الجمعة08 ديسمبر2006

سعد محيو

الحوار الرسمي بين أمريكا وبين سوريا وإيران بدأ بالفعل، حتى قبل أن يجلس الأفرقاء الثلاثة إلى طاولة المفاوضات.

أين حدث ذلك؟ في ردهات الكونجرس الأمريكي، وبالتحديد في غرفة اجتماعات لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ.

كيف حدث؟ عبر الجمل السحرية التي نطق بها روبرت جيتس، وزير الدفاع الأمريكي الجديد.

قال جيتس: ldquo;رأينا في العراق كيف أنه حالما تنشب الحرب، يصبح من المستحيل التكهن بنتائجها. وفي هذا السياق، أعتقد أن نزاعاً عسكرياً مع إيران سيكون درامياً بالفعل وسيكون له تأثير كبير في الأمن القومي الأمريكيrdquo;.

وقال أيضاً: ldquo;لا أدعم أي هجوم عسكري على سوريا، لأن ذلك سيزيد العنف سوءاً (بالنسبة للأمريكيين) في العراقrdquo;. وقال أيضاً وأيضاً: ldquo;يجب أن نعترف بأننا لا نربح الحرب في العراقrdquo;.

لماذا كانت هذه كلمات سحرية؟

لأن هذا بالتحديد ما كانت دمشق وطهران تنتظران سماعه منذ أمد من واشنطن: ضمانات واضحة وعلنية بأن نظاميهما مصانان، وبأن بلديهما لن يتعرضا إلى ما تعرض له العراق من غزو واحتلال.

لو أن مثل هذه الضمانات قدمت إلى كوريا الشمالية في العام ،2004 لما أقدمت هذه الأخيرة على إجراء تجاربها النووية ولاندفعت بحماسة للحوار مع الولايات المتحدة. ولو أن هذه الضمانات كانت موجودة على طاولة الرئيس الكوبي فيديل كاسترو في أوائل الستينات، لما نشبت أزمة خليج الخنازير التي هددت بإشعال حرب عالمية نووية.

الآن، هذه الهدية الثمينة موجودة في طهران ودمشق. والآن، يمكن لهما تنفس الصعداء وفتح كل الأبواب والنوافذ أمام حوار جديد مع واشنطن يبدأ من العراق، ليتمدد بعد ذلك إلى لبنان وغزة وربما حتى أيضاً إلى الجولان ومجمل الصراع العربي ldquo;الإسرائيليrdquo;.

الصعود من هاوية التصعيد بات ممكناً. لكن، هل يمكن أن تؤدي هذه إلى تسويات شاملة؟

فلنقل، أولاً، أن ضمانات جيتس، عضو لجنة بيكر هاميلتون والمدير السابق لrdquo;السي. اي. ايهrdquo;، ستهدئ أعصاب الجميع في الشرق الأوسط، وستسكب ماء مثلجاً فوق رؤوس المحافظين الجدد الأمريكيين الذين كانوا، وما زالوا، يأملون بتوجيه ضربة عسكرية خاطفة إلى المنشآت النووية الإيرانية. هذا لا يعني أن المحافظين سيستسلمون، لكنهم على الأقل لن يعودوا قادرين على تحقيق مشاريعهم الطموحة بالسرعة التي يأملون.

ولنقل، ثانياً، أن رفض أمريكا تقاسم النفوذ الشامل في مناطق النفط وبقية أنحاء الشرق الأوسط مع إيران، لا يلغي بالضرورة احتمالات التوصل إلى اتفاقات جزئية معها. قد تثبت مثل هذه الاتفاقات انها ظرفية كثيراً ومؤقتة أكثر، بيد أنها ستلبي حاجة الطرفين إلى بضع سنوات من الهدوء والتقاط الأنفاس.

ولنقل، أخيراً، إن الإيرانيين، وبما عرف عنهم من براغماتية وواقعية برغم كل ضجيجهم الإيديولوجي الراهن، سيفهمون جيداً أبعاد تشديد جيتس على أن ldquo;الوضع الجيو استراتيجي العالمي (أي بكلمات أخرى الزعامة العالمية الأمريكية) سيتأثر إلى حد كبير بما ستؤول إليه الحال في العراقrdquo;، وسيتوقفون سريعاً عن أحاديث ldquo;طرد أمريكا من الشرق الأوسطrdquo;. وهذا، على أي حال، سيكون شرطاً لازماً من شروط الحوار.

المحادثات الرسمية الإيرانية الأمريكية، إذاً، بدأت بالفعل، حتى قبل أن يبدأ الحديث. والسؤال الأبرز الآن هو: هل يبدأ التبريد الذي يسبق المفاوضات فوراً، أم ان الهدوء والانفراجات وتحسين المواقع التفاوضية ستحتاج إلى بعض التسخين والعواصف، وإن المحدودة، خاصة في لبنان؟