بعض المظاهر التي تدل على أن السلطات الكردية العراقية أصبحت أكثر ميلاً إلى حماية المجتمعات المسيحية.
من المؤسف أن المحنة التي يعيشها المسيحيون العراقيون لا تشكل حالة منعزلة في الشرق الأوسط. ففي إيران تضاعف السكان تقريباً منذ ثورة 1979؛ ولكن في ظل نظام حكم الملالي هبطت أعداد المسيحيين في البلاد من حوالي 300 ألف نسمة إلى حوالي مائة ألف فقط. وفي العام 1948 كان المسيحيون يشكلون حوالي 20% من تعداد فلسطين آنذاك؛ ومنذ ذلك الوقت هبطت أعدادهم إلى النصف تقريباً. وفي مصر نجد ارتفاعاً نسبياً في أعداد المهاجرين إلى الخارج بين المسيحيين الأقباط؛ وخلال الأعوام القليلة الماضية أسفرت أعمال العنف التي ارتكبت ضد المسيحيين عن خسارة العديد من الأرواح.
إن اضطهاد هذه المجتمعات المسيحية القديمة المتفردة في العراق وفي الشرق الأوسط ككل، يثير قدراً كبيراً من الانزعاج والقلق. وفي شهر نيسان الماضي صوت البرلمان الأوروبي بالإجماع على السماح للأشوريين بتأسيس منطقة فيدرالية (طبقاً للقسم الخامس من الدستور العراقي)، حيث يمكنهم التخلص من التدخل الخارجي، وممارسة حياتهم على النحو الذي يناسبهم. ولقد حان الوقت الآن لكي يبذل الغرب قدراً أكبر من الاهتمام بهذه القضية.
تشارلز تانوك نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان الفرعية التابعة للبرلمان الأوروبي، والمتحدث الرسمي باسم محافظي المملكة المتحدة في مجال الشؤون الخارجية.
التعليقات