الأربعاء: 2006.11.08

فيل أنجلايدز

في الأسبوع الماضي مهر الرئيس بوش توقيعه على إجراء يرخص لبناء سياج جديد يمتد على مسافة 700 ميل من مجموع الحدود الأميركية المكسيكية البالغة 1952 ميلا. ورغم أن الجدار الحدودي قد لن يكتب له الانتهاء أبداً بسبب نقص في التمويل وعدم رصد الموارد اللازمة لبنائه، إلا أنه بصرف النظر عن مآل الجدار وما إذا كان سينجز فعلاً، كما أجاز ذلك الرئيس، فإن الأكيد أن ترخيص بناء الجدار لن يقدم حلاً لمشكلة الهجرة ما لم توضع هذه الأخيرة ضمن إطار شامل يروم إصلاح قانون الهجرة، سواء في ولاية كاليفورنيا أو في الولايات المتحدة عموماً. وبالرجوع قليلاً إلى الوراء نجد أن أميركا كانت على الدوام قبلة المهاجرين والوافدين الجدد الذين جاءوا من أركان العالم الأربعة وساهموا في إغنائها. ومع ذلك، وفي كل فترة من فترات ارتفاع معدلات الهجرة إلى الولايات المتحدة وتزايد نسبة الوافدين الجدد، يحتدم النقاش ويبدي البعض مخاوفهم من العدد الكبير للمهاجرين وتأثير ذلك على النسيج الثقافي الأميركي، أو مزاحمة المهاجرين للأميركيين في الحصول على الوظائف.

وبالطبع فإن ما يغذي تلك المخاوف التي لا أساس لها من الصحة على أرض الواقع، هو الجهل بحقيقة الأمور والعنصرية التي مازالت مستحكمة لدى البعض في أميركا. لكن ونحن نمضي قدماً على طريق إقرار إصلاح قانون الهجرة، علينا دائماً أن نضع نصب أعيننا المبادئ والقيم التي جعلت من الولايات المتحدة أمة عظيمة، وهي الحرية وتكافؤ الفرص والمساواة. ووفاء منا لتلك المبادئ، علينا مقاومة إغراء الانصياع إلى هؤلاء الذين يدعون إلى الفرقة ويروجون لخطاب الكراهية ضد المهاجرين بسبب انتشار الصور النمطية الخاطئة. وعندما نتحدث عن مقاربة شاملة لمسألة الهجرة وإصلاح متعدد الأركان والزوايا، فإننا نعني أن نبدأ أولاً بتعزيز أمن الحدود، وذلك من خلال الالتزام بالتوصيات التي نص عليها قانون إصلاح الاستخبارات ومكافحة الإرهاب غداة هجمات 11 سبتمبر. ويقضي القانون بنشر ما لا يقل عن 2000 من أفراد حراسة الحدود كل سنة، وإقامة مراكز لإيواء المهاجرين تضم ثمانية آلاف سرير على مدى خمس سنوات.

ولا شك أن الاستثمار في حراسة الحدود وتوفير العناصر البشرية القادرة على مراقبتها، فضلاً عن استخدام أحدث الوسائل التكنولوجية لضبط المهاجرين السريين وتوفير الحماية للأمن القومي... هي أمور مهمة وحيوية. لذا فنحن نطالب الحكومة الفيدرالية بتوفير التمويل اللازم لهذه المرافق المهمة وعدم التقتير في تعزيز حراسة الحدود التي مازلنا نملس قصوراً واضحاً في مراقبتها وضبطها على النحو المطلوب. لكن مع ذلك، نعتبر بأن الإجراءات الأمنية غير كافية بمفردها لمعالجة إشكالية الهجرة، أو التصدي لتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية. والسبب بسيط ويتمثل في طول وشساعة الحدود الأميركية المكسيكية، إذ من غير الممكن أبداً حراسة حدود بهذا الطول مهما بلغت الإجراءات الأمنية والموارد المالية المرصودة لحراستها، ومهما بذلت الجهود لمنع تسرب المهاجرين الذين لن يعدموا الوسائل الجديدة والمبتكرة للنفاذ إلى الولايات المتحدة.

والأكثر من ذلك فإن 40% من 12 مليون مهاجر غير شرعي يعيشون في الولايات المتحدة دخلوا الأراضي الأميركية بطريقة شرعية لكنهم تجاوزوا فترة إقامتهم. لذا لن تستطيع الإجراءات الأمنية أن تتعامل مع هذا النوع من الحالات التي لم تنشأ أصلاً عن العبور السري للحدود. وأعتقد شخصياً بأنه لكي ينجح إصلاح قانون الهجرة لا بد من أن نتعامل مع الجذور الحقيقية للمشكلة المتمثلة في الطلب المتزايد للاقتصاد الأميركي على المهاجرين، هذا الطلب الذي يعتبر المحرك الأساسي للهجرة من المكسيك وباقي دول أميركا اللاتينية إلى الولايات المتحدة. وأقترح في هذا السياق أن تحدث الحكومة الفيدرالية برامج معقولة للعمال المؤقتين تسهر على تلبية حاجة الاقتصاد الأميركي من اليد العاملة من المهاجرين، وهو ما سيساعدنا على إنهاء اقتصاد الظل الذي يستغل العمال غير الشرعيين بدون ضوابط ولا حقوق يضمنها القانون. ويتعين علينا أيضاً منح العمال غير الشرعيين الذين يعملون بجد ويدعمون الاقتصاد الأميركي فرصة للحصول على حق المواطنة ما داموا مستعدين للالتزام بالقوانين وأداء الضرائب وتعلم الإنجليزية والاطلاع على التقاليد الأميركية.

وفي الختام يتعين على مشروع قانون الهجرة أن يخول للولايات حق مساءلة الحكومة الفيدرالية على طريقة تعاملها مع الهجرة. فعندما يؤدي فشل السياسات الحكومية في معالجة معضلة الهجرة إلى إثقال كاهل الولايات بأعباء اجتماعية ثقيلة تنوء تحت حملها الولايات، فإن على هذه الأخيرة أن تطالب الموظفين الفيدراليين بتحمل مسؤولياتهم بأن تدفع للولايات والحكومات المحلية أموالاً لتعويض التكاليف المرتفعة. وكلّما اشتد النقاش حول الهجرة أتذكر تاريخي الشخصي؛ فأنا أنحدر من أسرة مهاجرة، حيث قدمت والدتي ذات الأصول اليونانية إلى أميركا من مصر وأصبحت مواطنة أميركية عندما كنت في سن العاشرة. كما قدم أجدادي من جهة والدي إلى أميركا في بداية القرن الماضي واستطاعوا بكدهم أن يرسلوا والدي إلى الجامعة، حيث شارك اثنان من أبنائهما في الحرب العالمية الثانية. ورغم أن أجدادي الذين جاءوا إلى الولايات المتحدة لم يكونوا يجيدون اللغة الإنجليزية، إلا أنهم مع ذلك كانوا أميركيين مثل غيرهم. ولم تثنهم مشاعر الكراهية والعنصرية التي كانوا يواجهونها من البقاء في أميركا ليصبحوا مثل العديدين غيرهم، مصدر فخر واعتزاز للأمة الأميركية!

مرشح quot;الحزب الديمقراطيquot; لمنصب حاكم ولاية كاليفورنيا