حسان حيدر
تتجمع في أفق المنطقة معطيات ووقائع توحي بان هناك استعدادات بدأت، قد تقود في حال تطورها، الى مواجهة عسكرية مع ايران، ربما لا يكون الغرب البادىء فيها. وهو مسار قد يصبح بعد فترة غير قابل للرجوع عنه، مع ما يعنيه ذلك من مخاطر على أمن المنطقة ككل، ومن انفلات غير محسوب للعنف والعواطف قد يتحكم بمستقبل دولها على مدى عقود طويلة مقبلة. فطهران تبدو مصممة على المضي قدما في برنامجها النووي الذي لم تنفع معه وساطة روسيا ومحاولاتها لعقلنة الاندفاعة الايرانية، ولا اغراءات اوروبا وقلقها الذي يمليه قربها الجغرافي، فيما الغرب يبدو مصمما على الحؤول دون امتلاكها قدرات نووية كفيلة بتسهيل حيازتها سلاح دمار شامل، ويتخذ خطوات لعزلها بشكل تام دوليا واقليميا.
وكان قرار العقوبات الذي اتخذه مجلس الامن بالاجماع بمثابة اشارة شديدة الوضوح الى نفاد صبر المجتمع الدولي، بما فيه الدول العربية، من تعنت ايران في المجال النووي، او ما في يصدر عنها من خطاب سياسي مستفز تترجمه تدخلا غير بريء في مشكلات المنطقة بدءاً من العراق وامتداداً الى لبنان وفلسطين. لكن سبقها وتلاها اشارات اخرى لا تقل اهمية تمثلت في اعلان واشنطن عزمها على ارسال حاملة طائرات ثانية ومجموعة حمايتها الى الخليج، والجهد الاميركي لاعادة الامساك بالورقة الامنية في العراق وترتيب الوضع السياسي في هذا البلد عبر اعادة مشاركة من سعت ايران ورجالها الى اقصائهم من ضباط الجيش السابق والقوميين، والمسعى الاوروبي الذي قاده بلير بدعم اميركي لحلحلة على المسار الفلسطيني الاسرائيلي اثمر لقاء بين اولمرت وعباس وسلسلة خطوات للتهدئة قد تمهد، اذا تحققت، لاتفاق سلام دائم، ثم الزيارات المتكررة التي يقوم بها اعضاء في الكونغرس الاميركي من الحزبين الديموقراطي والجمهوري الى دمشق ومباشرة حوار غير رسمي معها، والموقف الذي اعلنه رئيس وزراء اسرائيل عن استعداده لمحاورة سورية ولو بشروط.
وتهدف هذه الخطوات على المسارات العراقي والفلسطيني والسوري الى نزع اوراق مهمة من يد طهران، بعدما نجح القرار 1701 في ابعادها قليلا عن الجبهة اللبنانية، والى تكريس التمايز بين علاقتي دمشق وطهران بمشكلات المنطقة ومقاربتهما لها والرغبة في تجنيب سورية انعكاسات اي مواجهة محتملة مع ايران.
اما الدليل الاخطر على سياسة عزل ايران، فكان تصريح وزير النفط كاظم همانة الذي قال ان بلاده تتعرض منذ اعوام لمختلف انواع العقوبات ولم تتمكن شركات عدة من التعاون معها في المجال النفطي خشية الضغوط الاميركية، كما انها لم تتسلم المعدات التي اشترتها في الماضي تحت ذرائع مختلفة، فيما المصارف الاجنبية ترفض اقراضها اموالا او المساهمة ماليا في مشاريع الصناعة النفطية بحجج مختلفة.
وكان تقرير اعدته الاكاديمية الاميركية الوطنية للعلوم ونشر قبل ايام اشار الى انخفاض عائدات ايران من صادراتها النفطية بنسبة تراوح بين 10 و 12 في المئة سنويا، متوقعا ان تتوقف هذه الصادرات نهائيا في العام 2015 اذا استمر هذا الاتجاه، علماً ان طهران لم توقع منذ اكثر من عام اي عقود ذات اهمية في قطاعي الغاز والنفط مع شركات اجنبية. واعتبر التقرير ان تدني عائدات ايران المالية يجعل وضعها هشاً وغير مستقر.
لكن ماذا اذا لم تحتمل ايران هذا الطوق الذي يضيق من حولها، وحاولت الافلات منه؟ قياسا على رد فعل طهران على قرار العقوبات باعلان تسريع عملية تخصيب اليورانيوم والمضي قدما في برنامجها النووي، يبدو الاحتمال الوحيد هو المزيد من التعنت والهروب الى الامام والخطابة الايديولوجية التهويلية التي لن تحول دون المزيد من العقوبات والعزل اذا استمرت. فهل يبادر قادة هذا البلد الى تقريب موعد المواجهة؟
التعليقات