الثلاثاء: 2006.10.17


أليسا روبين

بإعلان كوريا الشمالية عن تجربتها النووية في الأسبوع الماضي، تكون الجهود الدولية الرامية إلى الحد من انتشار الأسلحة النووية قد دخلت مرحلة التداعي والانهيار. فالعديد من الدول تستعد لبدء برامجها الخاصة لتخصيب اليورانيوم، بينما شرع آخرون فعلاً في برامجهم النووية حسب رأي خبراء في المجال النووي. وهكذا دشنت البرازيل مؤخراً محطة لتخصيب اليورانيوم على المستوى الصناعي، كما أبدت كل من الأرجتين وجنوب أفريقيا اهتمامها باستحداث برامج مشابهة. ويبدو أن أستراليا التي تتوفر على موارد مهمة من اليورانيوم الطبيعي تدرس إمكانية الالتحاق بالنادي النووي. وبعيداً عن أستراليا توجد إيران التي تحدت المطالب الدولية بتعليق برنامجها النووي ما يعتبر الخطوة الأولى على طريق إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لصناعة القنبلة النووية. وقد جاء إعلان كوريا الشمالية بإجرائها للتجربة النووية الأخيرة، بعد تجربتي الهند وباكستان عام 1998، حيث أدى ظهور جيل جديد من الدول النووية إلى إثارة المخاوف من أن تتبع بلدان أخرى نفس المسار... لتغذي الهواجس مجدداً من أن تقع الأسلحة النووية في أيدي الجماعات الإرهابية.

وفي هذا الصدد يقول جراهام أليسون، مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق في عهد الرئيس بيل كلينتون: quot;إننا نشهد اليوم انفراط عقد نظام عدم الانتشار النووي الذي كنا نعتبره في السابق من المسلَّمات، إنه حدث مهم للغاية لا يمكن التنبؤ بنتائجه إلا بعد خمس سنوات من الآنquot;. وفي رد على التجربة النووية لكوريا الشمالية، تبنى مجلس الأمن الدولي يوم السبت الماضي قراراً بالإجماع يقضي بفرض عقوبات على بيونج يانج، لكن امتناع الصين عن المشاركة في تفتيش ومراقبة مواد الشحن الصادرة، أو الواردة إلى كوريا الشمالية، ألقى بظلال كثيفة من الشك على الجهود الدولية لمعاقبة كوريا الشمالية. ويشير السياسيون إلى وجود ثلاثة مستويات من المشاكل تطغى على معاهدة عدم الانتشار النووي التي خرجت إلى حيز الوجود منذ أكثر من 36 سنة. فأولاً يبرز الضعف الواضح في المعاهدة نفسها ليتجلى ثانياً على المستوى السياسي في مجلس الأمن، ثم ثالثاً على المستوى الفني في عدم قدرة المفتشين على كشف البرامج النووية السرية وغير المعلنة للدول التي تسعى إلى امتلاك السلاح النووي.

فقد سمحت معاهدة عدم الانتشار النووي للدول التي كانت تملك السلاح النووي، وهي الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين، بالحفاظ على أسلحتها، بينما طلبت من الآخرين التخلي عن برامجهم النووية. وفيما تعهدت الدول التي تمتلك السلاح النووي بالعمل على التقليل من ترسانتها النووية بالتدريج في أفق إلغائها نهائياً، وافقت الدول التي لا تملك السلاح النووي على عدم سعيها إلى حيازته مقابل الحصول على التكنولوجيا النووية لأغراض مدنية. وقد تولت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة مسؤولية مراقبة الدول والتأكد من التزامها بتعهداتها من حيث عدم سعيها إلى امتلاك السلاح النووي. لكن الحقيقة أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية سهلت المهمة على الدول التي ترغب في الحصول على سلاح الدمار الشامل بسلوك الطريق الخطر. فما أن تكتسب دولة ما التكنولوجيا النووية ويصير بمقدورها تخصيب اليورانيوم حتى تصبح قادرة على إنتاج القنبلة النووية.

ورغم انضمام 187 دولة إلى معاهدة عدم الانتشار النووي، مازالت بعض الدول النامية تبدي تشككاً من النوايا الحقيقة للدول النووية ومدى جديتها في التخلي النهائي عن ترسانتها ما دفعها لإبقاء الباب مفتوحاً أمام إمكانية إنشاء برامج نووية خاصة بها. فمنذ المعاهدة التي وقعتها الولايات المتحدة وروسيا عقب انتهاء الحرب الباردة وتعهدهما بتقليص سلاحهما النووي، لم يحصل أي تقدم بعد ذلك، حيث يعتقد المراقبون أنه يوجد ما لا يقل عن 27 ألف رأس نووي في العالم يتركز معظمها في الولايات المتحدة وروسيا. وبالنسبة للدول التي بدأت برامجها النووية في منأى عن أنظار المجتمع الدولي فقد تمكنت أخيراً من الخروج سالمة، رغم التنديد الدولي في البداية. وقد تمكنت ثلاث دول لم توقع على معاهدة عدم الانتشار النووي من إنتاج السلاح النووي، وهي الهند وباكستان وإسرائيل، لتعطي مثالاً للدول الأخرى، لاسيما وأنها لا تلقى اعتراضات دولية.

وإلى جانب الدول السالفة هناك أيضاً إيران وكوريا الشمالية اللتان رفضتا الالتزام بمعاهدة عدم الانتشار النووي. فرغم انسحاب بيونج يانج من المعاهدة قبل ثلاث سنوات وتصلب المواقف الإيرانية إزاء المطالب الدولية، لم تخضع أي منهما لأي عقوبات صارمة تثنيهما عن مواصلة برامجهما النووية. والسبب هو عدم اتفاق الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن على مسألة فرض العقوبات، حيث تتشبث بعض الدول بمصالحها الاقتصادية وعلاقاتها الثنائية مع كوريا الشمالية وتجعلها فوق الاستقرار والسلم العالميين. وحتى وكالة الطاقة الدولية التي تسهر على مراقبة المنشآت النووية للدول، فشلت في رصد البرامج النووية السرية للدول التي تحاول امتلاك السلاح النووي وتعمل على تطوير قدراتها سراً بسبب افتقادها للسلطة الضرورية للقيام بذلك. كما أنها تفتقر للسلطة التنفيذية القادرة على وقف ما تكتشفه من خروقات، إذ ينحصر دورها في إبلاغ مجلس الأمن الذي غالباً ما يفشل في الاتفاق على موقف موحد تجاه الدول المنتهكة لبنود المعاهدة، كما يحدث اليوم مع كوريا الشمالية وإيران. وفي هذا السياق يقول أحد المسؤولين الغربيين المتخصصين في شؤون الطاقة النووية quot;إن الضعف الحالي الذي يعتري المعاهدة كان بادياً للجميع منذ فترة طويلة، ولم يكن من غير المتوقع أن ينتهي ببعض الدول إلى دخول النادي النووي دون رد فعل حازم من المجتمع الدوليquot;!