الخميس07 ديسمبر2006


أفق آخر
خيري منصور


هل يمكن لأي احتلال أن يتدرج من مطلب أمني إلى مطلب وطني وأخيراً إلى مطلب أخلاقي؟

هل يمكن لأي احتلال أن يتدرج من مطلب أمني إلى مطلب وطني وأخيراً إلى مطلب أخلاقي؟

نحن نعرف بأن الإفتاء بتحليل الاحتلال كمقابل لتحريمه قد يحدث في فترات من التاريخ، عندما يصاب الناس بالعمى السياسي، وينفجر لديهم المكبوت بكل أنماطه، إثنياً وثقافياً وسياسياً، لكن ردود الأفعال وحدها لا تصنع التاريخ، وربما فعلت العكس، لأنها بتعويلها على تصفية الحسابات والممارسات الكيدية قد تحول النافعة الى ضارة وليس العكس كما يرى البعض.

والسؤال الذي يشمل العراق كما يشمل أية بقعة أخرى في الأرض تعيش الشروط ذاتها، هو لماذا تفاقمت الأزمات واختلطت الأجندات بحيث انتهى المشهد الى ما انتهى اليه، من كوميديا شديدة السواد؟

وقد لا نحتاج إلى اجتراح معجزة كي نبرهن على أن الاحتلال بحد ذاته هو جذر الداء والبلاء وكل ما يترتب على إفرازاته سيكون مرتبطاً وعلى نحو عضوي معه.

فالاحتراب المحلي الذي تتعدد أسماؤه لكنه يبقى في نطاق الحرب الأهلية يوفر له الاحتلال حاضنات نموذجية، وحين حرصت الولايات المتحدة في العقد الماضي على إصدار موسوعات حول الصراعات الاثنية في العالم، وهي أكثر من مائتين وخمسين إثنية، لم يكن الهدف هو استباق الانفجارات، أو البحث عن مخارج سلمية ودبلوماسية لأزمات غير مرشحة لأي انفراج مهما اشتدت.

لقد أصبح العالم المعاصر بحاجة الى إصدار طبعات جديدة ومنقحة من معاجم السياسة ومصطلحاتها، ما دامت السيادة مفردة غامضة الى الحد الذي يصعب على المرء أن يفرق بينها وبين الارتهان، وما دام الاحتلال وصفة تقترحها حروب ما بعد الحداثة لتحرير الشعوب ووضع حد للطغيان.

وعلينا أن نصدق بأن التاريخ لم ينته فقط، بل مات وشبع موتاً في قبره الجغرافي الشاسع كي تقبل عقولنا هذه المعادلات المقلوبة، فالطبيعة البشرية لم تتغير جذرياً بحيث نقرأ ثنائية الاحتلال والمقاومة على نحو جديد، يجرد المقاومة من معناها ويفرغ الاحتلال من محتواه.

وقدر تعلق الأمر بالعراق، فإن تقديم عروض حال الى الولايات المتحدة كي تواصل احتلاله الى ما لا نهاية، أمر يثير ألف علامة سؤال ومليون علامة تعجب.

فهل الاحتلال يغير من طبيعته ودينامياته المدمرة بالمزيد منه؟ وهل المقاومة وكل أشكال ردود الفعل على الاحتلال تهدأ وتهجع وتدخل مرحلة التدجين إذا مكث المحتل في الأرض التي غزاها؟

قد لا نملك الآن وفي هذه المناسبة بالذات غير الأسئلة، لأن الإجابة ليست منوطة بفرد أو أية جهة تتنطع زاعمة أنها ldquo;جُهينةrdquo; التي عندها النبأ اليقين.

الإجابات الحاسمة ملك لشعوب، ولقوانين تاريخ له فيزياؤه الصارمة التي لا تعبأ بمن يزرعون البصل ويحلمون بحصاد اللؤلؤ. خشيتنا، هي أن يصبح الحل لأزمات الوطن العربي المتفاقمة والموشكة على الانفجار هو تحويل الاحتلال إلى مطلب وطني وأمني وإنساني.. حقنا للدم أو درءاً لحروب أهلية وشيكة الاندلاع.

إن أدق وصف لهذا الحال.. هو انتحار الجريح كي ينجو من آلامه.

فأي منطق وأية فلسفة وأي فقه هذا الذي يحفر للشعوب ثلاثة قبور وليس قبراً واحداً.