السبت: 2006.11.18

ذاكرة المستقبل
جمعة اللامي


ذات ظهيرة، من أحد أيام صيفنا الصائف الفائت، تحدث إلي رجل، قال إنه يمرّ، الآونة سريعاً بمدينة الشارقة، ويحمل إليّ كتاب شعر من الشاعر ضياء الدين العلاّق، المقيم في مونتريال بكندا. كان الرجل مسرعاً، فاعتذر عن دعوتي لتناول الغداء في منزلي. قلت له: ldquo;هذا رجل لم ألتق به، يقصدني من خلالك من كندا، ليهدي إلي كتابه. ألا يستحق مني أن أدعو صديقه لجلسة صفاء في منزلي؟rdquo;.

كان الرجل مسرعاً، كما قلت، فوضع الكتاب في صندوق بريدي بالشارقة، ومضى. ومضت أسابيع بعد ذلك، وحصلت على مغلف عليه اسمي، وعلى ظهره عنوان الشاعر ضياء الدين العلاق. ثم مضت أيام أخر، والكتاب داخل المغلف، يرقد على منضدة صغيرة، ينظر إليه ضيوف يعرفون معنى الصداقة، ويجلّون صداقات الكلمة.

قبل ثلاثة أيام، تعرفت إلى ضياء الدين العلاّق، الذي لم أتلقِ به مسبقاً، كما لو أنني أعرفه، كما أعرف أحمد خلف، جليل القيسي، محمد خضير، وعزيز السيد جاسم، وكان ذلك فرح المنزل الحقيقي في منزلي ذلك اليوم، فهنا تجلس الصداقة على أريكة، ويجيء إليك الوطن من حيث لم تخطط.

عنوان كتاب ضياء الدين العلاّق: ldquo;مضاف إليّrdquo; ولعلّه عنوان يضيء جسداً بأكمله، أو يستدعي جغرافيا عمرها أكثر من سبعة آلاف سنة:

ldquo;أنا

والعراقُ العريقْ

قشة وغريقrdquo;.

خمس كلمات هي نصّ لا يأتيه الحشو من يمين أو شمال، يعلوه عنوان بست كلمات: ldquo;براءة ممّا تواضع عليه الكهّان بالخسفrdquo;. نحن الآن أمام جسد كامل، نطّلع على فؤاد قصيدة، كما تطلّع الأفئدة على السرائر.

ldquo;يتصاعدُ

من سقف بيتي الدخانُ

وأصْعدُ

للسقْفِ

مثل الدخانِ

كأنّي

بقايا

احتراقrdquo;.

ثمة نصّ آخر، لم يدون في هذا الrdquo;مضاف إليrdquo;، هو الرجل الذي جاء بالكتاب إليّ: أن يتعنى إليك رجل لا تعرفه، حاملاً إليك كتاباً من رجل لا تعرفه، ويسافر من مدينة إلى مدينة، فهذا هو الشعر بعينه. وربما هو كفعل أكثر حضوراً من هذا الضجيج السياسي والاعلامي الذي يحيط بنا، حتى ليكاد يخنقنا.

قبل ربع قرن كنا نحتفي ببعضنا، على طريقة ما اجترحه صديق ضياء الدين العلاّق مع العلاّق ذاته. يتذكر ذلك الصديقان أحمد خلف ومحمد خضير. وهو رحل أيضاً مع جليل القيسي إلى دار الشعر الأولى: ملكوت الله.

[email protected]