الجمعة01 ديسمبر2006


د. جمال عبدالله الحبيل


أخذت قضية ديون العراق وضعا دوليا اضفى قوة للجانب العراقي في مطالبته لإلغاء الديون الكويتية المتراكمة عليها، حيث تحاول الحكومة العراقية جاهدة بين وقت لآخر استثمار الوضع الدولي لصالحها والضغط على حكومة دولة الكويت لاسقاط تلك الديون. نستطيع لمس هذا الضغط ومعاناة الجانب الكويتي ازاء موضوع اسقاط الديون تارة من خلال زيارة المسؤولين الغربيين والعراقيين والتصريحات الصحافية المنبثقة منها والتي تؤكد دوما فيها الحكومة الكويتية على الالتزام بدعم العراق بشتى المجالات وخاصة الجانب الاقتصادي منها، وتارة اخرى من خلال طرح الحكومة الكويتية فكرة اسقاط الديون على المؤسسة التشريعية وبسيناريوهات متعددة قد يستفيد منها المواطن الكويتي والحكومة من جهة والعراق والدول الغربية من جهة اخرى.
انني على يقين من ان الاستراتيجيين الكويتيين ومتخذي القرار السياسي قد ناقشا وطرحا عدة افكار للخروج من ذلك المأزق وأكاد اجزم ان افكارهما قد تضمنت ما قد سطرته في مقالي هذا من حيث المبادرات والسيناريوهات وبمنهجية laquo;أنت تربح ـ أنا أربحraquo; او بما يعرف laquo;بالاستفادة غير الملموسةraquo; والتي تطبق عادة في مواضيع التحكيم وتسوية المنازعات ان صح التعبير.
يستطيع الجانب الكويتي ان يطرح موضوع الديون بسيناريو تأجيل او تجميد لفترة طويلة الأمد الى ان يستقر العراق وتبدأ به الحياة الطبيعية من جديد. ان الاحداث التي يمر بها العراق هي بمنزلة فوضى زمنية عابرة ومخاطر لن تستمر الى الابد وان استمرت لعشرات السنين في أسوأ احتمالاتها فإن تلك الفترة لا تمثل شيئا من عمر الدول رغم الخسائر الجسيمة المتوقعة منها ولنا في التاريخ عبرة لذلك. ان تفوق العراق على دولة الكويت بعدة معطيات كالوضع الاستراتيجي بالمنطقة واحتياطياته وانتاجه النفطي علاوة على كامنيته للصناعة السياحية والسياحة الدينية والتاريخية والاستثمار البشري والموارد المائية وغيرها من المعطيات تؤهله بالقدرة على سداد ما عليه من ديون وقد يصبح الاغنى لاحقا، ينبغي على الجانب الكويتي التمسك بالديون ولكن بشيء من المرونة واستخدام الديون laquo;كميكانيزمraquo; استفادة غير ملموسة على ان يؤكد في العراق سنويا وعلى جميع الاصعدة وبجميع مؤسساته الرسمية والشعبية والتعليمية امتنانه وتثمينه للدور الكويتي البارز ببناء العراق الجديد، الامر الذي سيساهم حتما وبشكل فاعل على تغيير العقيدة العدائية لدى الكثير من الشعب العراقي اتجاه كينونة دولة الكويت ومواطنيها، تلك التي رسخها النظام البائد وبجدارة. كما يمكن للجانب الكويتي العمل على استثمار تلك الديون بمشاريع داخل العراق وبمنهجية الـ بي او تي والـ بي بي بي وغيرهما من المنهجيات لتنفيذ مشاريع صناعية وبنية تحتية تؤمن المصدر المالي للعراق لدفع ديونه المستحقة.
ان قدرة الجانب الكويتي على التفاوض واقناع الدول الغربية والحكومة العراقية بمنهجية استثمار الديون وبمبدأ laquo;أنت تربح ـ أنا اربحraquo; أو laquo;الاستفادة غير الملموسةraquo; لهو بمنزلة محك وتحد كبير سيسطره التاريخ كدروس مستفادة، الامر الذي يستحق من وجهة نظرنا على الاقل بذل الجهد فيه لما له من مصلحة وطنية كبرى تتمثل بكينونة الدولة من جهة وتأمين حياة آمنة مرفهة للأجيال القادمة من جهة اخرى.