عبد الرحمن الراشد
لن أضيع سطور الزاوية في الجدل حول حقيقة الهدنة، وإنما لنهتم أكثر بقراءة الخطوة وصاحبتها، هي مشروع سلام التصق بحماس الفلسطينية، وتمثل أول مبادرة سلام من المعسكر العربي المتشدد مع إسرائيل، على اعتبار أن عرض سورية للسلام جاء مجرد جملة عرضية في مقابلة للرئيس بشار الأسد، قبل شهر تقريبا.
وثيقة الهدنة تطور في غاية الأهمية، خاصة ان كانت بالفعل من تصميم احمد يوسف، مستشار رئيس الوزراء إسماعيل هنية، رغم انها نسبت للأوروبيين أولا، ثم قيل إنها كفكرة للشيخ الراحل أحمد ياسين، أصابت رئيس السلطة أبو مازن بالهلع، فخرج من غرفته وذهب إلى معانقة رئيس وزراء إسرائيل إيهود أولمرت، بعد أن كان يرفض ملاقاته، حتى رأى أن حماس أكثر دهاء وأسرع خطى، وها هي تتجاوزه بمسافة بعيدة.
واقترح على كل مهتم أن يقرأ تفاصيل مشروع حماس، الذي نشرته laquo;الشرق الأوسطraquo;، لأهميته وعمليته، ويرى فيه تطور تفكير مهندسيها، وقدرتهم على قلب المعادلات من حيث لا يمكن لأحد أن يتنبأ به. وهذه ليست المرة الأولى، فقد فعلتها حماس يوم جمع المتشدد فيها خالد مشعل الإعلاميين في القاهرة، وألقى فيهم خطبة حماسية ضد إسرائيل، لنكتشف في الصباح التالي إنها قنبلة دخانية تسترت على هدنة كانت حماس قد وقعتها، توقف هي وإسرائيل تبادل الهجمات. لم تنجح الهدنة، لان فتح هذه المرة هي من خربت الاتفاق بإطلاق صواريخ على الأراضي الإسرائيلية في صباح أول يوم هدنة.
أنا لا أريد أن أقول إن حماس حركة منافقة تقول شيئا وتقدم على أمر يناقضه، بل أراها اليوم حركة سياسية ناضجة، لا عسكرية دوغمائية بليدة، كما توحي لنا خطاباتها. تناور قيادتها وتقاتل وتفاوض وتختار التوقيت الذكي للخروج من الفخ الذي وضعت نفسها فيه.
فحماس عمليا صارت قاب قوسين من خسارة كل الحكم، ربما إلى زمن طويل، بسبب رفعها سقف المواجهة بالخطف والمواجهة العسكرية والعلاقة مع إيران، كل ذلك وهي في نفس الوقت تريد الحكومة ورئاستها. صار مؤكدا أنها ستخرج إما باستفتاء تسقط فيه، أو بلجوء عباس إلى حكومة طوارئ تطرد منها. ستخرج وتنتهي تنظيما معزولا، ملاحقا، منشغلا بحماية نفسه، وبالهروب المستمر والعيش على هامش السياسة. اليوم حماس حركة سياسية إقليمية مهمة لأنها في الحكم، ولو خسرته ستصبح مثل الجبهة الشعبية وغيرها إلى فترة طويلة، لأن منظمة التحرير وإسرائيل وقوى المنطقة العربية والقوى الدولية ستتكاتف على تهميشها، فهي أصولية وإيرانية ومحفزة للشغب عربيا، ومزاحمة لفتح على الحكم.
وبغض النظر عما تقوله حماس شعبيا، فالمهم كيف تدير شؤونها، وأنا اعتقد أن وثيقة الهدنة في غاية الأهمية للشعب الفلسطيني والمنطقة العربية لأنها تقدم صيغة مستقبلية.
التعليقات