الثلاثاء: 2006.11.14

ديفيد سي. أنجر ـ نيويورك تايمز

quot;اكتب عموداً صحفياًquot;... بهذه العبارة صاح فيَّ عدد من النساء الألمانيات، اللائي كن ينشغلن بإعداد وجبة الإفطار لحواراتهن الأسبوعية، في مشروع quot;دار رولينبيرج للإسكانquot;، بقطاع quot;كولن الجديدةquot; من برلين. فقد نالت هؤلاء النسوة الجنسية الألمانية وأصبحن ألمانيات، على الرغم من أنهن يعدن إلى أصول أخرى غير ألمانية، وولدن خارج ألمانيا في العديد من الدول الإسلامية. وبينهن ترى من ترتدي حجاباً، وأخريات حاسرات كاشفات الرؤوس. وكانت أصغرهن سناً في نحو التاسعة عشرة من العمر، بينما ترى بينهن من هن في عمر الجدات. وتصور هؤلاء النسوة واقعاً اجتماعياً استطاع أن يحظى في نهاية الأمر، بقبول أكثر الساسة الألمان quot;محافظةquot;. ذلك أنه ليس ثمة سبب يدعو للاعتراض على فكرة أن يكون الشخص ألمانياً ومسلماً في آن معاً. وهذا واقع لا يلفت بال أحد في دولة أخرى كالولايات المتحدة مثلاً. إلا أن هذا القبول يشير إلى ثورة ثقافية كبرى، في دولة مثل ألمانيا، المثخن تاريخها بجراح وأثقال النعرة القومية الإقصائية، وبالجنسية الوطنية القائمة على أساس عنصري.

وتعد quot;آيتن كوسيquot;، هذه المرأة المشتعلة حماساً، من أصل تركي، هي الدينامو المحرك لهذه الإفطارات واللقاءات الأسبوعية للمهاجرات، وهي الأكثر قدرة على أن تحدثك بإسهاب عن كل ما تود معرفته كزائر، وعما يعنيه إنشاء هذا المشروع السكني للمهاجرين. أما هذه الإفطارات الأسبوعية التي حدثتك عنها، فهي جزء من أنشطة برنامج التواصل بين المهاجرين والمرافق الخدمية الألمانية المحلية، برعاية الحكومة المحلية والاتحاد الأوروبي. أما الهدف النهائي، فهو الحد من شعور المهاجرين بالعزلة الاجتماعية، وهو الشعور الذي ينتاب الكثيرين منهم في المجتمعات والأوطان الجديدة التي هاجروا إليها. ويطال الشعور نفسه المؤسسات السياسية لتلك المجتمعات.

ومن خلال هذا البرنامج تمتلك النساء المهاجرات الجرأة على مغادرة شققهن السكنية الخاصة، والذهاب إلى ساحات وغرف عامة أوسع، وفرها لهن البرنامج، حماية لهن من مجموعات الشباب العنصريين التي كثيراً ما تخيفهن وترغمهن على البقاء داخل شققهن. وفي تلك الدار العامة التي وفرها البرنامج للنساء المسلمات المهاجرات، انتظمت الإفطارات ولقاءات الحوار الأسبوعي المشار إليها آنفاً. وتتعرض النساء في حواراتهن هذه إلى مواضيع تمتد من العنف المحلي الذي يتعرضن له في مجتمعهن الجديد، وحتى التطورات الجارية في كل من أفغانستان وغزة والعراق.

وقد حان الوقت لكي يدرك القادة الألمان، أن الملايين من هؤلاء المهاجرين، ليست لديهم أية خطط للعودة إلى مواطنهم الأصلية التي جاءوا منها كعمالة زائرة أو طلاب لجوء سياسي، وأنهم يرغبون في الاستمرار في البقاء في ألمانيا، باعتبارهم مواطنين ألماناً. ويبلغ عدد المسلمين بين هؤلاء ما يزيد على الثلاثة ملايين، منهم نحو مليون من الأتراك، بينما تنحدر غالبية الملايين الباقية من أصول بوسنية وألبانية وعربية وباكستانية وإيرانية.

وإنه لمن مصلحة ألمانيا أن يحقق هؤلاء القادمون الجدد نجاحاً وتقدماً في حياتهم، وذلك عن طريق مساعدتهم في تحسين مهاراتهم اللغوية الألمانية، وإعدادهم لوظائف أفضل، وتذليل طريق نيلهم للجنسية الألمانية. ففي ذلك ما يقلل مخاطر انزلاق المهاجرين إلى عالم سري خفي من الشعور القاتل بالعزلة، والبطالة واليأس، مع العلم أنه الطريق الذي ربما يدفعهم في نهاية المطاف للالتحاق بصفوف التنظيمات الإرهابية.

وعلى رغم إيجابية المنحى الواقعي الذي بدأ يتبناه الساسة الألمان إزاء المهاجرين، لا يزال على ألمانيا فعل الكثير من أجل هؤلاء. فهم لا يزالون يتعرضون لهجمات العنف من قبل العنصريين وكارهي الأجانب من الجيران، وإلى المعاملة التمييزية الإقصائية من قبل الدوائر والمصالح الحكومية المحلية، بينما لا يزال الطريق طويلاً جداً أمام حصول المقيمين في ألمانيا لأمد طويل من الزمن، على الجنسية الألمانية التي يحلمون بها.

لكن وعلى رغم جوانب القصور الألماني المشار إليها هنا، فإن هذا النهج الذي تتبعه ألمانيا إزاء المهاجرين، لهو أفضل بكثير من ذلك الذي تتبعه إزاءهم جارة أوروبية أخرى، هي فرنسا، مع العلم أنها موطن أكبر جالية أوروبية مسلمة مهاجرة.

عن الإتحاد الإماراتية