الإثنين 25 ديسمبر2006

ريول مارك جيرشت - نيويورك تايمز

هذه هي المرة الثانية التي يبدي فيها المسؤولون الأميركيون عدم رضاهم عن حكومة وطنية عراقية. ففي مجالسهم الخاصة وعبر تصريحاتهم العلنية في الصحف ووسائل الإعلام، يعرب المسؤولون في واشنطن وبغداد، عن تمنياتهم بأن تسقط حكومة نوري المالكي الحالية. وتساق الاعتراضات على المالكي بالقول إنه يعتمد من الناحية السياسية على الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، بكل ما يحظى به هذا الأخير من سند عائلي وسياسي داخل البرلمان. وربما بدا نائب الرئيس الحالي عادل عبدالمهدي خياراً أكثر قابلية لواشنطن، بسبب مرونته وسهولة التعامل معه مقارنة بالمالكي، ولأريحيته هو نفسه في التعاطي مع المسؤولين الأميركيين، خلافاً للمالكي. وكان quot;المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراقquot;، والذي ينتمي إليه عبدالمهدي، قد أنشئ في إيران، لكن المليشيات المسلحة التابعة له، وأهمها quot;فيلق بدرquot;، لم تخض أي معارك جدية ضد القوات الأميركية في العراق، فضلاً عن كونها أقل بروزاً ومساهمة في العنف المذهبي المتبادل بين المسلمين السُّنة والمسلمين الشيعة، خلافاً لمليشيات مقتدى الصدر quot;جيش المهديquot;، بل لطالما أحسن عبدالعزيز الحكيم، قائد quot;المجلس الأعلىquot;، التعامل مع المسؤولين الأميركيين وتوطدت صلته بهم.

وإذ أن إدارة الرئيس جورج بوش أضحت الآن بصدد إجراء مراجعة شاملة لسياستها في العراق، بينما أصبح مرجحاً إرسال مزيد من القوات لمواجهة quot;جيش المهديquot; بصفة خاصة، فربما يعلو، أكثر من ذي قبل، نجم عبدالمهدي وquot;المجلس الأعلىquot; في كل من واشنطن وبغداد. وفيما إذا كان هذا هو الاتجاه المُحتمل، فإن على الإدارة الأميركية أن تأخذ هذه النصيحة على محمل الجد والاهتمام: ليس في تغيير العناصر الشيعية في الحكومة العراقية الحالية، ولا في المواجهة المباغتة لمليشيات الصدر، ما يخدم الأهداف الأميركية، ولا ما يحقق القضاء على التمرد السُّني أو الإرهابيين الأجانب في العراق. ويقيناً فإن مباغتة كهذه لن تحد من شعبية quot;جيش المهديquot; ولن تكسر شوكته العسكرية، كما يعتقد البعض. فالمعروف أن هذا الجيش إنما يتشكل قوامه الرئيسي من مجموعة كبيرة من الشباب المتطرفين الذين تعرضت عائلاتهم للقهر والسحق الوحشي من قبل نظام صدام حسين، إضافة إلى الهجمات التي يتعرضون لها منذ انهيار النظام عام 2003.

وفوق ذلك فإن تغيير رئيس الوزراء ومواجهة quot;جيش المهديquot;، لن يحفزا بدورهما مساعي تحقيق المصالحة الوطنية بين الشيعة والسُّنة والأكراد العراقيين، ولن يفتحا الطريق أمام تحول الحكومة العراقية إلى حكومة وطنية فاعلة وقادرة على بسط نفوذها وسلطتها، كما لن يسمحا للقوات الأميركية بمغادرة بلاد الرافدين في المستقبل المنظور... بل الحقيقة هي أن من شأن مواجهتنا لمليشيات quot;جيش المهديquot; وإعلاء quot;المجلس الأعلىquot; على بقية الفئات والكيانات الشيعية الأخرى، أن يؤديا إلى نقيض ما نريده تماماً هناك. وليست ثمة صعوبة في رؤية الأسباب التي يستند عليها هذا التحليل أو التوقع: ذلك أن تحقيق أي قدر من الاستقرار والسلام في العراق، بما يفضي إلى تحوله الديمقراطي، إنما يعتمد في الأساس على وحدة مسلميه الشيعة بمختلف كياناتهم وتنظيماتهم. لذلك وفي حال اندلاع أي مواجهات عنف بين quot;جيش المهديquot; وquot;فيلق بدرquot;، فإن من شأن ذلك أن يؤدي لتفشي فوضى العنف والنزاع الدموي، على نطاق المنطقة الشيعية بأسرها، بما فيها المزارات ومدن العتبات، ومناطق الجنوب الغنية بالنفط. ولعل أسوأ ما يمكن أن يسفر عنه العنف الشيعي المتبادل، هو إفقار العراق العربي كله، والانحدار بالشمال الكردي إلى مستوى شبيه بالاقتصاد المعيشي الأفغاني، لا أكثر.

وفي ظل ظروف كهذه، فإننا على الأرجح سنكون قد صببنا الزيت على النار، ودفعنا بالجماعات الشيعية إلى ذرى التطرف والراديكالية، مع العلم بأن عناصر هذه الجماعات قطعوا من قبل شوطاً بعيداً في هذا الاتجاه، جراء العنف الوحشي الذي يتعرضون له من قبل المتمردين السُّنة. وفيما لو اندلعت نيران المواجهة الشيعية- الشيعية، وسالت الدماء الشيعية حتى الركَب، فلنقل وداعاً لآخر ما تبقى من مشاعر وروابط تآخٍ وطني بين المعتدلين من الشيعة والسُّنة معاً، مهما كانت هذه الروابط واهية وضعيفة الآن. لذلك فسنكون قد أحسنا صنعاً فيما لو لم نتجاهل قدرة مثل هذه الروابط والأواصر الأخوية الدينية، على الحد من نيران المواجهات الطائفية، بل وإطفائها. ولنضع في اعتبارنا دائماً أنه في وسع اندلاع مواجهات شيعية- شيعية أن تؤدي إلى حرب إبادة شيعية، في مقابل التمرد السُّني الجاري حالياً في العراق. أما النتيجة النهائية لكل حمامات الدماء والمذابح هذه، فهي ليست شيئاً آخر سوى تدمير الهرمية الدينية الاجتماعية التقليدية التي يقوم عليها المجتمع العراقي برمته، مع العلم بأن هذه الهرمية ظلت أقوى بين الشيعة حتى الآن، قياساً لما هي عليه بين السُّنة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

وعلاوة على أن ميليشيا quot;فيلق بدرquot; أكثر كفاءة وقدرة ودربة عسكرية من quot;جيش المهديquot; التابع لمقتدى الصدر، وأنها بالتالي قادرة على إلحاق الهزيمة العسكرية بالأخير، فإن الأولى أيضاً تحظى بدعم كبير من إيران، حيث جرى تأسيسها وتسليحها أصلاً هناك. غير أنه لا تتوفر أية ضمانات، لعدم بروز أطماع جديدة في أوساط قادة هذه المليشيات إثر النصر، ترمي لتأسيس ديكتاتورية شيعية جديدة في العراق، على غرار الديكتاتورية الأم في طهران.