عبد الرحمن الراشد

أتعجب، كغيري من قراء الجدل السياسي، بالنظريات المنكسة للحقائق. أحدثها رواية تروجها حكومة الخرطوم ان أزمة دارفور مفتعلة أجنبيا من اجل نهب النفط واليورانيوم، وآخر من ردد المقولة احد دبلوماسيي السفارة في العاصمة الأردنية وفق ما أوردته صحيفة الغد الأردنية.

ولا يحتاج المرء ان يكون عالما في البترول ليدرك انه لا يوجد في دارفور نفط ينتج، دع عنك حديث الوقود النووي، وقد يكون ذلك من كثير من الناس، ان كان يعتقد انها حرب مسيحية ضد المسلمين. ما يحدث في غرب السودان هي حرب بين فقراء الاقليم، حيث لا نفط ولا يورانيوم ولا مسيحيون. مناطق رعوية فيها مسلمون يقتلون مسلمين. مسلمو الحكومة ضد مسلمي المعارضة. ميلشيات الحكومة احرقت أكثر من اربعين قرية في الفترة القليلة الماضية بعد ان نهبت دورها واغتصبت نساءها.

اما قصة النفط فقد دأب أهل الحروب على تلقينها الناس وترديدها لشحذ الهمم، وتوسيع الأفكار الخيالية، واختصار القصص السياسية، وتقسيم الأمة بين من هو مع العدو ومن مع الوطن. والنفط مع السياسة حكاية فولكلورية، لكننا ننسى أن أعظم نفط في العالم يسكن بيننا، ومعظمه موجود تحت أقدام أهل الخليج العرب الذين يقتاتون عليه، وينفقه بعضهم ببذخ مفجع على حفلات الألعاب الرياضية ومصانع النفايات. نفطهم لم ينهبه احد من الأجانب بل يدفع ثمنه لهم بالدولار، فما الذي يجعل القوى المتكبرة تنحدر الى طموحات بسيطة في دارفور التي لم يوجد فيها حفار نفط واحد حتى اليوم؟

اذا كانوا يريدون نهب النفط العربي والمسلم، كما يقول إخواننا في السودان الرسمي، فهل يشرحون لنا لماذا يدفعون وغيرهم ثلاثمائة مليار دولار هذا العام وحده للخليج العربي والمسلم، ويقاتلون على بضعة براميل نفط لا يدري احد متى يظهر؟ يدفعون للخليج في سنة مبلغا اكبر من كل ما ينتجه الثوريون العرب المدافعون عن مصالح الأمة في عشرين سنة. هذه المقارنة تستحق التأمل والتفكير ولو لدقيقة واحدة. لماذا يقاتل العالم في دارفور من اجل نفط بسيط، هذا إذا تمّ اكتشافه، ويعطي باليد الأخرى أضخم ثروة مالية لدول النفط العربية الأخرى بما فيها الجزائر وليبيا ومصر وحتى سورية؟ أقاويل الحكومة أكاذيب يفترض الا تلهينا عن جرائمها في حرق القرى واغتصاب النساء وإيذاء عشرات الآلاف من أهلنا في دارفور ايا كانت أعراقهم او مواقفهم السياسية.

قصة دارفور باختصار معركة على الرعي في ارض جدباء وقفت فيها الحكومة الى جانب فريق، وسمحت بتسليحهم، وصارت تساوم على قضيتهم لقاء تنازلات سياسية لم تحصل عليها في اتفاق حرب الجنوب التي خسرتها عسكريا.

نحن نقول ليت كل دول المنطقة تتفجر أراضيها نفطا ثم نرى ماذا سيفعلون به، هل سيغتسلون به ام سيبيعونه بستين دولارا للبرميل للغرب. نحن نثق أنهم لن يزيدوا على الإمارات وقطر والسعودية وغيرها من البلدان النفطية مزايدة في السياسة، وسيبيعونه كما يبيع اللبنانيون تفاحهم، والمغاربة فوسفاتهم، لمن طلبه في السوق العالمية. لقد كذّب على النفط كثيرا وزوّر اسمه في معتقدات السياسة وحروبها.

[email protected]