الإثنين: 2006.10.23



السفير ـعبدالله بشارة


مازالت الصورة غير واضحة في معركة مجلس الامن في الامم المتحدة عند كتابة هذا المقال، فبعد عشر دورات في انتخابات سرية بين فنزويلا وجواتيمالا، لم يحقق اي منهما النسبة المطلوبة لعضوية مجلس الامن وهي الثلثان من عدد الناخبين، وهذه الدورات العشر رغم أنها أمر غير عادي في انتخابات مجلس الامن، حيث جرت العادة ان يطرح مرشح ثالث اسمه او يطرحه طرف آخر لتجاوز الطريق المسدود، وهذا عرف شاهدته بنفسي عدة مرات، اتذكر آخر مرة تطوعت الارجنتين كمرشح مقبول بعد ان اصطدمت الجمعية العامة بطريق مسدود بعد ترشح كوبا ومعارضة الولايات المتحدة العنيفة لهذا الترشح.
ينص ميثاق الامم المتحدة على ان يكون شرط العضوية في مجلس الامن هو قدرة الدولة على الاسهام في مسيرة الامن والسلام العالميين، وهو شرط مطاط وعام ولا يضع قيودا على سلوك الدولة، ويحتمل كل التفسيرات فكل الدول الاعضاء تدعي ـ وعن قناعة ـ بانها تساهم بقدر ما في مسيرة الامم المتحدة نحو استتباب الامن والسلام.
وسمعنا مندوب كوريا الشمالية يطالب الامم المتحدة بتوجيه الشكر لبلاده لانجاز التجربة النووية ولاسهام هذه التجربة في تثبيت الامن والسلام في المنطقة، ولا يتردد الرئيس احمدي نجاد رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية في الاكثار من دور البرنامج النووي السلمي الايراني في نشر قيم السلام وثقافة الامن في المنطقة وفي العالم.
ومع ذلك هناك اعتبارات ضيقة تضعها الدول عند دعمها للمرشحين في مجلس الامن، ابرزها، وبصرف النظر عن الايديولوجية السياسية للدولة، ان تمارس الدولة المرشحة دبلوماسية معقولة وبناءة مع شعبها ومع جيرانها وفي داخل الامم المتحدة.
ويكون الاعتراض عادة عندما يكون سلوك الدولة المرشحة عنيفاً ومزعجا وخارج الاطار المتعارف عليه في تقاليد الامم المتحدة.
حاولت ليبيا الترشح لعضوية مجلس الامن وحصلت على دعم المجموعة الافريقية في الترشيح وفق نظام الكوتا المتبع في الامم المتحدة، ومع ذلك لم تنجح ليبيا في الترشيح، فقد جرت اتصالات وراء الكواليس، اقتنعت ليبيا بعدها بعدم جدوى الاصرار على التشريح وانسحبت من اللائحة وبذلك ساعدت ليبيا المنظمة الدولية في عدم الدخول الى طريق مسدود كما هو الحال الآن في الجمعية العامة.
وكانت كوبا دولة تسعى للانضمام الى مجلس الامن منذ اوائل السبعينات، ولم تفلح، ولكن تمكنت بعد ان خفض كاسترو من ادبياته الثورية، ومع ذلك فقد جاءت عضويتها ايام احتلال صدام حسين لدولة الكويت، كان دور كوبا في مجلس الامن تعيسا ومزعجا ومضرا للكويت ولمبادىء الميثاق ولمسيرة الامن والسلام، فقد عارضت كل قرارات مجلس الامن التي تبناها لصالح الكويت، وشكلت مع اليمن ثنائيا نشازا معطلا ومحاولا تأخير قرارات مجلس الامن.
وسبق ان رشحت نيكاراجوا نفسها لعضوية المجلس عندما كانت حركة السندنستا في عنفوانها تحت قيادة اورتيجا وفشلت لانها لم تنل دعم المجموعة اللاتينية.
عادة تأتي ترشيحات الدول الى الجمعية العامة من قبل المجموعات القارية، فمثلا قطر عضو في مجلس الامن عن الكوتا الاسيوية وزكتها المجموعة الاسيوية كمرشح آسيوي نال الاجماع، وهي ليست ممثلا للمجموعة العربية وانما تمثل نفسها في مجلس الامن، واخذت المقعد الآسيوي وفق قاعدة التدوير، فلا توجد قيود عربية على قطر سوى انتمائها للجامعة العربية كعضو وغير ملزمة بتنفيذ توصيات الجامعة، فالدولة العضو تتبع مصالحها ولا تتخلى عنها سواء على الكوتة الآسيوية او الافريقية او اللاتينية.
والحال الآن ان فنزويلا لم تنل تزكية المجموعة اللاتينية وكذلك جواتيمالا، وجاء قرار الدولتين وفق قناعتهما باحتمالات الفوز، ومن المؤكد بان الولايات المتحدة لا تريد فنزويلا عضوا في مجلس الامن بعد التصرفات الحادة والطائشة لرئيسها الذي وصف الرئيس الامريكي بالشيطان امام الجمعية العامة، وهي لغة لا تستعمل في الامم المتحدة ، وزار صدام حسين خلال تحديات الاخير للامم المتحدة، وتناغم مع كوريا الشمالية وايران، ويتجول في كل مكان بحثا عن اثارة واشنطن.
لا يمكن القول بان هذا سلوك من يريد ان يسهم في التهدئة ويعمل على انتصار العقل والحكمة، فلا يمكن لدولة مثل الولايات المتحدة ـ بمصالح كونية ـ ان تتفاهم مع من يمارس الشقاوة على المسرح الدولي.
بعد انتهاء الحرب الباردة وانحسار الايديولوجيات ونهاية المواجهة بين القطبين لم يعد هناك مجال للمماحكات والتشنجات في سلوك الدول، ومن يمارس ديبلوماسية الاكروبات يخرح عن التوافق العالمي، ونرى في حالة ايران وتحديها للمزاج العام الدولي ضد سلوكها النووي تمارس لعبة غير مقبولة، الامر الذي ادخلها مع عدد صغير من الدول في خانة المعزولين عزلا فكريا وسلوكيا وديبلوماسي.
ويتناغم مع ايران الوضع في كوريا الشمالية وهي دولة تعيش ديبلوماسيتها على تهريب المخدرات والمشروبات والاسلحة ولا تعبأ بقواعد السلوك المتعارف عليها ومع ذلك تتحدث عن اسهامها في منظومة الامن والسلام.
ونلاحظ بان كاسترو كوبا في حالة تختلف عن حالة التحدي والحماس الماضية وبالرغم من هذا التطور لا يمكن الاطمئنان لسلوك هافانا الثورية التي مازالت لم تتطور ولا تتردد في تعيير موسكو في خيانتها للنظام الماركسي ، ولا تعتبر الصين دولة ماركسية وانما دولة انتهازية وراء المظاهر الرأسمالية.
هناك تطور كبير في سلوك الدول نحو الاعتدال وهناك تثمين لقيمة الاعتدال والتعاون والمرونة ومن رفض للبهلوانات اللفظية والاعلامية واذا كانت ليبيا دولة ثورية في الماضي فان تجارب الحياة علمتها فنون الانسجام مع القواعد التي يسلكها العالم وتبدلت احوالها الثورية الى توجه يفيد شعبها وتتقبله الاسرة العالمية.
وننتظر ان يفيق السودان الثوري او قيادته من حالة التحديات والمواجهة الى حالة الانسجام والتناغم مع ضوابط العمل العالمي، خاصة في حالة دارفور التي يتم التعامل معها بصورة لا تجلب الفائدة للسودان وتدفعه نحو الاصطدام مع القوى العالمية.
ستحل مشكلة فنزويلا في الامم المتحدة، وسيفتح الطريق في حالة واحدة عندما يقوم مرشح مقبول بطرح اسمه بين دول امريكا اللاتينية لتجاوز المعضلة التي خلقتها تحديات الرئيس الثوري الفنزويلي.
الدرس الوحيد البليغ في تجربة فنزويلا ان التحدي والشجاعة الشوارعية لا تليق بسلوك الدول في هذا الفصل من تاريخ الشعوب ولعل الدول التي تتعاطف مع فنزويلا تأخذ درسا من الواقع الذي ضيع من وقارها كدولة مهمة على المسرح اللاتيني والعالمي.


Abdullah
[email protected]