عبد الرحمن الراشد

ربما السؤال الحقيقي لماذا تأخرت السلطات العراقية، ومعها الاميركية، في محاكمة وإدانة الرئيس السابق صدام حسين وكذلك في إعدامه. كان بامكانها شنقه بعد الجملة الشهيرة التي أذاعها حاكم العراق المؤقت بول بريمر، laquo;سيداتي سادتي.. أمسكنا بهraquo;. كان ذلك في الرابع عشر من ديسمبر في عام 2003 ونحن الآن نشارف على دخول عام جديد وصدام في زنزانته منذ ثلاث سنوات. خلالها شاهده العالم كمسلسلة طويلة بنهاية مؤكدة ومجهولة التوقيت.

أراد الطرفان، المحامون والدفاع، أن تطول المحاكمة كل لسببه الخاص حتى الشهر الماضي عندما أدركت السلطات العراقية أن الإبقاء على صدام صار يبني له قاعدة جماهيرية لم تكن موجودة بهذا الحجم من قبل بين صفوف المعارضة المسلحة والمدنية. صدام لم يكن من قبل رمزا ولا بطلا لأنه كان يحكم العراق بالحديد والنار، وقد ترك وراءه عداوات كثيرة حتى في داخل بيته وبلدته تكريت، وكان الخلاص منه أمرا غير مأسوفا. لكن مع تعقيدات الوضع السياسي والأمني في العراق لم تعد هناك من رموز تستخدم ضد السلطة الجديدة سوى قلة من المعارضة من بينها صدام. ومع الوقت ولدت قناعات تقول إن صدام المجرم لا يقل سوءا عن بعض المجرمين العراقيين الآخرين في الساحة الذين يديرون ميلشيات الموت ويقتلون الناس على الهوية والطائفة، ويرتكبون من الجرائم الجماعية بحماية بعض المؤسسات الحكومية بما هو أسوأ مما فعله صدام وزمرته. وقد ساعد الوضع المتردي يوما بعد يوم، وساعدت التصريحات الاميركية غير الحكومية حول الخروج من الفوضى، على ظهور مخاوف من أن صدام قد ينجو من الإعدام.

في ظني أن فكرة محاكمات صدام أريد لها أن تكون مسرحا لاستعراض الجرائم البشعة التي ارتكبها صدام وأعوانه على مدى أكثر من ثلاثة عقود لكن الحال المتزايدة سوءا، وفشل محامي الدفاع في التناغم مع المحاكمة بكثرة المقاطعة والانسحابات وشن حملات تشكيكية، استوجبت أن تتوقف المحكمة ويكتفى بحكم إعدام واحد وإلغاء المحاكمات الأخرى التي كان لها أن تمنح صدام عاما او اكثر في الحبس.

بغداد، الحكومة، ترى أن صدام يكفيه حكم إعدام واحد فقط لاستكمال الحق القانوني الذي يبرئ ساحتها، خاصة ان المحاكمة كلها جرت أمام أعين العالم وأعطي صدام محاكمة عادلة باجراءت لم تمنح لأي متهم مسؤول في أي نظام عربي آخر. لم يعد هناك مبرر لاستكمال الألف دعوى ضده التي قد تحتاج إلى عشرين سنة أخرى لمحاكمته على جرائمه الكبيرة العديدة.

وسواء قضي على صدام في العيد أو بعد عيد آخر، فانه يعرف جيدا انه انتهى منذ اليوم الذي سقطت فيه بغداد. أمضى ما تبقى هاربا ومختبئا حتى يوم الحفرة، ومدت المحاكمات في عمره بأكثر مما كان يتوقعه هو نفسه واقرب المقربين إليه.

[email protected]