الجمعة: 2006.11.24
د. رغيد الصلح
قطار الحرب الأهلية في لبنان بات يتحرك بسرعة متزايدة فهل من الممكن إيقافه؟ البعض يقول لا. الوقت أصبح متأخرا. اغتيال الوزير اللبناني بيار امين الجميل يرجح هذا الاعتقاد، وتنحي رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن دوره كمحاور ومنسق للحوار والتشاور بين القيادات اللبنانية يرجح أيضا هذا التوقع المتشائم. البعض الآخر يقول نعم، من الممكن إيقاف الحرب وتهدئة الأوضاع اللبنانية إذا توافرت الشروط التالية:
* أولاً: أن يقتنع فريق من اللبنانيين ان الحرب الأهلية ليست حتمية، وأنه من الممكن الحيلولة دون وقوعها.
يستطيع هذا الفريق ان يلعب دورا تاريخيا وأن يساهم في انقاذ لبنان من محنة كبرى إذا أعلن بوضوح ان الصراع الحقيقي في لبنان اليوم هو ليس بين ldquo;الأكثريةrdquo; وrdquo;الأقليةrdquo; وليس بين تحالف حاكم وتحالف معارض، بل هو بين الذين يفتحون الباب أمام الفتنة حتى ولو كانوا فعلا ضدها والذين يبذلون كل جهد من أجل صدها. وكذلك إذا أعلن هذا الفريق بوضوح انحيازه الى المعسكر الأخير، وأعطى الاولوية، الأولوية المطلقة في هذه الساعات القلقة لمقاومة الفتنة. إن مقاومة الفتنة بين اللبنانيين تكاد تكون في اللحظة الراهنة تساوي مقاومة الغزو الأجنبي والهيمنة الخارجية. وينبغي ألا يخدع احد من اللبنانيين نفسه أو الآخرين عندما يظن انه يحمي الاستقلال أو السيادة أو الديمقراطية أو أرض الوطن عندما يقتل لبنانيين آخرين.
قد يجد المتشائمون أنه لا مكان لمثل هذا الفريق في السياسة اللبنانية الراهنة، فالاستقطابات الحادة والحربوية اجتاحت كل اللبنانيين. في هذه الحالة فإنه من الصعب أن يكون المرء خارج الصراع. فإذا كان المرء داخل الصراع عليه أن يقبل أدواته ووسائله ومنطقه. والحال أن الاستقطابات طغت على كل شيء عندما ينحصر الصراع حول القضايا التي تحددها أطرافه الرئيسية الراهنة. ولكن عندما تكون قضية القضايا هي: هل يتصارع اللبنانيون سلما وبالوسائل الديمقراطية أم بالسلاح وبالعنف؟ عندها من الممكن أن ينشأ استقطاب من نوع آخر، وأن يتمكن اللبنانيون من عرقلة سير قطار الحرب.
قد يقال أيضا ما الذي يملكه المسالمون للوصول الى الرأي العام وإلى التأثير عليه؟ كيف لهم أن يحدوا من اندفاع قطار الحرب وقد وصل الى ما هو أشبه بمحطته النهائية؟ أسئلة صحيحة قد يكون من الصعب الإجابة عنها لولا التجارب الكثيرة التي شهدناها في الماضي، ففي السبعينات والثمانينات كانت الحرب مستعرة ولغة السلاح، وليس التهديد والتلويح به فحسب، طاغية، ولكن مع ذلك لم تنقطع المبادرات الاهلية ضد الاقتتال الداخلي التي توجت بمسيرة البرلمان الشهيرة. وخلال الحرب ورغم انخراط عدد كبير من اللبنانيين فيها، فإن الاستفتاءات الجادة التي نظمت أثبتت أن الأكثرية من اللبنانيين كانت ضد لغة السلاح ومع استرجاع السلم والوطن والدولة. تلك التجارب تدل على أن كل دعوة جادة ونزيهة أي بعيدة عن الانحياز الى هذا الفريق أو ذاك سوف تلقى استجابة واسعة لدى اللبنانيين.
إن تجديد مثل هذه المبادرات أمر ممكن وعبر خطوات منها ما يلي: تكوين تجمع ضد الحرب، بلورة اجندة محددة لتحرك أهلي ضد الحرب، تأسيس ldquo;غرفة عملياتrdquo; تطوعية لتوعية اللبنانيين بمخاطر الحرب، إنشاء خيمات أهلية في وسط بيروت ومن بعدها في ساحات المدن الرئيسية ضد الاقتتال، استخدام شبكات الانترنت والوسائل السمعية والبصرية المتاحة لحث اللبنانيين على التصدي لخطر الحرب. وليس من المغالاة الاعتقاد بأن مثل هذه الخطوات سوف تجد استجابة واسعة بين المواطنين وسوف تساهم في تشكيل ldquo;معسكر سلام لبنانيrdquo; يحد من احتمالات الاقتتال والمجابهات المسلحة بين اللبنانيين.
* ثانياً: أن يقتنع القادة العرب بأنه من مصلحتهم ومن مصلحة بلادهم والمنطقة أن يتحركوا بسرعة من أجل النظر في ldquo;المسألة اللبنانيةrdquo;، نقول المسألة اللبنانية لأنها بلغت من التعقيد والحدة وبحيث باتت هماً يتجاوز لبنان واللبنانيين، ووصلت الى مستوى من الاستدامة مما يجعلها تتجاوز اللحظة الراهنة. والقيادات العربية ليست في حاجة الى جهد كبير للاقتناع بخطورة هذه القضية وبالحجم المتوقع لمضاعفاتها الإقليمية وأثرها في الاستقرار في دول المنطقة، فهذه المسألة استأثرت باهتمام القادة العرب منذ أن تحول لبنان الى ساحة رئيسية، وإن لم تكن الساحة الرئيسية، للصراع العربي ldquo;الإسرائيليrdquo;.
لقد عبرت القيادات العربية الرسمية عن هذا الاهتمام عندما أدرجت المسألة اللبنانية كبند رئيسي على القمم العربية التي انعقدت منذ قمة الرياض السداسية التي انعقدت عام 1976 وحتى تاريخنا هذا. انعقدت قمة الرياض آنذاك بقصد مساعدة لبنان في الحفاظ على ldquo;وحدته الوطنية وسلامته الاقليمية، ومساعدة الاطراف اللبنانية على إجراء حوار سياسي بهدف تحقيق المصالحة الوطنيةrdquo;. والمطلوب اليوم هو تجديد هذا الاهتمام وذلك عبر انعقاد قمة عربية استثنائية تخصص لبحث ldquo;المسألة اللبنانيةrdquo; ولاتخاذ خطوات عربية عاجلة بغرض منع تجدد القتال بين اللبنانيين.
إن مبررات انعقاد القمة اليوم تشبه الى حد بعيد مبرراتها في الأمس، ففي لبنان لم تعد هناك جهة محلية بعد القرار الذي اتخذه الرئيس بري بالامتناع عن عقد جلسات الحوار والتشاور تستطيع أن تضطلع بتنظيم حوار هادف بين القيادات اللبنانية، فالأكثرية النيابية لا تقبل أن يضطلع الرئيس اللبناني إميل لحود بمثل هذا الدور، والأقلية النيابية لا تقبل أن يضطلع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة به. وبانقطاع الحوار وأقنية التواصل والمشاركة بين القيادات اللبنانية تزداد احتمالات المواجهة. ان عقد مؤتمر قمة عربي من شأنه أن يفتح الباب أمام تجدد الحوار بين الزعامات اللبنانية، وأن تعالج العديد من الاختناقات التي تعرض لها الجسم السياسي اللبناني في المرحلة الأخيرة.
بل إن قمة من هذا النوع قد تكون مدخلا لمعالجة اختناقات عربية تقاطعت مع الاختناقات التي ألمّت بالحال اللبناني. لقد أثّرت هذه الاختناقات في العلاقات بين أطراف المحور الثلاثي الذي ضم مصر والسعودية وسوريا الذي أمن شيئا من الاستقرار في العلاقات العربية وبعض الاستقلالية للنظام الإقليمي العربي. تفكك هذا المحور انعكس بصورة سلبية على الأوضاع اللبنانية، فلعل القمة العربية تسهم في تنقية العلاقات بين قيادات الدول الثلاث مما يترك أثراً إيجابياً في الأوضاع اللبنانية، فضلا عن ذلك فإنه بأمكان قمة عربية طارئة من أجل لبنان تشكيل لجنة مصغرة تتولى متابعة الشأن اللبناني عن كثب وإشراك أطراف إقليمية مثل إيران وتركيا ودولية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا في المسعى العربي من اجل ابعاد شبح الاقتتال عن اللبنانيين.
لقد دفع اللبنانيون والدول العربية ثمنا باهظا في السابق من أجل وقف الحرب في لبنان. يستطيع اللبنانيون والقيادات العربية دفع ثمن زهيد إذا تحركوا اليوم وبكل اندفاع من اجل وقف قطار الحرب الأهلية قبل أن يصل إلى الأراضي اللبنانية.
التعليقات