السعودية والتجربة الافغانية في العراق !

سركيس نعوم

كانت المملكة العربية السعودية حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة في هذه المنطقة من العالم. انطلاقاً من ذلك تعاونت الدولتان على مدى العقود الماضية لمعالجة الكثير من المشكلات، من اقليمية واسلامية فنجحتا في حلّ بعضها وفشلتا في حل بعضها الآخر. ولكن رغم هذا التحالف الاستراتيجي ورغم التعاون الوثيق الذي انتجه بقيت المملكة وفي مناسبات كثيرة عصية على الاستشراف وعلى التوقع من الولايات المتحدة ربما بسبب تركيبة النظام الحاكم فيها والحذر المقيم عند المسؤولين الكبار فيها والتحفظ القوي المزمن عندهم المترافق احيانا كثيرة مع شيء من التردد تفرضه اعتبارات عدة اهمها على الاطلاق المسؤولية التي تشعر بها المملكة حيال القضايا الاسلامية والعربية التي لا يشارك فيها المسؤولون الاميركيون احيانا كثيرة. ولا تزال المملكة العربية السعودية على تحالفها المذكور مع اميركا الذي يبدو انه صار حاجة مشتركة للدولتين ولاسيما بعد التحديات الشرق الاوسطية الخطيرة التي واجهتهما في السنة الجارية التي تنتهي غداً والتي تهدد مصالحهما وما هو اكثر من مصالحهما في الصميم. هذا الواقع التحالفي الاستراتيجي يثير اسئلة كثيرة تتعلق بالموقف السعودي من التطورات الجارية في المنطقة. وفي غياب المعلومات والمعطيات الواضحة والتفصيلية عن ذلك من الجهة السعودية، كان لا بد من الاعتماد على عدد من المتابعين الاميركيين للعلاقة الاميركية ndash; السعودية وللاوضاع في المملكة والمنطقة عموما لمحاولة استشراف الخطوات التنفيذية للسياسة السعودية حيال الشرق الاوسط المعروفة عناوينها في صورة عامة.
ماذا يقول هؤلاء عن السعودية وسياستها والخطوات التنفيذية لهذه السياسة؟
يقولون انه من الصعب قراءة نيات السعوديين وتاليا محاولة معرفة ماذا سيفعلون لمواجهة التحديات التي تواجههم والمنطقة، لكنهم يلفتون الى ان هؤلاء غير سعداء على الاطلاق لتنامي النفوذ الايراني في العراق وفي منطقة الخليج عموما وفي لبنان، والى انهم يخشون كثيرا الطموحات الكبرى للجمهورية الاسلامية الايرانية والتي بدأت تتضح معالمها خلال السنة المقتربة من الانتهاء. ويلفتون ايضا الى ان السعوديين غير سعداء وغير مرتاحين للسياسة الضعيفة وغير المركزة التي تنتهجها اميركا جورج بوش حيال العراق والخليج ولبنان والى انهم لم يقتنعوا بالتطمينات التي تلقوها منها في هذا الشأن اكثر من مرة. ويلفتون ثالثا الى ان ما يشوش السعوديين في هذه المرحلة موضوعين: الأول، عدم تأكد المملكة من استمرار الدور الاميركي في العراق، اي الهادف الى تهدئته واشاعة الاستقرار فيه واقامة دولة عادلة ومسالمة على ارضه. وقد ازداد عدم التأكد هذا بعد الانتخابات النصفية للكونغرس التي جرت في الشهر الماضي. اما الثاني، فهو اعتقاد المملكة ان الرئيس جورج بوش والرئيس الذي سيخلفه بعد نحو سنتين لا يبدوان مصممين على تحدي ايران الاسلامية مباشرة، لأسباب كثيرة قد يكون ابرزها المستنقع العراقي الذي يجد بوش نفسه فيه اليوم. انطلاقا من ذلك كله يقول المتابعون الاميركيون انفسهم ان العربية السعودية قد تكون بدأت التحرك وحدها، علما ان لا احد يعرف او يستطيع ان يعرف الآن على الاقل ما هي مخططاتها ولا كيف تعتزم تنفيذها.
هل من ملامح معينة لهذه المخططات ولوسائل تنفيذها؟
يذكّر المتابعون الاميركيون انفسهم بكلام قاله مستشار ملكي سعودي عن احتمال ارسال المملكة عددا كبيرا من المتطوعين الى العراق لمساعدة الاقلية السنية العربية فيه في حال تعرضت لمحاولة قمع او اضطهاد او حتى الغاء من الغالبية الشيعية العربية فيه. ويذكّرون ايضا بمسارعة المملكة الى التنصل من الكلام المذكور والى التأكيد ان قائله لم يعد مستشاراً ملكياً. ويذكّرون ثالثا بمعلومات رسمية سعودية اعلنت بعد ذلك ان هذا المستشار قد يعين سفيرا في واشنطن مكان السفير المستقيل الامير تركي الفيصل. وينطلقون من هذا التذكير ليشيروا الى احتمال حلول تركي مكان شقيقه فيصل في وزارة الخارجية بسبب مرض الاخير ويحاولون استشراف ما يمكن ان يفعله السفير المستقيل سواء عيّن وزيرا أو لا لمساعدة بلاده على مواجهة التحديات التي تتعرض لها. وباستشراف كهذا يتوصل المتابعون انفسهم الى اعتقاد ان احدى مهمات الامير تركي قد تكون حشد المتطوعين العرب المسلمين السنة بغية ارسالهم الى العراق للدفاع عن هذا البلد في وجه الهيمنة الايرانية عليه وعن السّنة العرب في وجه الهجمة الشيعية عليهم. وعمل كهذا لن يكون جديدا عليه، ذلك انه قام بمثله وبنجاح فاق التوقعات اثناء الاحتلال السوفياتي لأفغانستان. لكن ما لا يعرفه هؤلاء حتى الآن هو هل ان قراراً اميركياً بالامر المذكور اعلاه قد تم اتخاذه؟ او هل ان الرئيس جورج بوش اعطى ضوءا اخضر لعمل كهذا؟ وعدم المعرفة هنا يعود الى عدم تسرب اي معلومة او اي تحليل عن هذا الموضوع او عن درسه في quot;الاداراتquot; الاميركية المعنية حتى الآن، وذلك خلافا لما يجري عادة في اميركا.
ماذا سيكون الهدف النهائي من ارسال المتطوعين الى العراق؟
الهدف النهائي سيكون في رأي المتابعين الاميركيين تمكين العرب من سنة العراق من الصمود، الامر الذي لا بد ان يشجعهم على التوصل الى تسوية مع الغالبية الشيعية العربية ذات جوانب سياسية واخرى مالية ونفطية، وهو ايضا دفع الغالبية المذكورة الى قبول مبدأ التسوية التي تنطوي على تنازلات متبادلة. لكن السؤال الذي يبقى من دون جواب هو: هل تُقْدِم السعودية - المتحفظة والحذرة - على خطوات جريئة كهذه؟ وهل تؤيد اميركا بوش هذه الخطوة، او تدفع المملكة في اتجاهها؟ لا جواب عن ذلك كله الآن.