أحمد أبو دهمان


كلّ يحمل هذه البلاد على طريقته، وحسب إمكانياته، لكني ومن موقعي في باريس. لم أر أحداً حملها ويحملها كما فعل ويفعل الأمير الكبير سعود الفيصل، كلنا، كلنا على كتفيه منذ عشرات السنين، يحملنا في كل كلمة، في كل سفر، في كل إقامة وأيّ إقامة. لم يقم في مدينة إلا وعينه على عاصمة أخرى، إنه المقيم في السفر. المقيم في مؤتمر والمسافر إلى مؤتمر. له في كل عاصمة حديث أو سكوت، وهو سيد الصمت والكلام معاً.
وكل الوزراء - وكم من وزير - الذين مروا بين كلماته وصمته ينحنون في الحالتين تقديراً وإكباراً. يستقبله الزعماء قبل نظرائه الوزراء.. ووحدهم الصحفيون الكبار الذين يستطيعون التقاط ما في صمته من لغات، من إيحاءات، من كلمات. ما في عمره الدبلوماسي من جهد، من تعب، من ألم، من حسرة، من شجاعة، من صدام.

ولعل واحدة من أبرز اللحظات في حياته الدبلوماسية - حسب تقديري - هي تلك التي تلت اجتياح الكويت. حين انحاز بعض القادة العرب علناً للمشروع الصدامي، يومها لم يكن في إمكان أي سعودي أن يحاور تلك القيادات التي أعلنت موتنا. لم يكن هناك وبذلك السمو إلا صاحب السمو فعلاً سعود الفيصل.

وفي تلك العواصم، رأيناه يصافح قادتها، وكنا نود أن نصرخ quot;لا تصافح ولو...quot; لكنه كان يصفع في كل مصافحة، يصفع انتهازيتهم بشجاعة الموقف وثباته.. وكنا نخشى عليه أن تهتز يده، لكنها كانت الأعلى والأنظف في تلك الظروف الخانقة.

رأينا قبل أيام في quot;الرياضquot; يرد على أحد نظرائه العرب بنفس السمو والترفع حين قال quot;لن أردّ على وزير خارجية عربي انحرفت به اللغة إلى مناطق لا نطؤها ولا تليق بناquot; أو هكذا فهمت.

وكيف لمثله بعد هذا العمر من السمو، من التاريخ، من التعب، أن يرد على فاروق بلغة فاروق التي بدت غريبة على فاروق نفسه والتي لابد أنه ندم عليها. وسعود الفيصل ليس مثل غيره من الوزراء - وزراء الخارجية - فهو يكبر كلما كبر سناً. ويعلو ويسمو كلما علت به الأيام. وفي كل يوم له تاريخ، ومكان في التاريخ وسيجد بيننا إن شاء الله في هذه البلاد من يحترم التاريخ. تاريخ الكبار. من ينحني أمام تعبه وإرهاقه.

مازلنا يا صاحب السمو في انتظار الكثير من العناء، من السفر، من فن الدبلوماسية ورفعتها، من الشموخ يا سيد الصمت والكلام.