الإثنين: 2006.10.16


خيرالله خيرالله

تكمن المفارقة في أنّ النظام الستاليني شبه الاخير في العالم يتباهى بأنّه صار قوة نووية لا بدّ من أن يحسب لها ألف حساب في الوقت الذي يتضور شعبه جوعاً. تشير آخر التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية العاملة في كوريا الشمالية إلى أنّ البلد في حاجة إلى ما بين ستمئة وثمانمئة ألف طن من الحبوب هذه السنة بغية سد حاجات جميع المواطنين. من أين سيحصل نظام كيم جونغ أيل على هذه الكمية من الحبوب؟ الاكيد أن العالم سيوفّرها له تفادياً لمجاعة جديدة من نوع تلك التي ضربت البلاد مطلع التسعينات وأدّت الى وفاة عشرات الالاف. لولا المجتمع الدولي الذي يرفض كيم الاعتراف به، لكان مئات الآلاف قضوا في السنوات الاخيرة جراء فقدان المواد الغذائية الاساسية فضلاً عن انتشار الامراض في مختلف أنحاء البلاد خصوصاً بين الاطفال.
من الصعب فهم منطق النظام الكوري الشمالي وبحثه المستمر عن العزلة الدولية بدل الانفتاح على العالم والسعي إلى الاستفادة من المساعدات الدولية والتكنولوجيا الحديثة لرفع المستوى المعيشي للمواطن. ولكن ما العمل مع مثل هذا النوع من الانظمة التي تضع مسألة بقائها في السلطة فوق كلّ اعتبار.
ما تعاني منه كوريا الشمالية لا علاقة له بالقنبلة النووية. في المستقبل المنظور، لن تنجح هذه القنبلة في الدفاع عن النظام. ستؤجّل القنبلة السقوط، لكنّها لن تحول دون الانهيار الذي سيأتي لا محالة. وبكلام أوضح، أن العالم لا يتحمّل أنظمة ستالينية تسعى إلى التعويض عن تقصيرها باعتماد القمع ليس إلا، على الصعيد الداخلي والتظاهر بالقوّة على الصعيد الخارجيّ. أكثر من ذلك، يدرك العالم جيّداً أنّ النظام في كوريا الشمالية وجد ضالته في تجويع شعبه وإفقاره وتصوير أن البلاد تواجه خطراً خارجياً لتبرير وجوده.
عاجلاً أم آجلاً، سيسقط النظام الكوري الشمالي. كلّ ما يمكن قوله حتى يومنا هذا أن ما يفعله كيم جونغ إيل، quot;الرئيس المحبوبquot; من جميع مواطنيه استناداً إلى الشعار الذي يرفعه النظام، هو تأجيل السقوط المريع. قد يأخذ ذلك سنوات، لكنّ أنظمة من هذا النوع لم تعد تمتلك أيّ شرعية خصوصاً منذ انتهاء الحرب الباردة. يكفي للتأكّد من حجم الكارثة التي تعاني منها كوريا الشمالية المقارنة بينها وبين الجنوب الذي تحوّل إلى دولة صناعية متقدمة يوازي اقتصادها حجم الاقتصاد العربي كلّه. هناك دولة في الجنوب، اسمها كوريا أيضاً، استطاعت إيصال وزير خارجيتها إلى أن يكون الامين العام الجديد للامم المتحدة، فيما هناك في الشمال من ينام على الطوى... أو يبحث عن جذع شجرة يأكل بعضه أو عن أعشاب ترفضها الحيوانات لسدّ جوعه! ماذا تفيد القنبلة النووية في هذه الحال، هل هي أكثر من تعبير عن حال من اليأس يعبّر عنه نظام انتفت علّة وجوده وصار عالة على شعبه؟
استطاع النظام في كوريا الشمالية عزل نفسه عن العالم والعيش داخل عالم خاص به مستفيداً من أنه كان جزءاً من المعادلة الدولية خلال الحرب الباردة. وبعد ذلك، لجأ النظام إلى سلسلة من المناورات مكّنته من تجاوز القرن العشرين ودخول القرن الواحد والعشرين. استخدم لهذا الغرض الحديد والنار ولم يأبه بالكوارث التي حلّت بمواطنيه. والأهمّ من ذلك أن الصين حافظت لاسباب خاصة بها على النظام لاسباب مرتبطة باستراتيجيتها السياسية في المنطقة. فالصين اعتبرت كوريا الشمالية جزءاً من نفوذها الاقليمي ومن دورها على الصعيد العالمي. ولا بدّ من التذكير هنا، أن الرحلات الجوية الوحيدة بين كوريا الشمالية والعالم تمرّ عبر الصين. لا خطوط جوية تربط كوريا الشمالية بالعالم خارج الصين ولا تزال كوريا الشمالية من بين الدول النادرة التي لم يدخلها الهاتف الجّوال...
يمكن للقنبلة النووية، في حال تبيّن أن التجربة النوويّة الكورية الشمالية حقيقية وليست كذبة تشبه النظام كلّه، هذا النظام الذي يتاجر بتكنولوجيا الصواريخ مع هذا النظام العربي أو غير العربي المفلس أو ذاك، أن يؤجل سقوطه لا أكثر ولا أقلّ. ما يحافظ على الانظمة في أيّامنا هو الاقتصاد القوي السليم أوّلاً والديموقراطية أوّلاً وثانياً وثالثاً ورابعاً... هل حمت كل القنابل النووية والصواريخ البعيدة المدى العابرة للقارات الاتحاد السوفياتي؟ في النهاية انهار الاتحاد السوفياتي بسبب ضعف الاقتصاد. كان عملاقاً عسكرياً يقف على عكّازتين هما الاقتصاد الهش الذي كان وراء السقوط الكبير للقوة العظمى الثانية في العالم. ولم تكن هناك ديموقراطية تعوّض الضعف الاقتصادي وتمتص النقمة لدى المواطن العادي. هل كورياالشمالية أهم من الاتحاد السوفياتي... وحتى من الصين التي عرفت على الاقلّ كيف تنفتح على العالم؟ ربّما كان كيم جونغ إيل يلعب آخر أوراقه، ذلك أن لكلّ كذبة نهاية.