الإثنين: 2006.10.23


ماكس بوت ـ واشنطن بوست

من بين الأخطاء العديدة التي تم ارتكابها في العراق، ليس هناك خطأ أكثر تكلفة واستعصاء على التفسير من ذلك الذي وقعت فيه الإدارة عندما لم تقم بتخصيص الموارد الكافية لتدريب قوات الجيش والشرطة العراقية. فالطريقة الوحيدة التي كان يمكن بها للقوات الأميركية أن تعود إلى الوطن دون أن تبدو وكأنها فشلت، كانت تتمثل في قيامها بتدريب العدد الكافي من العراقيين للمحافظة على الأمن والاستقرار بأنفسهم.

ولكن الذي حدث هو أن المحاولات الأميركية لتدريب قوات الأمن العراقية قد بدأت بصورة تدعو للسخرية في عام 2003 ولم تتحسن منذ ذلك الحين إلا قليلاً.

لفهم ذلك يكفي أن نعرف أنه في السنة المالية التي انتهت مؤخراً أنفقت الولايات المتحدة على قواتها الموجودة في العراق 93,8 مليار دولار، في حين لم تنفق على نظيرتها العراقية أكثر من 3 مليارات دولار... وأن نعرف أن القوات الأميركية العاملة في العراق يقيم معظمها في قواعد عسكرية مجهزة بكافة وسائل الترفية والكماليات الحديثة ولا تغادر تلك القواعد سوى في قوافل مكونة من آليات مدرعة، في حين أن القوات العراقية تعيش في معسكرات متداعية وتعاني من نقص الذخيرة والمعدات والإمدادات.

صحيح أن معظم هذه النواقص ونواحي القصور يرجع إلى عدم كفاءة العراقيين، وخصوصاً في الرتب العليا ووزارة الدفاع، ولكن يجب علينا ألا نعفي أنفسنا من اللوم في ذلك.

والمسألة ليست مسألة أموال فقط، فالحقيقة أن الأهم من ذلك هو أنه لا يوجد لدينا العدد الكافي من المستشارين العسكريين الذين يمكنهم أن يفيدوا العراقيين. فمن بين القوات الأميركية العاملة في العراق في الوقت الراهن، لا يوجد سوى 4000 مستشار فقط، وهو عدد لا يكفي للعمل في مراكز القيادة العراقية الأعلى مستوى والعمل على مستوى السرايا والفصائل، وهي الوحدات التي تقوم بالجزء الأكبر من العمل.

ليس هذا فحسب بل إن هناك عدداً من أكثر الضباط الأميركيين كفاءة وبراعة يتم في الوقت الراهن صرفهم بعيداً عن العمل مع الوحدات العراقية.

من الأمثلة على ذلك ما قاله لي ضابط أميركي كان قد خدم في العراق من قبل ويعد مؤهلاً أكثر من غيره للعمل مستشاراً لدى الوحدات العراقية، وهو أن المسؤولين العسكريين الأميركيين في الوطن طلبوا منه أن يعمل كمعلم في المعاهد العسكرية الأميركية وألا يعمل كمستشار في العراق.

وقال لي ضابط آخر كان سابقاً في مجال القوات الخاصة، أي نفس المجال الذي نحتاج إلى مستشارين منه أكثر من غيره في الوقت الراهن، أنه قد حاول أن يتطوع للعمل مستشاراً في العراق، فما كان من القائد المسؤول عن شؤون الضباط إلا أن قال له: quot;اسمع يا بني، إنني أكره أن يضيع ما تتمتع به من خبرة وكفاءة في مهمة مثل هذه... ونحن لدينا الكثير من المهام والتكليفات الأخرى التي نحتاج فيها إلى شخص يتمتع بما تتمتع به من خبرة وكفاءةquot;.

ولكي أكون منصفاً فإنني تلقيت مكالمة تليفونية من ضابط يحمل رتبة عسكرية كبيرة في بغداد قال لي فيها إن برنامج تدريب العراقيين قد تحسن عما كان عليه من قبل، وإنه قد تم إنشاء مدرسة جديدة لتخريج المدربين والمستشارين للعمل في العراق.

هذه خطوة طيبة لاشك ولكنها ليست كافية... فهناك حاجة للمزيد من المستشارين من الدرجة الأولى للعمل مع قوات الجيش وقوات الشرطة العراقية حتى مستوى الفصيلة، تقدر أعدادهم بحسب المصادر العسكرية بما بين 20 و30 ألف مستشار، خاصة من الذين نجحوا في السابق في قيادة وحدات عسكرية في العراق.

وهذا في رأيي يتطلب إجراء تعديل في طريقة تفكير المؤسسة العسكرية الأميركية التي يجب أن تعمل على انتزاع الضباط الأكفاء من التكليفات العادية المكلفين بها في الوقت الراهن والاستفادة بهم كمستشارين في العراق، لأن بلداً يبلغ تعداده 26 مليون نسمة، لا يمكن تحقيق استقراره بواسطة 140 ألف جندي مقاتل فقط.

صحيح أن الأمور في العراق قد مضت إلى حد كبير على طريق الحرب الأهلية، وأن خطوة مثل هذه لن تحدث فارقاً كبيراً، بيد أننا يجب أن نحاول أن نفعل شيئاً مختلفاً لإنقاذ الموقف والحيلولة دون خروجه تماماً عن نطاق السيطرة.