بول كرويكشانك - نيويورك تايمز

ثمة مشهد غريب في شوارع لندن وغيرها من المدن في بريطانيا، والذي اصبح مألوفا بشكل متزايد: انه مشهد النساء المسلمات المدثرات من أعلى الرأس الى اخمص القدمين باثواب سوداء، بما فيها النقاب، وهو غطاء يحجب الوجه كله باستثناء العينين. ولا يميز النقاب هؤلاء النساء الشابات عن المارة فقط، وانما يميزهن أيضا عن النساء المسلمات اللواتي اخترن ان يرتدين غطاء الرأس او الحجاب الذي يغطي الشعر والرقبة فقط. ويسبب ارتداء النقاب شعوراً من عدم الارتياح في بريطانيا متعددة الثقافات. وكان جاك سترو، وزير الخارجية البريطانية السابق قد صرح في وقت سابق من هذا الشهر بأن النقاب يجعل من العلاقات الايجابية بين المسلمين وغير المسلمين أكثر صعوبة لأنه يمثل quot;إعلاناً جليا عن نزعة الانفصال والتمييزquot;. وبذلك، فإنه يكون قد عزف على وتر يطرب له العديد من الناخبين البريطانيين الذين تعتقد نسبة اثنين وعشرين في المئة منهم فقط بأن المسلمين فعلوا ما فيه الكفاية للاندماج جدياً في المجتمع البريطاني.

ولأنني امضيت زمنا في محاولة سبر غور طبيعة الشباب البريطاني، فإنني اعتقد بأن تعليقات كتلك التي ادلى بها السيد جاك سترو ستكون ذات اثار سلبية. ذلك لأن النقاب يشكل علامة على تصاعد التوتر، ولكنه لا يشكل سببا فيه.

إن القليل من النساء المسلمات الشابات تجبرهن عائلاتهن على ارتداء النقاب. وينحدر معظم المسلمين البريطانيين من جنوب آسيا حيث لا يصر المذهب الحنفي السائد هناك على ان ترتدي المرأة ملابس تغطي جسدها بالكامل. وفي الحقيقة، فإن واحدا من مذاهب الاسلام السنية الاربع، وهو المذهب الحنبلي الشائع على نطاق واسع في المملكة العربية السعودية هو الذي يطالب النساء بتغطية اجسادهن بالكامل.

ان النساء البريطانيات الاسيويات الشابات اللواتي يرتدين ملابس على النسق السعودي يرفضن، ليس المجتمع البريطاني بكليته فقط، وانما طريقة تأقلم آبائهن واجدادهن مع قيم ذلك المجتمع. وقد أبلغني غلام رباني، وهو امام في شرقي لندن، بأنه يشعر بالفضل لكونه بريطانيا ومسلما. غير ان بعض الشباب quot;الضالينquot; في مجتمعه لا يشاركونه نفس الرأي. اما خليل الرحمن، وهو احد اصدقاء السيد رباني فقد ابلغني بانه منزعج من جيل ابنائه. وقال لي ان النساء الشابات اللواتي يخترن ارتداء النقاب quot;يتمردن على ما يقوله اباؤهن لهن، وهن يحاولن تمييز انفسهنquot; للتعبير عن شعورهم بالحنق بسب ارتفاع معدلات البطالة الى ما هو اكثر من ضعفي معدلاتها بين اولئك المنتسبين إلى مجموعات دينية اخرى. وتشعر الفتيات المسلمات بالإهانة بسبب انماط ما تبثه وسائل الاعلام. ونتيجة لشعورهم بالغربة بسبب السياسية الخارجية البريطانية، شرع الكثير من المسلمين المهمشين بالتحول إلى اشكال اكثر باطنية من الديانة للتعبير عن هوية مناقضة. ويقول مراد قريشي، وهو المستشار المسلم الوحيد في جمعية لندن quot;ان الفتيات يخترن أن يعدن التأكيد على هويتهن المسلمة لان المجتمع الإسلامي هنا يشعر بأنه بات تحت نوع من الحصارquot;.

ان ذلك الشعور بالحصار، وليس القرارات الكلامية، هو الذي يسكب الزيت على نار المشكلة الفعلية التي يتوجب على الساسة البريطانيين ان يعالجوها، وهي زحف النزعات التشددية والراديكالية الاسلامية نحو جزء هام من الشباب البريطاني المسلم. وفي استطلاع اخير للرأي العام قال اكثر من ربع الشباب البريطاني المسلم دون سن الرابعة والعشرين ان هجمات السابع من تموز 2005 على قطارات الانفاق في لندن مبررة بسبب السياسة الخارجية البريطانية. وقد تأثر الاف الشباب البريطاني المسلم بالتنظيمات المتشددة مثل حزب التحرير ومجموعات الميليشيات مثل المهاجرين.

ان هذه هي الجماعات التي اقنعت بعض الفتيات المسلمات بان من واجبهن الديني ارتداء النقاب. ويقول كمال حلباوي المؤسس ذو النفوذ لرابطة المسلمين في بريطانيا ان رسالة مختلفة جدا تخرج الان من مساجد البلاد الرئيسية، حيث ان معظم الائمة يعظون جمهورهم بأن الحجاب كاف. ومن شأن الدعوات التي يوجهها الساسة البريطانيون الى النساء المسلمات بالتوقف عن ارتداء النقاب أن تعزز فحسب من قوة الرمزية السياسية لهذا العمل، وتجعل من انتشاره امرا واسع النطاق. وكبديل، فإن المطلوب هو وضع برنامج طموح لمعالجة المعاناة المحورية للشباب المسلم البريطاني. ويأتي ذلك، على سبيل المثال، من خلال ايجاد فرص اقتصادية ومن خلال البت في مسألة التمييز.

وبالإضافة الى ذلك، يحتاج الشباب المسلم البريطاني الى اقحامه في العملية السياسية في البلاد. كما يجب تشجيع المزيد من المسلمين، لا بل واختيارهم، لخوض الانتخابات البرلمانية وحثهم على التطلع الى احتلال مناصب عليا.

عند ذلك، سيكون من الصعب كثيرا على الراديكاليين الادعاء بأن الحكومة البريطانية في حالة حرب مع الاسلام، وسنشرع عندها في رؤية نساء مسلمات شابات اقل بكثير من المنقبات بالكامل.