كواتم للصوت داخل طرد أميركي في المطار
الدبلوماسي الأميركي، وهويته الحقيقية مكتومة laquo;بسبب طبيعة عملهraquo;، استورد عتاداً حربياً إلى لبنان

عمر نشابة : وصل إلى بيروت في شباط الماضي طرد مشبوه يحتوي على كواتم صوت لبنادق وعتاد حربي باسم دبلوماسي في السفارة الأميركية في عوكر، وصادر عناصر جمارك المطار الطرد الذي أُرسل لاحقاً الى المحكمة العسكرية. وأنكرت مصادر السفارة علاقتها بالعتاد الحربي المُصادَر، كما قالت مصادر قضائية لبنانية إن العتاد هو لبندقية ldquo;خردقrdquo;. ما قصة كواتم الصوت ولماذا أُرسلت عبر ldquo;ليبان بوستrdquo; لا في الحقيبة الدبلوماسية؟

في الثالث من شباط 2006 في الساعة العاشرة والنصف كشفت عناصر الجمارك في مطار بيروت الدولي على طرد ldquo;مشبوهrdquo; مرسل الى دبلوماسي في السفارة الأميركية في عوكر يدعى مارك سافاجو (MARK SAVAGEAU)، مرسل من بريطانيا عبر شركة ldquo;ليبان بوستrdquo; يحمل رقم R1616223700GB يحتوي على عتاد حربي يبدو أن جزءاً منه مخصّص لعمليات ldquo;كوماندوسrdquo;، فوجد عناصر الجمارك في الطرد ldquo;غطاء بندقية حربيةrdquo; (عدد ثلاثة) وثلاثة كواتم للصوت من نوعيات مختلفة. وكان الطرد يحتوي أيضاً على مجلة ldquo;ديبنrdquo; DEBEN وهي مجلة تعنى ببنادق ldquo;الخردقrdquo; ولكنها أيضاً متخصصة بعتاد متطوّر ميكانيكياً وإلكترونياً ومنه مناظير ليلية حربية وأجهزة اتصال وتمويه عسكرية.

بنادق ldquo;خردقrdquo;؟

سلمت ادارة الجمارك في المطار الطرد ومحتواه الى المحكمة العسكرية (القضية الجزائية رقم واحد/ط ب/2006) بناءً على إشارة مفوض الحكومة القاضي جان فهد، خمسة أيام بعد الكشف عليها، أي في الثامن من شباط 2006. وتسلمت ادارة الجمرك إشعاراً بتسلم المضبوطات.
وفي الثامن والعشرين من شهر آب الماضي أرسلت ادارة الجمارك كتاباً الى المحكمة العسكرية طالبة إعلامها بالقرار الصادر بخصوص قضية المضبوطات ldquo;حتى يبنى على الشيء مقتضاهrdquo;. وجواباً على سؤال قال مصدر قضائي رفيع لـldquo;الاخبارrdquo; إن الموضوع بسيط يتعلّق ببنادق ldquo;خردقrdquo; أي بنادق ضغط (أو ما يعرف أيضاً باللغة العامية بـldquo;أم حبّةrdquo;). وهذا امر مستغرب رغم أن المحضر يقول إن أحد الكواتم من نوع LOGUN SILENCER (وكلمة LOGUN تستخدم عادة لبنادق ldquo;الخردقrdquo;) لأن أولاً من المستبعد أن يستعمل كاتم صوت لبندقية ldquo;خردقrdquo; لأن هذه البندقية صوتها مكتوم أصلاً، وثانياً لا يوجد سبب منطقي لاستيراد كواتم صوت لبندقية تستعمل عادة للتسلية والتمرين، وثالثاً لا يوجد سبب منطقي لاستيراد ثلاثة أنواع مختلفة من كواتم صوت، رابعاً توقيت استيراد دبلوماسي في السفارة الاميركية كواتم صوت لبندقية ldquo;خردقrdquo; يتسلّى بها يدعو الى الشكّ. ففي شباط، الذكرى السنوية لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وهي مناسبة أدّت الى تشنجات بين فريقين من اللبنانيين واتهمت الولايات المتحدة بالانحياز لجهة على حساب أخرى.
ومستغرب أيضاً أن الرسائل التي ارسلتها ادارة الجمارك في المطار الى المحكمة العسكرية لم يكن مدوّناً عليها أن نسخة منها ترسل الى جهاز أمن المطار الذي من المفترض أن يطّلع على شأن كهذا يتعلّق بمضبوطات من هذا النوع.

نوعية المضبوطات

دوّن في محضر كشف الطرد المشبوه محتواه: ldquo;1- غطاء بندقية حربية عدد 3 ماركة Carlonds ndash;Advantage 2- كواتم صوت عدد 3 ماركة PARKER- Hale ndash; LOGUN Silencer والثالث بدون ماركة 3- مجلة باسم DEBEN. 4- قطعة قماش (كلمة غير مفهومة)rdquo; . بينما لا يذكر الكتاب الذي ارسلته ادارة الجمارك الى المحكمة العسكرية في 28 آب الماضي ldquo;غطاء بندقية حربية عدد 3rdquo; كما هو مذكور في محضر كشف الطرد المشبوه بل يذكر ldquo;3 كواتم للصوت مع اغلفة عائدة لهاrdquo; وهذا أمر مستغرب ويدعو الى التساؤل عن سبب اختلاف المعلومات المدونة من المصدر نفسه في مراسلة موجهة الى السلطة القضائية المختصّة.
بالنسبة لغطاء البنادق فهي لبنادق ldquo;حربيةrdquo; كما ذكر محضر الكشف ولا تُعد بندقية ldquo;خردقrdquo; حربية. ولم يحدّد المحضر تفاصيل يمكن أن تساعد على كشف نوعية وعيار البندقية (أو البنادق) التي يستخدم الغطاءات الثلاثة لتوليفها. أما كواتم الصوت فيذكر المحضر أنها من ثلاثة أنواع وعرف منها اثنان (وهنا السؤال عن سبب عدم معرفة النوع الثالث؟ ألم تدوّن أو تحفر أي اشارة أو عيار على الحديد أو الالمنيوم الذي صنع منه الكاتم كما يحصل عادةً؟) والنوعان اللذان عرفا وذكرا هما PARKER-HALE و LOGUN SILENCER. الأول هو ماركة كواتم للصوت حربية، بينما الثاني هو وصف لكاتم صوت بندقية ldquo;خردقrdquo; ولم يحدّد نوع الكاتم. وهذا يدعو الى الشكّ. فهل سجّل في المحضر أن الكاتم مخصّص لبندقية ldquo;خردقrdquo; لتمرير كواتم حربية وعتاد حربي آخر؟
إن شركة PARKER-HALE تنتج مجموعة كواتم للصوت منها PARkER HALE ALUMINUM SILENCER من عيار 22 ملم وPARKER HALE STEEL و PARKER HALE UNIVERSAL و PARKER HALE PHANTOM CARBON SILENCER وغيرها من كواتم الصوت لعيارات مختلفة من الطلقات. وتستخدم كواتم الصوت عادة للاغتيالات واعمال ldquo;الكوماندوسrdquo; والعمليات السرية والمهمات الخاصّة.

الجهة التي أرسل إليها العتاد

أُرسل الطرد المشبوه إلى مارك سافاجو (مواليد 1969 ولاية نورث داكوتا) هو ضابط سابق في الجيش الأميركي برتبة نقيب.أكمل دراسته في مدرسة فارغو الكاثوليكية (FARGO CATHOLIC SCHOOL) ثم التحق بالجيش الأميركي (الوحدة 116) قبل أن يلتحق بالسلك الدبلوماسي الاميركي. ويذكر موقع الكتروني متخصّص بالأسلحة والابتكارات العسكرية أن ldquo;سافاجو موظف في الحكومة الاميركية مرسل الى اماكن غير معلنة خارج الولايات المتحدة وبسبب طبيعة عمله ان هويته الحقيقية مكتومةrdquo;. ويضيف الموقع أن سافاجو ldquo;لديه معرفة معمّقة بالاسلحة والتكتيك، وكان قد خدم في مهام في 20 دولة وهو يتكلّم عدّة لغات ولديه خبرة في مكافحة الارهاب ولديه اتصالات بالعديد من الشخصيات السياسيةrdquo;. ويدلي الموقع معلومات عن سافاجو لأنه صمّم سلاحاً أبيض يعرف باسم ldquo;تناتوسrdquo; وهو عبارة عن خنجر خاص لعمليات ldquo;الكوماندوسrdquo;. (الموقع الالكتروني http://www.szaboinc.com) وكان سافاجو قد حصل عام 1997 على شهادة وميدالية من الجيش تعرف بميدالية ldquo;نصنع الفرقrdquo; ldquo;We Make A Differencerdquo; (وكان زميل له في الجيش الاميركي يدعى جورج سمرا قد حصل على الميدالية نفسها لكونه في فريق عمل سافاجو نفسه). (بحسب موقع الكتروني تابع للجيش الاميركي http://www.pica.army.mil/tqm/qualitylink/jun98/diff.htm)

السفارة الأميركية

وفي اتصال هاتفي مع ldquo;الأخبارrdquo; شدّد جوزف الياس شليطا وهو محقق خاص يمثّل مكتب الأمن الدبلوماسي في السفارة الأميركية SPECIAL INVESTIGATOR REPRESENTING THE DIPLOMATIC SECURITY OFFICE على أن ldquo;السفارة الأميركية أو أياً من الدبلوماسيين التابعين لها لم يستورد أي قطعة سلاح أو أي عتاد حربي منذ زمنrdquo;. ورداً على سؤال عن كواتم الصوت قال: ldquo;إن هذه المعلومات غير صحيحة ولم يستورد أي دبلوماسي سلاحاً ولا كواتم صوتrdquo;، وأضاف أن السلطات القضائية لم تتصل بالسفارة بهذا الخصوص.
وقال مصدر مطّلع لـlaquo;الأخبارraquo; إن القضاء العسكري طلب الاستماع لمارك سافاجو ولكنه لم يحضر وأرسل مكانه جوزف شليطا. لكن شليطا نفى حصول ذلك وقال إن علاقة جيدة تربطه بالقضاء اللبناني ولا علم له بوجود تحقيقات في شأن نقل أسلحة أو عتاد عسكري من أي نوع.

احتمالات

والسؤال الذي يطرح هنا هو لماذا نقلت كواتم الصوت بطرد عبر بريد laquo;ليبان بوستraquo; لا في الحقيبة الديبلوماسية التي لا تخضع بحسب الأصول لتفتيش عناصر الجمارك؟

أولاً، قد يكون مارك سافاجو اشترى كواتم الصوت وغلاف البندقية لاستخدام شخصي لا علاقة للسفارة الاميركية به. وقد يكون الاستخدام الشخصي هو تمارين وتسلية ضمن نطاق السفارة على أسلحة مختلفة، أو استخدام شخصي آخر مخالف للقانون وخارج حدود السفارة في عوكر.ثانياً، بما أن مصدر الطرد هو المملكة المتحدة والكواتم من صنع بريطاني، فقد يكون إرسالها بالبريد العادي مموّهة بأنها كواتم لبنادق laquo;خردقraquo; مناسباً.
ثالثاً، إن شراء ثلاثة أصناف مختلفة من كواتم الصوت قد يعني أن الشاري يريد أن يجرّبها قبل شراء كمية كبيرة منها. وان عدم وجود علامات على أحد الكواتم الثلاثة (وبسبب ذلك لم تدوّن نوعيته في محضر كشف الطرد المشبوه) قد يدلّ على أن هذا الكاتم ليس لاستخدام في بندقية laquo;خردقraquo; بل في بندقية قنص حربية. ووجود هذا الكاتم بين كواتم laquo;خردقةraquo; يجعل الكاشف عليه يظن أنه من النوع نفسه.

على كل حال، إن استيراد ديبلوماسي أميركي كواتم للصوت الى لبنان ــ حتى لو كانت لبندقية laquo;خردقraquo; ــ عبر المطار في هذه الفترة المتشنجة أمنياً وسياسياً، يدعو إلى الشكّ. وبما أن الموضوع بيد القضاء العسكري، ينتظر المواطنين أن يصدر عنه قرار علني لبت هذه المسألة ومحاكمة ومعاقبة الذين يخالفون القانون ويشكلون تهديداً للأمن والسلامة.