الخميس07 ديسمبر2006


د. أحمد عبد الملك

تلتئم القمة الخليجية في الرياض خلال أيام، وهذا حدثٌ تاريخي كل عام له دلالته في الفضاء الخليجي، رغم اختلافنا حول نتائج وعقبات المسيرة، ورغم اعتراف أهل المجلس بأن ما حققته مسيرة التعاون لم يرق إلى طموح المواطنين!

تلتئم القمة الخليجية وأمامها ملفات تضاعفت تشابكاتها، وتنوعت تعقيداتها، فهنالك ملف العلاقات الثنائية بين دول المجلس، وما يعتريها من quot;توجسquot; أو quot;توترquot; بين الحين والآخر، تلك القنبلة الجاهزة للانفجار كل لحظة أو كل quot;قمةquot;. ذلك أن المجلس بحاجة إلى quot;مأسسةquot; العلاقات بين دوله على أساس واقعي وشرعي.. بعيداً عن المواقف quot;النفسيةquot; بين مسؤوليه.

فمجلس التعاون -بعد 25 عاماً من المسيرة مع كل التقدير لما تحقق على الأرض من منجزات لا يجوز نكرانها- يجب أن يخرج من ثقافة المجاملة والمواقف الشخصية، إلى أسلوب عمل المؤسسات التي تسهّل حياة المواطنين وتحفظ المنطقة من ويلات quot;الانجرارquot; إلى هذا القطب أو ذاك، أو quot;التندّرquot; بلعب أدوار فردية، أو محاولة الاستفراد بالقرار، بل وعدم التضحية بالقرار الفردي والشخصي لصالح القرار الجماعي. ولعل هذا الموضوع أهم موضوع يجب أن يطرح على طاولة القادة، قبل كل المواضيع.

نحن ندرك أن أجندة القمة تحفل بمواضيع عادة ما تكون ثابتة، مثل: العلاقات مع إيران والموقف من احتلال إيران لجزر الإمارات والملف النووي الإيراني، وكذلك الموقف من الحالة في العراق، وفي الأراضي المحتلة، وعملية السلام في الشرق الأوسط، والموقف القابل للانفجار في لبنان، والأوضاع في الصومال، والسودان، والتعاون مع الاتحاد الأوروبي، موضوع الإرهاب ومعاداة الإسلام، وغيرها من موضوعات الساعة. كما أن الأجندة تحفل بمراجعة لما تم تحقيقه على مستوى التعاون داخل دول المجلس فيما يتعلق بالعمل المشترك.

وفي مناخات الإعداد للقمة الخليجية التأمت في مبنى الأمانة العامة بالرياض، قمة خليجية مصغرة قبل أسبوع، لم تضم وزراء أو مديرين أو خبراء رسميين من دول المجلس، بل ضمت أبناءً مخلصين من دول المجلس، توجهوا إلى مقر الأمانة العامة يدفعهم حبهم للمجلس ودوله، وغيرتُهم على استمرار المسيرة وحفظ دول المجلس من النوازع السياسية والمغامرات العسكرية هنا وهناك. فقد التقى مفكرون وكتّاب خليجيون داخل مقر الأمانة العامة وتداولوا القضايا الملحّة، والمواقف الإقليمية والدولية، في مناخ ديمقراطي حُر، ولقد حضر معالي الأمين العام للمجلس الأستاذ عبدالرحمن العطية هذا اللقاء. وهو يشكل ثاني لقاء فكري بمقر الأمانة العامة بعد الندوة التي عُقدت بمناسبة مرور 25 عاماً على إنشاء المجلس في مايو الماضي. وهو توجهٌ حميد كي يسمع مسؤولو الأمانة العامة، وصانعو القرار فيها نبض الشارع، ويرفعوا رؤى المفكرين إلى القادة. نقول ذلك توجه حميد، لأن المجلس درجَ خلال 25 عاماً على سماع وزرائه.. ولم يلتفت إلى المفكرين والمبدعين، الذين ظلوا quot;يغردونquot; خارج السرب.. بل وبعضهم كان quot;يشتطّquot; نتيجة حالة quot;التوجسquot; بين المثقف والمسؤولين الرسميين التي تسود دول المجلس.

لقد أثبتت تجربة الهيئة الاستشارية أنها غير قابلة للنماء.. ذلك أنها هيئة تدرس ما يُحال إليها من القادة أو المجلس الأعلى، وكان ذلك quot;الاشتراطquot; المقيّد من وسائل جمود الهيئة وحرمانها من المبادرة والاقتراح.

ويأتي لقاء المفكرين والكتّاب الخليجيين داخل مبنى الأمانة العامة، ومعظم الحاضرين -من المؤهلين- غير الرسميين، ولا يخافون في قول كلمة الحق لومة لائم، ولا يُشكّلون quot;معارضةquot;، كما يتم تصوير أصحاب الرأي الآخر في العالم العربي، بل إنهم ثلة آمنوا بربهم وضميرهم بأن يقولوا كلمة الحق.. وفي مناخ بعيد عن رائحة quot;التوجسquot; أو الخوف، أو المهادنة التي quot;تعبقquot; بها الاجتماعات الرسمية.

ولعل أهم ما تم تداوله في ذلك الاجتماع الجميل والقصير والعقلاني والصريح، أن دوراً جديداً لابد وأن يضطلع به مجلس التعاون تجاه ما يجري في العراق، دوراً لابد وأن يبتعد عن مجرد التمنيات وquot;تسجيل المواقفquot;، إلى النزول إلى الواقع وجذب الأرقام على الطريقة البراجماتية لا العاطفية، وأن تقسيم العراق ليس من مصلحة دول المجلس، ناهيك عن تعاظم الدور الإيراني في العراق، وتورط الولايات المتحدة فيه. كما كانت هناك رؤى حول الدور الإيراني في المنطقة، وهنالك من رأى أن تجاهل إيران كقوة إقليمية قد يؤدي إلى كوارث في العلاقات مع دول المجلس، ومنها كوارث من نوع آخر، قد تكون العسكرية إحداها. وهنالك من رأى أن quot;الاتكاءquot; على تهديد الولايات المتحدة لإيران وفرض عقوبات اقتصادية عليها، في ظل وجود القواعد الأميركية في المنطقة، قد يفاقم الأمر، ويجعل المنطقة كلها على كف عفريت. كما بدت بعض الرؤى في موقف الدول العربية من إيران، ونعني بها الدول غير القريبة من المفاعلات النووية، والتي ترى أن وجود قوة نووية إيرانية تضمن التوازن مع القوة النووية الإسرائيلية، وقد تكون quot;رادعاًquot;، وإن كان نفسياً أو تهديدياً!

وهنالك من يرى أن قرار دول المجلس يجب أن يكون نابعاً من مصالحها تجاه العلاقات مع إيران، وأن على دول المجلس أن تجاهر بشكل تلك العلاقة، إذ أثبتت الوقائع أن توجهات دول المجلس ليست متجانسة فيما يتعلق بالشأن الإيراني، بل وبالبرنامج النووي الإيراني.

القضية الأكثر حيوية وتأثيراً على كل قضايا وملفات مجلس التعاون، هي العلاقات مع الولايات المتحدة! وكانت شعوب دول المجلس لا يصلها من quot;وهجquot; تلك العلاقات إلا النزر اليسير، وأن الولايات المتحدة لها وجود عسكري لتأمين إمدادات النفط للأسواق الغربية. لكن اليوم اتضحت الصورة أكثر، وساهمت وسائل الإعلام والانفتاح الإلكتروني في quot;تحريضquot; المواطن الخليجي على الحديث علانية عن شكل ومستقبل العلاقة مع الولايات المتحدة. وإن كنا نتحدث عن المصالح الخليجية الذاتية التي يجب أن ترتكز عليها العلاقات بين دول المجلس والولايات المتحدة، فما هي تلك المصالح؟ هل هي حفظ بقاء الأنظمة واستمرارها؟ هل هي تأمين بيع النفط؟ هل هي حفظ المنطقة من مغامرات عسكرية quot;بَيْنيةquot; أو خارجية؟ هل هي تأمين مناخ ديمقراطي وتنموي على غرار النموذج الأوروبي؟ هل هي مصالح استخباراتية لكشف المحاولات الانقلابية وملاحقة الإرهابيين الذين يخططون لضرب المصالح الأميركية داخل الولايات المتحدة وخارجها؟ أبناء مجلس التعاون لا تعريفَ محدداً لديهم لشكل العلاقة بين دولهم أو مجلسهم والولايات المتحدة! ماذا لو صوتت مجالس الشورى أو الأمة -ودول المجلس تتجه نحو التوجه الديمقراطي- برحيل القوات الأميركية وتصفية القواعد في المنطقة؟ هل تتجاوب معها الحكومات؟ هل تُضحي دول المجلس بعلاقاتها ومحيطها العربي وبالأخص القضية الفلسطينية، ولبنان، وسوريا من أجل quot;عيونquot; الولايات المتحدة؟ هل يمكن أن quot;تضغطquot; دول المجلس -في مناخ التورط الأميركي في العراق- من أجل تبديل نظرة الولايات المتحدة تجاه سوريا وإيران، وهل تستجيب الولايات المتحدة إلى quot;عقلنةquot; إيران من خلال الحوار، وبالتالي تقييم علاقات إيران مع سوريا والمقاومة الفلسطينية وquot;حزب اللهquot; في لبنان، والذي تراه الولايات المتحدة quot;مُقلقاًquot; للأوضاع في المنطقة، وأمن إسرائيل بالذات؟ وخصوصاً أن ضعف موقف الولايات المتحدة في العراق يعطي إيران الفرصة للعب دور أكبر حسب أجندتها القومية والدينية.

حوار هادئ، كان بودّي لو تم تسجيله على قادة دول المجلس في اجتماعهم القادم.. حوار يوفّر الكثير من الإضبارات والكتب والورق، والمواقف المتشنجة والاحتفاليات وقلق لجنة الصياغة، وترقب شعب الخليج لنتائج القمة.

وأخيراً، فإن عقول الخليجيين ملأى بالصور والرؤى الجميلة التي تخدم مسيرة مجلس التعاون، كما أن عقولهم عامرة بالأفكار التي تخدم المسيرة، وإن كانت صريحة وعقلانية وبعيدة عن ثقافة المجاملة.

فكل الشكر للأمانة العامة لمجلس التعاون، على تلك المبادرة الحضارية في دعوة أبناء دول المجلس كي يتداولوا شؤون مجلسهم وبلدانهم بكل حب وصراحة ودون قيود أو خوف أو وجل. ونأمل أن يكون ذلك اللقاء بداية لفكرة طرحناها قبل فترة على الأمين العام للمجلس بدعم إنشاء quot;ملتقى للمفكرين الخليجيينquot; يساهم في بلورة أفكار تنويرية تخدم مسيرة المجلس، ويعمل في مناخ حر وبعيداً عن وصاية الدول.