الخميس 14 ديسمبر2006
حوار ـ ماهر مقلد، بيروت الأهرام
أكد الرئيس اللبناني أميل لحود أنه باق في منصبه ولن يستقيل، وحتى انتهاء فترة ولايته الرئاسية وأن كل المحاولات التي تستهدفه لن تجدي نفعاً، ولا يهتم كثيراً بالمقاطعة التي يفرضها البعض وأنه يحظى بالتفاف اللبنانيين. وقال: إن بعض الوزراء عمدوا في الفترة الأخيرة إلى تغيير مواقفهم السياسية، وانتهجوا خطاً آخر مغايراً للخط الذي دخلوا على أساسه إلى الحكومة. وبما أنني اليوم ما زلت ثابتاً على هذا الخط، لا تجدونهم يقفون إلى جانبي. لقد عمدوا إلى خيانة الخط الذي قبلوا أن يشاركوا في الحكومة على أساسه، لهذا السبب يشعر الناس أنني قد تعرضت للخيانة. وقال في حواره: إن الحكومة الحالية غير شرعية وإنه مع المحكمة الدولية ولكن رئيس الوزراء متعجل وسعد الحريرى مستجد في السياسة، كما كشف الرئيس لحود عن أنه لا عودة للحرب الأهلية مجددا، والذي كسب من المظاهرات هو الشعب اللبناني برغم الخسائر المادية. وتالياً الحوار:
فخامة الرئيس. ما مصير لبنان في ظل الأحداث الحالية؟
- لا خوف على مصير لبنان. فهذا البلد الذي عانى من صعوبات كثيرة وواجه العديد من التهديدات الحقيقية على مصيره ومصير شعبه، كان دائماً يخرج منتصراً. ولعل الحرب الأخيرة التي شنتها ldquo;إسرائيلrdquo; على لبنان، جسّدت بالفعل ما أقوله. فكثيرون توقعوا ألا يصمد لبنان أمام آلة الحرب المدمّرة التي استعملتها ldquo;إسرائيلrdquo; بتمويل أمريكي، حتى بات لبنان مسرحاً لتجارب نوع جديد من الأسلحة. ولكن الإرادة اللبنانية هي التي انتصرت في النهاية، ولقّن المقاومون اللبنانيون العدو ldquo;الإسرائيليrdquo; دروساً في الشجاعة والبسالة والإيمان بالأرض.وما يعيشه لبنان اليوم هو تحد جديد له، إنما هذه المرة يتعلق بقدرته في المحافظة على العيش المشترك والأسس الدستورية. ولا شك أن لبنان سينتصر، وستنتصر أيضا هذه القيم بحيث يشعر جميع اللبنانيين أنهم مشاركون في صناعة القرار اللبناني من خلال حكومة وحدة وطنية كفيلة بوضع الأمور في نصابها، وتعزيز عناصر الثقة بين مختلف الفئات السياسية، كما أنها ستسمح بانطلاقة جديدة للوطن وأبنائه.
هل عاد لبنان إلى ما قبل أم أن الجميع يتعلم الدرس؟
- لا عودة إلى الوراء، والحرب الأهلية والى هول المعارك الداخلية وشراستها. هذا قرار لبناني نهائي، فاللبنانيون، جميعهم اكتووا بنار الحرب التي تركت آثارها على كل العائلات اللبنانية، ولعل ما يشهده لبنان اليوم هو إصرار على خيار الوحدة الوطنية لسد الطريق أمام أي منفذ أو مؤامرة تهدف إلى زعزعة الصف اللبناني وإدخال بذور الفتنة الداخلية.لا يمكن أن نسمح، تحت أي ظرف بعودة الحرب الأهلية، هذا أمر غير وارد ولا يمكن القبول به. ويعلم الجميع أن اندلاع مثل هذه الحرب من شأنه ان يعود بالخسارة الفادحة على كل شرائح المجتمع اللبناني، وليس من مصلحة احد إعادة لبنان إلى هذه الحقبة السوداء من تاريخه.
ما دور الرئيس من واقع مسؤولياته الوطنية لإنهاء هذه الأزمة خصوصاً أن هناك اعتقادا سائدا أنكم طرف في الأزمة ولا تقومون بدوركم؟
- إنني أقوم بكل ما يخوّلني به الدستور، رغم محدودية صلاحياتي في هذا المجال. إلا أنني أقف دائماً إلى جانب الدستور مهما كانت أحكامه، فقد أقسمت على المحافظة عليه وهذا ما أقوم به رضي البعض أم لم يرض.
لقد سبق أن حذّرت من أن أي إخلال بأحكام الدستور ستكون عواقبه وخيمة، وها نحن أمام مشهد من مشاهد عدم احترام الدستور، وإقصاء شريحة كبيرة من اللبنانيين عن المشاركة في القرارات. ويذكر الجميع، أنه وفقاً لصلاحياتي أيضا، وجهت رسالة إلى مجلس النواب خلال العام ،2005 كانت الأولى من نوعها، تنبّه النواب إلى وجوب عدم اعتماد القانون الانتخابي للعام 2000 الذي أجريت الانتخابات الأخيرة على أساسه، كونه يلقى معارضة غالبية اللبنانيين. ولكن للأسف، لم يشأ النواب الاستماع إلي، ولم يكن بمقدوري القيام بأكثر من ذلك، وفق صلاحياتي الدستورية، وها نحن اليوم نحصد سياسياً ثمن هذا القانون وتداعياته السلبية على الحياة السياسية اللبنانية.وفيما يخص الأزمة الحالية، فقد طرحت حلاً لها يقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية، لأن الحكومة الحالية فقدت شرعيتها الدستورية بعد انسحاب طائفة بكاملها منها، وهو أمر يخالف ميثاق العيش المشترك الوارد في الدستور اللبناني. ويجب على الحكومة الجديدة درس وبت مسألة إنشاء محكمة ذات طابع دولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وتعمد مباشرة بعد ذلك إلى درس وإقرار قانون انتخابي عادل يسمح بتمثيل صحيح لجميع اللبنانيين. وبعد إقرار القانون، يتم إجراء انتخابات نيابية ينبثق منها مجلس نيابي جديد، وعندها يكون قد حان موعد الاستحقاق الرئاسي، فيعمد هذا المجلس إلى انتخاب رئيس للجمهورية يخلفني. هذا هو الحل الوحيد لإنهاء المسألة.
خيانة الخط
الأزمة في جوهرها لكون الوزراء المحسوبين على العماد أميل لحود انضموا إلى الأكثرية. لماذا حدث هذا الأمر برأيك؟
- لا شك أن بعض الوزراء عمدوا في الفترة الأخيرة إلى تغيير مواقفهم السياسية، وانتهجوا خطاً آخر مغايراً للخط الذي دخلوا على أساسه إلى الحكومة. وهنا أريد أن أوضح شيئاً، وهو أن الوزراء ليسوا محسوبين عليّ، إنما كل ما في الأمر أنهم كانوا ينتهجون الخط نفسه الذي انتهجه، وبما أنني اليوم ما زلت ثابتاً على هذا الخط، لا تجدونهم يقفون إلى جانبي. لقد عمدوا إلى خيانة الخط الذي قبلوا أن يشاركوا في الحكومة على أساسه، لهذا السبب يشعر الناس أنني قد تعرضت للخيانة.
أما أسباب هذا الانتقال، فمجهولة من قبلي. وقد تكون لاعتبارات لم يجدوها عندي، إذ يعلم هؤلاء جيداً أنني لست هاوي ldquo;البيع والتجارةrdquo; في الشؤون السياسية، ولا أستطيع أن أقدم لهم بالتالي ما يمكن لغيري تقديمه من وعود ومغريات.
هل هناك وزراء غير الوزير يعقوب الصراف لا يزال في التحالف مع فخامتكم؟
- أولا لا بد من الإشارة إلى أن موقف الوزير يعقوب الصراف كان منسجماً مع مبادئه وسياسته، وهو فضّل أن يتخلى عن المنصب الوزاري في سبيل المحافظة على المبادىء التي كان قد أعلنها والتي قرر على اساسها المشاركة في الحكومة.أما فيما خص مسألة الحلفاء، فمن هم حلفائي؟ إن كل من ينتهج الخط السياسي الذي أؤمن به والخيار الاستراتيجي الذي اتّبعته والذي أثبتت الأحداث صحته. لذا، يمكنكم القول انه انطلاقاً من هذا المفهوم، فحلفائي كثر وهم لبنانيون مؤمنون بما يقومون به لما يعود بالفائدة على الوطن والشعب اللبناني. وقد اتّبعت هذا المنهج منذ توليّ مسؤولية قيادة الجيش اللبناني حيث إنني لم أقبل سوى باعتماد الكفاءة معياراً للتعيينات في مختلف وحدات الجيش، وهو ما انعكس إيجابا على الوضع العام للجيش الذي استفاد من هذه القدرات والكفاءات لتعزيز قدرته ووحدته.
وعندما توليت الشأن العام بعد انتخابي رئيساً للجمهورية، لم يتغيّر هذا المنهج، واعتمدته في السياسة حيث بقيت ثابتاً على خط استراتيجي واضح، ورفضت المجيء بأي أحد محسوب عليّ، فكنت مرتاحاً في التعاطي مع الآخرين انطلاقاً من هذا المبدأ.
في لبنان الموضوع الأهم هو رئيس الجمهورية الجديد. هل ترشح اسما بعينه أم ستترك الأمور للقوى السياسية؟
- ليس صحيحاً أن الموضوع المهم في لبنان اليوم هو رئيس الجمهورية الجديد. فالمشكلة ليست في هذا الإطار باعتراف الجميع. ولكن المشكلة اليوم، وبعد استفحالها ووصولها إلى خرق الدستور، يحاول البعض توجيهها إلى مكان آخر وتحديداً إلى موقع رئاسة الجمهورية، ولكن هذه المحاولات لن تنجح لان المشكلة باقية ما لم يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية. هذا هو لبّ الأزمة، مهما حاول البعض التمويه والتهرب منه، فمشاركة قسم كبير من اللبنانيين في القرارات هو أمر أساسي يجب حصوله اليوم قبل الغد.
وأستغرب الكلام عن موضوع رئاسة الجمهورية، في وقت قال المتحاورون اللبنانيون أنفسهم كلمة الفصل في هذا الملف من خلال إغلاقه بعد أن تعذّر التوصل إلى تفاهم بشأنه. اما عن ترشيح شخص معيّن، فهذا شأن اللبنانيين أنفسهم، وأنا لا أدعم مرشحاً ضد آخر، ويبقى على اللبنانيين أن يتفقوا على من يريدون، لأنه لا يمكن فرض شخص على قسم من اللبنانيين، بل يجب الوصول إلى تفاهم لأن رئيس الجمهورية هو لجميع اللبنانيين وليس لفئة منهم فقط.
لماذا قبلوا التمديد للهراوي؟
متى يتخذ الرئيس لحود قراراً بالاستقالة؟
- لا بد أولا من لفت الانتباه إلى أن المطالبة بعدم الاستمرار في منصبي يعود إلى أسباب تشنّ عليّ بسبب المواقف الوطنية التي اتخذتها، وما زلت. وجميع الذين يعارضون استمراري في منصبي، يعلمون جيداً أن لا سبب دستورياً وقانونياً يؤمن لهم هذا المطلب.
لو غلّب الآخرون مصلحة البلد على ما عداها من مصالح، لكانوا قد قبلوا الدعوة التي وجهتها للحوار منذ اليوم الأول لتمديد ولايتي الرئاسية ولكانوا جنّبوا البلاد كل ما حصل حتى اليوم، ولكنهم رفضوا الدعوة وفضّلوا السير بالبلد نحو المجهول.ولا بد من الإشارة الى مفارقة غريبة، وهي ان التمديد لي تم وفق الأصول الدستورية وبالطريقة ذاتها التي مُدد فيها لسلفي الرئيس الراحل إلياس الهراوي، والمدة كانت أيضا ثلاث سنوات، فلماذا قبلوا التمديد للرئيس الهراوي وتعاملوا معه ولم ينكروا عليه الحق في التمديد، أما أنا فيقولون إن وضعي غير شرعي؟ الأمر يعود إلى أن المواقف التي أتخذها تزعجهم، فهم لا يريدون رئيساً يحمي المقاومة الوطنية ويرعاها، ولا يريدون رئيساً يتمسك بحق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم وعدم توطينهم في الدول التي لجأوا إليها.وكما قلت، يهمهم أيضا ألا يتبع رئيس الجمهورية سياسة لا لبس فيها، فأنا انتمي إلى خط ثابت ولا أعرف الدخول في عمليات البيع والشراء، وبالتالي لا يمكن تحديد سعر لي لتغيير مبادئي أو إيماني بما أقوم به وذلك خدمة لمصالح بلدي وشعبه.إنني باق لتحمل مسؤولياتي كاملة حتى نهاية ولايتي في 24 تشرين الثاني من العام 2007 ولا أحد يستطيع إرغامي على التخلي عن مسؤولياتي الدستورية مهما كانت قوة الترهيب والترغيب، فأنا لن أتنازل عن حق رئيس الجمهورية في أن يكمل ولايته حتى آخر دقيقة من موعد نهايتها.
ما الذي خسره لبنان بسبب الانقسام الحالي بين المعارضة والحكومة، ممثلة بالقوى التي تؤيدها؟
- مما لا شك فيه أن هناك خسائر مادية تترتب على الوضع الحالي الذي يعيشه لبنان، وهذا ما يتحمل مسؤوليته من هو متمسك ومُصر على ضرب عرض الحائط بأحكام الدستور.
ولكن اللبنانيين انتصروا من خلال إسقاط رهان الخلاف المذهبي والطائفي والفتنة الداخلية، فكانت التظاهرات الحاشدة خير تعبير ديمقراطي عن الرأي، وأثبت الجيش اللبناني في الامتحان الصعب أنه مصدر ثقة من قبل الجميع، وحافظ الأمن والاستقرار.
ويبقى الامتحان الأكبر في انتصار أحكام الدستور والعيش المشترك الذي يريده لبنان خطاً ثابتاً ونهائياً ينتهجه في سبيل منعته وتحصينه في وجه كل المؤامرات التي تحاك ضده.
معرفة الحقيقة
إلى أي مدى أنت متحمس لكشف جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ وهل تعتقد أن مشروع المحكمة الدولية الحالي يظلم الأبرياء؟
- سبق وقلت إنني منذ وقوع الجريمة النكراء، سارعت إلى طلب إجراء تحقيق دولي في الجريمة لقطع الطريق أمام أي استغلال سياسي لجريمة الاغتيال، وهذا ما حصل بالفعل.
وكنت الداعم الأول لفريق تقصي الحقائق الدولي، وكان التعاون بعدها تاماً مع رئيسي لجنة التحقيق الدولية التي شكّلها المجتمع الدولي. وناشدنا الجميع أن يتركوا التحقيق يأخذ مجراه ولا يؤثر فيه، ولكن ما حصل هو العكس تماماً. ففي كل يوم منذ جريمة الاغتيال، نرى استغلالاً للجريمة بشكل أو بآخر، إما لاستدرار العطف خلال الانتخابات والحصول على أصوات، أو لتقوية جهات سياسية بحجة أن كل من لا يوافق على توجهات هذه الشخصيات هو اما منفّذ للجريمة أو مشارك فيها.
انطلاقاً من هنا، طالبنا ولا نزال، بمعرفة الحقيقة كاملة وكشف منفذيها الضالعين فيها أيا كانوا. لقد انتظر النائب الحريري ومن معه من السياسيين تقارير لجنة التحقيق الدولية لأخذ ممسك عليّ، ولكنهم صدموا وخابوا من عدم ذكر اسمي في أي من هذه التقارير، فحاولوا عندها التأثير عليّ من خلال مسألة احتجاز الضباط الأربعة، ولكنهم يعلمون تماماً أن هذه المسألة بالذات يسودها الكثير من الضبابية. فوضع الضباط الأربعة تحول إلى سابقة خطيرة، إذ بعد مرور أكثر من سنة على توقيفهم، لم يوجّه أي اتهام لهم، كما أنهم مُنعوا من مواجهة الشخص الذي استند إلى معلوماته لاحتجازهم، فيما سقطت كل الذرائع التي قدّمها هذا الشخص كأدلة، وبات مشبوهاً من قبل لجنة التحقيق، وعلى الرغم من ذلك، لا يزالون محتجزين. وهنا لا بد من طرح عدة أسئلة: لو كان الضباط الأربعة سياسيين ينتمون إلى جهة سياسية مؤيدة لتيار المستقبل، هل كان إعلامهم سيتعامل بنفس الطريقة مع الموضوع؟ وهل كان زعيم هذا التيار سيسكت عن هذا الأمر؟ وهل كان سيوفّر وسيلة مع الفرنسيين وخصوصاً مع الرئيس شيراك لاستعادة القضاء اللبناني للشاهد الصدّيق؟ نحن أصحاب مبادىء وندافع عن الحقيقة ونطالب بمعرفتها كاملة وهذا هو السبب الذي يدفعنا إلى المطالبة باستعادة ldquo;الشاهد الملكrdquo; من قبل القضاء، فقد يكون من شأن ذلك كشف خيوط مهمة في الجريمة تستفيد منها لجنة التحقيق الدولية في مسعاها.
لهذا السبب طالبنا بالاطلاع على ما تتضمنه مسودة المشروع، منعاً لتكرار النسب في التعاطي كما حصل مع لجنة التحقيق الدولية، وللتأكيد على ألا تخرق بنود المسودة القانون اللبناني، وعدم تسييس المسألة خدمة لمصالح البعض بدل العمل على كشف الحقيقة الأساسية وليس الحقيقة التي يتمناها البعض ويعمل على إصدارها.
كل المؤسسات الرسمية اللبنانية معطلة من يتحمل المسؤولية؟ هل رئيس الحكومة أم رئيس الجمهورية؟
- إن الذي يتحمل مسؤولية تعطيل المؤسسات الرسمية هو الذي أوصلها إلى هذا الوضع اللادستوري واللاشرعي. إذ كانت كل المسائل تسير بشكل طبيعي داخل هذه المؤسسات إلى أن قرر البعض إقصاء طائفة بكاملها عن القرار، وهذا أمر لا يجوز في لبنان من النواحي الدستورية والميثاقية وحتى الاجتماعية.
حزب الله.. مقاومة
مع من تكمن مصلحة لبنان؟ هل مع محيطه العربي أم مع بعده الإيراني ممثلاً في ولاءات حزب الله؟
- لا بد أولا من القول إن ldquo;حزب اللهrdquo; الذي يمثل المقاومة اللبنانية في وجه العدو ldquo;الإسرائيليrdquo;، لم يتبنّ أي قرار أو فكرة لا تصب في مصلحة لبنان، ومن الظلم القول انه يحمل ولاءات إيرانية.
أما مصلحة لبنان، فهي في أن يقف وبشدة في وجه العدو الذي يتربص به شراً ولا يوفر وسيلة إلا ويستعملها لشق صفوف أبنائه وإشباع أطماعه في مياهه وأرضه.
إن لبنان هو بلد محب للسلام ولكنه لا يقبل بالاستسلام، وهو بالتالي متمسك بمحيطه العربي وقد أثبت ذلك خلال مختلف المراحل التي مرّ بها، كما انه متمسك بالعلاقات الطيبة والودية والندية التي تجمعه بأصدقائه في مختلف أنحاء العالم. فإيران بلد صديق للبنان، وقف إلى جانبه ودعم حقوقه في المحافل الإقليمية والدولية، ولم يقف يوماً في طريق نهضته وازدهاره. فهل المطلوب فعلاً أن يتخلى لبنان عن أصدقائه في العالم إكراما لبعض المسؤولين السياسيين في العالم الذين يريدون تنفيذ مصالحهم مهما كلف الأمر ولو على حساب بعض الدول؟ نحن مستمرون على مبادئنا وخطنا الذي طالما ميّز لبنان، ولن نحيد عنه إكراما لأحد.
لا حديث الآن كما يقول رئيس الحكومة عن ldquo;إسرائيلrdquo; والتحرير والحديث كله حول الثلث المعطل. ما القيمة الفعلية لمنح المعارضة الثلث المعطل؟
- اطمئن الرئيس السنيورة والجميع أن لا أحد يمكن أن ينسى تحرير ما تبقى من ارض لبنانية محتلة من قبل العدو ldquo;الإسرائيليrdquo;. فكان بالأحرى إذا من قدّم دماءه وحياته وضحّى بمنزله وأولاده في سبيل استرجاع الأرض، فهل ينسى هذا الهدف بهذه السهولة؟ إن ldquo;إسرائيلrdquo; تبقى العدو، والتحرير هو الهدف الذي يعمل للوصول إليه جميع اللبنانيين. ولكن هذا لا يعني إهمال الوضع الداخلي، أو استغلال هذا الأمر للإمعان في تقويض الأسس التي قام ويقوم عليها لبنان. فالدستور اللبناني يحصّن مناعة لبنان ويؤمّن إعطاءه السلاح الأمضى في وجه كل مشاكله وأعدائه وهو سلاح الوحدة الوطنية والعيش المشترك.
وفيما خص مسألة ldquo;الثلث المشاركrdquo;، فهذا الأمر يندرج في إطار التوافق الوطني الذي يفترض أن تكون الحكومة، أي حكومة، تعبر عنه. كل الحكومات السابقة حتى تلك التي ترأسها الرئيس الشهيد رفيق الحريري كانت تتضمن هذا الثلث. أي أن هناك مجموعة من الوزراء ممن لا ينتمون إلى الأكثرية الوزارية يمكنهم أن يكونوا صمام أمان في قرارات الحكومة، ويعبّرون عن مشاركة كل الأطراف في القرار. وعندما شكّل الرئيس السنيورة الحكومة، كانت تتضمن الثلث المشارك، إذ كان هناك تسعة وزراء من خارج الأكثرية النيابية. إلا أن الظروف السياسية التي سبقت العدوان ldquo;الإسرائيليrdquo; ثم تلته، جعلت بعض الوزراء يبدلون في انتماءاتهم وجنح بعضهم إلى صفوف الأكثرية فاختل التوازن ولم يعد هناك هذا الثلث.
الفريق الذي يطالب بالثلث الضامن أو المشارك هم فريق المعارضة الذي يريد أن تكون مشاركته في السلطة التنفيذية مشاركة كاملة، ولديه اعتبارات عدة منها موقف الأكثرية خلال العدوان ldquo;الإسرائيليrdquo; الذي لم يكن منسجماً مع موقف المعارضة، لا بل برز خلاف جذري بين المعارضين والأكثريين في أمور حساسة ودقيقة يتصل بعضها بالخيارات الوطنية والقومية مما أحدث خللاً في الثقة بين الطرفين، الأمر الذي دفع بالأقلية إلى المطالبة بأن تكون لها القدرة على المشاركة الفاعلة وهذه لا تتحقق إلا من خلال الثلث المشارك. من هنا نشأت المطالبة بالثلث المشارك وتجدد مع الأسف الخلاف حوله.
هل تشعر أن اتفاق الطائف حد كثيراً من صلاحيات الرئيس اللبناني؟
- ليس هناك من اتفاق مثالي وكامل يرضي الجميع، ولكن ما نجح اتفاق الطائف في تحقيقه كان إجماع اللبنانيين حوله كحل مبدئي يكفل لهم العيش باستقرار امني وسياسي يسمح لهم بخوض غمار تجربة جديدة ليأخذوا منها ما يفيدهم ويصلحوا ما يرون أنه قد يشكل متاعب لهم في المستقبل.
أما اليوم، وحتى يقول اللبنانيون كلمة أخرى في هذا الخصوص، يبقى اتفاق الطائف والدستور اللبناني محور لقاء الجميع وأساسا صالحاً لحل الخلافات والانطلاق نحو مستقبل زاهر كفيل بتبديد الشكوك وتوضيح الالتباسات، فتشدد من أواصر العلاقة بين اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية والسياسية.
ما الدور الذي ينبغي أن يلعبه الرئيس اللبناني في السياسة اللبنانية، ولا يلحظه اتفاق الطائف؟
- تعالت أصوات كثيرة منذ زمن، ولا تزال، تطالب بإعطاء صلاحيات أوسع لرئيس الجمهورية تمكّنه من أداء دوره ورسالته بشكل أفضل. ومن بين هذه الصلاحيات، الحق لوزير معني بإبقاء أي مشروع قدر ما يشاء من الوقت دون أن يوقّع عليه، فيما يتوجب على رئيس الجمهورية توقيع أي مشروع يحال إليه من مجلس الوزراء ضمن مهلة محددة وإلا يصبح نافذاً حتى دون الاقتران بتوقيعه.
على أي حال، أعود وأقول إن اتفاق الطائف لا يزال الإطار الصالح للبت في كل الخلافات، وإنني حريص على التقيّد بأحكام هذا الاتفاق الذي تحوّل إلى دستور لبنان، وقد أقسمت على المحافظة على كل ما ورد في هذا الدستور، ولعلّني دفعت ولا أزال، ثمن تمسكي بموقفي هذا، حملات محلية وأجنبية وتجريحاً شخصياً وإهانات. ولكن، على الرغم من ذلك، أنا باق على انتهاج الخط نفسه، ولن أحيد عنه حفاظاً على وطني أولا، واحتراماً لقسمي ولمنصب الرئاسة الذي أحافظ عليه ليس لشخصي بل لمن سيخلفني.
متى يتم تعيين سفراء جدد للبنان؟
- وافقنا في مجلس الوزراء على التعيينات التي عرضت علينا، وكانت تشكيلات واسعة تضمنت أيضا تعيين سبعة سفراء ، إضافة إلى السفراء الموجودين أصلا. وأرسلت كتب الاعتماد للسفراء إلى الدول وعاد معظمها مع الموافقة، ووقّعت غالبية هذه التشكيلات التي استكملت الأوراق اللازمة لها ومن بينهم أربعة سفراء من خارج الملاك إذ لم تكتمل سوى أوراق ثلاثة من اصل سبعة، وسيتم توقيعها فور اكتمالها.
هل الخلافات السياسية أم الشخصية هي التي أفسدت العلاقات بين مؤسسة الرئاسة والسراي الحكومي؟
- كما سبق وذكرت آنفاً، ليست القضية شخصية. وقد حرصت منذ اليوم الأول لتكليف الرئيس فؤاد السنيورة على وجوب ان تكون العلاقة التي تحكم بيننا قائمة على ما ينص عليه الدستور اللبناني، وبالفعل لقد تعاملت بروح الدستور وبنوده فيما يخص العلاقة بيني وبين رئيس الحكومة، وكانت الأمور تسير بشكل مقبول برغم الخلافات في وجهات النظر السياسية بيننا. ويهمني أن اشدد على أن علاقاتي بالشخصيات السياسية لم تؤثر يوماً في العلاقة الشخصية، لأن من يتولى المسؤولية السياسية تبقى مكانته على الصعيد الشخصي قائمة، إلا إذا أراد هو نفسه أن ينهيها أو يحوّلها.
التعليقات