الجمعة: 2006.11.24

اليوم، غداً
سعد محيو


أي رسالة أطلقتها عملية اغتيال بيار الجميل؟

الأمر يعتمد على المرسل.

إذا ما كان التخطيط انطلق من تل أبيب، فهذا يعني ان الدولة العبرية قررت تقديم الصاعق لتفجير الوضع اللبناني، المتأزم أصلاً، في وجه الجميع. أما إذا ما جاءت الإشارة من دمشق، فهذا سيكون بمثابة ldquo;توضيح لقوى ldquo;14 آذارrdquo; بأن الحوار السري السوري- الأمريكي بدأ يؤتي شيئاً من ثمارهrdquo;.

لكن، وأياً كانت الاعتبارات التي أملت على هذا الطرف أو ذاك قرار اغتيال هذا الوزير المسيحي الناري والمثير للجدل، ثمة حقيقة لن يتمكن بعد الآن أيّ من السياسيين اللبنانيين من القفز فوقها: ليس هناك، ولن يكون هناك، أي حصانة أو حماية لهم من أحد، حتى ولو أوقف مجلس الأمن الدولي كل نشاطاته العالمية وتفرّغ بكليته لمسألة المحكمة الدولية.

لا بل أكثر: سيكتشف السياسيون اللبنانيون بعد قليل أن هذه المحكمة الدولية نفسها التي طبلوا وزمروا لها طويلاً، ستكون عبئاً عليهم لا رصيداً استراتيجياً لهم. فهي، وفي ظل المستجدات البيكرية (من جيمس بيكر) التي بدأت تغيّر ملامح الصراع في الشرق الأوسط، ستكون حافزاً لدمشق وواشنطن لتسريع الصفقات بينهما: الأولى لحماية أركان نظامها والحصول على ضمانات بقاء هذا النظام نفسه، والثانية لبيع جزء من صوف الحمل اللبناني في مقابل جلد الدب العراقي.

شيء من هذا القبيل حدث العام 1989 بين حافظ الأسد وبين جيمس بيكر نفسه حين كان في إدارة جورج بوش الأب: مقايضة السيطرة السورية على قصر بعبدا بمشاركة دمشق في حرب الخليج الثانية لإخراج صدام من الكويت.

وبرغم أنه ليس من الضرورة أن يتكرر هذا التاريخ الصفقاتي بحذافيره الآن، إلا أنه في الوقت ذاته لن ينتهي الحوار السوري- الأمريكي الراهن بلا أثمان لبنانية لمصلحة دمشق، على الأقل على صعيد منح هذه الأخيرة حرية حركة أكثر في بيروت.

لكن، وإذا ما حدث ذلك (والأرجح أنه سيحدث)، لن تخرج تل أبيب خالية الوفاض من هذه المساومات. هي أيضاً ستطالب بثمن لبناني، خاصة في الجنوب. وهي أيضاً سيكون لها دور حتمي، وإن نسبياً، في تحديد المسار الذي ستسير فيه السفينة اللبنانية المتهالكة.

وحين تتم هذه الصفقات، ستغلق دائرة الصراع في لبنان مجدداً لمصلحة هذين الطرفين الإقليميين، ولغير مصلحة السياسيين اللبنانيين. حينها سيدرك هؤلاء السياسيون، بكل أطيافهم، أنهم مهما فعلوا في الداخل اللبناني ومهما نشطوا في الخارج الامريكي والفرنسي والسوري والإيراني، فلن يستطيعوا أن يطوّروا مرتبتهم من بيدق إلى فارس على رقعة شطرنج لعبة الأمم.

***

ما الرسالة التي أطلقها اغتيال الجميّل؟

ليس مهماً البحث عن المصدر البريدي الذي انطلقت منه. الأهم أن يدرك السياسيون اللبنانيون، ولو متأخرين، أحجامهم وحجم وطنهم الصغير، فيتوقفوا عن ألعابهم الخطرة الراهنة مع الكبار.

هذا بالطبع إذا ما أرادوا شطب أسمائهم من لائحة الاغتيالات.