عباس الطرابيلي
عندما حذرنا - قبل الغزو الأمريكي للعراق - من أن هذه الجريمة ستتحول إلي فيتنام جديدة، لم نكن نتحدث من فراغ.. وها هي أمريكا نفسها تعترف الآن، وبعد 3 سنوات فقط بهذه الحقيقة المؤلمة.. مالياً قالت مصادر الكونجرس الأمريكي: إن الولايات المتحدة أنفقت حتي الآن أكثر من 350 مليار دولار للحرب في العراق منذ مارس 2003. والأرقام ليست من عندنا، بل وأذاعتها وكالة الأنباء الفرنسية من واشنطون. ** فقد قدر مكتب الموازنة في الكونجرس في تقرير صدر في 22 سبتمبر الماضي المبالغ التي تم صرفها حتي نهاية السنة المالية لعام 2006 المنتهية في آخر سبتمبر بأنها 290 مليار دولار منها 254 ملياراً من النفقات العسكرية..
وفي موازنة العام الحالي وافق الكونجرس علي اعتماد مبلغ 70 مليار للحرب التي تشنها أمريكا علي الإرهاب قد يصرف منها 50 مليار دولاراً كمبلغ إضافي للعراق..
ليس هذا فقط فقد أعلن سناتور أمريكي ديمقراطي ان حكومة بوش ستطلب خلال الشهور القليلة المقبلة تخصيص موازنة جديدة حوالي 127 ملياراً للحربين في العراق وأفغانستان، أي ان تكاليف الحرب هنا وهناك سوف تتخطي 500 مليار دولار.
** وعندما تقول أن أمريكا دخلت مستنقع العراق بقدميها فإننا نقصد أنها سوف تفقد جانبا كبيراً من ثروتها ومن أموال دافعي الضرائب للحرب هناك.. ولو عرف المواطن الأمريكي ان هذه الحرب تكلفه شهرياً 8 مليارات دولار لتحرك، خصوصاً بعد ان كان معدل الاتفاق الشهري في العام الماضي هو 6.4 مليار دولار.. فهل يسكت المواطن الامريكي علي هذا الإهدار المالي الي سنوات أخري قادمة؟
وإذا أردنا ان نعرف قيمة النفقات الأمريكية لحرب العراق بالجنيه المصري، فإن أي آلة حاسبة سوف تعجز عن حسابها.. وهذا يؤكد أن أمريكا - لو طالت الحرب - لعامين أو ثلاثة سوف تخسر ما لا يتخيله اي أمريكا وربما أكثر مما أنفقته امريكا علي حرب فيتنام.
** والسؤال الآن - من الجانب المادي - لو كان الهدف الاسمي لهذه الحرب هو الاستيلاء علي بترول العراق، فإن هذا البترول في هذه السنوات الثلاث لا يغطي هذه النفقات، حتي ولو استولت أمريكا علي كل الانتاج العراقي من البترول... اللهم إلا إذا كانت أمريكا تنظر الي المستقبل البعيد، حيث يعد الاحتياطي العراقي من البترول - في الجنوب وفي الشمال - من أكبر الاحتياطات في الشرق الأوسط.. أو ربما تحسبها أمريكا بالنظر إلي إجمالي احتياطي البترول في المنطقة سواء في السعودية والكويت وقطر والبحرين وعمان.. ورغم هذا فإن الثمن يصبح باهظاً للغاية .. فهل يعادل هذا الثمن ان تضع أمريكا قدميها في العراق، أم ان المستهدف هو كل المنطقة؟
** وعسكرياً فإن عدد القتلي الأمريكيين العسكريين في العراق حتي أول أمس يتجاوز 2890 أمريكيا هم عدد الذين قتلوا منذ بدأ الغزو الأمريكي للعراق في شهر مارس 2003 وذلك حسب الأرقام الرسمية التي تعلنها وزارة الدفاع الأمريكي نفسها.. وإذا كان هذا هو رقم القتلي فكم - يا تري - عدد المصابين والجرحي.
كل هذا يؤكد أن أمريكا - وهي تتمادي - في العمليات العسكرية في العراق تنزلق إلي وضع خطير ماليا وبشريا.. وتؤكد أن أحداً لم يكن يصدق أن العراق ليس بالبلد سهل الاحتلال.. وأنه يمكن ان يتحول الي مفرمة للعسكرية الأمريكية، وأن في العالم اشخاصاً كثيرين يتمنون الذهاب الي العراق للاشتراك في ضرب الوجود العسكري الأمريكي هناك.. انتقاماً من الغطرسة العسكرية الأمريكية، التي كنا نعتقد ان امريكا قد وعت هذا الدرس جيداً منذ خرجت من حرب فيتنام مهزومة، مكسورة الجناح.
** ولكن ها هي وتحت سوء إدارة الثلاثي: بوش وتشيني ورامسفيلد تدفع الثمن.. وتضيع هيبة أمريكا اقتصاديا وماليا.. وها هو المواطن الأمريكي يدفع الثمن.. في العراق.
التعليقات