الجمعة:03. 02. 2006
د. رغيد الصلح
ذكر الرئيس الامريكي بوش في خطابه عن حال الأمة ان الامريكيين لن يخرجوا بصورة مفاجئة من العراق. إلا ان تقارير كثيرة تصدر عن واشنطن تقول إن الامريكيين يريدون الخروج من العراق لولا انهم وقعوا في أسر الدوامة المفرغة: ldquo;لا نستطيع الخروج قبل بناء قوات عراقية موالية لنا تتولى عنا قهر المقاومة، ولا نستطيع بناء مثل هذه القوات لأن العراقيين ينظرون اليها على انها امتداد للاحتلال، فإذا كانت قوات الاحتلال بجبروتها غير قادرة على وضع حد للمقاومة، فهل من المعقول ان تتمكن قوات عراقية لوحدها انجاز ما عجز جيش الاحتلال مضافا اليه القوات العراقية الحالية عن انجازه؟rdquo;.
إزاء هذا الوضع الامريكي التراجيدي، ترتفع المزيد من الاصوات في واشنطن متسائلة عن هوية اولئك الذين وضعوا الولايات المتحدة في هذا الوضع الحرج. السؤال الرئيسي هنا متعلق بالذين لعبوا الدور الرئيسي في إتخاذ قرار الحرب على العراق. ولكن مع انكشاف الكثير من حقائق الاوضاع العراقية أمام الرأي العام الامريكي، بدأ الامريكيون يسألون اسئلة كثيرة أخرى أهمها هو السؤال حول حل الجيش العراقي. كان ذلك القرار، من وجهة نظر امريكية وكما قالت مجلة ldquo;الايكونوميستrdquo; (28-1-2006)، ldquo;قرارا غبياً أدى إلى فراغ أمني وسمح للمقاومة العراقية بملء ذلك الفراغrdquo;. المقاومة العراقية لم تبدأ مع حل الجيش العراقي، ولا كانت لتنتهي لو أن الامريكيين قرروا المحافظة عليه. ولكن لا ريب أن حل الجيش العراقي، أسهم، كما قالت المجلة الانجليزية المؤيدة لإدارة بوش، في شحذ المقاومة العراقية. فمن الذي اتخذ ذلك القرار ولماذا؟
حاول امريكيون يمثلون مختلف الاتجاهات والتيارات الاجابة عن هذا السؤال ولكن هذه المحاولات بقيت في حيز التكهنات. فمن هؤلاء من كان من السياسيين المعروفين مثل عضو مجلس الشيوخ ارنست هوللنجز واليميني المتطرف بات بوكانان، والليبرالي جاري هارت، المرشح الديمقراطي الاسبق لرئاسة الجمهورية الامريكية والجنرال انتوني زيني، الذي شغل منصب قائد القيادة المركزية للقوات الامريكية، وإعلاميين بارزين مثل ستيف كروفت من تلفزيون ldquo;سي. بي. أسrdquo; ونيكولاس كريستوف من ldquo;نيويورك تايمزrdquo; كلهم أكدوا ان العامل ldquo;الاسرائيليrdquo; كان أساس الحرب على العراق وكان وراء اتخاذ القرارات الاستراتيجية في هذه الحرب مثل حل الجيش العراقي.
رد ldquo;الاسرائيليونrdquo; ومؤيدو ldquo;اسرائيلrdquo; على هذه التقديرات والتفسيرات بحملة عنيفة. اتهموا فيها، كالعادة، أصحاب هذه التفسيرات بأنهم معادون للسامية. وركز قسم من أصحاب هذه الردود على نفي حاجة ldquo;اسرائيلrdquo; الى تدمير العراق وتدمير قوة العراق العسكرية. ولخص مقال كتبه دور جولد، وهو احد الاستراتيجيين ldquo;الاسرائيليينrdquo; ومستشار سابق لرئاسة الحكومة ldquo;الاسرائيليةrdquo;، هذا المنحى الاخير في مقال كتبه عام 2004 جاء فيه ان ldquo;اسرائيلrdquo; لم تعد تنظر الى الجيش العراقي، عام 2003 كمصدر خطر حاسم على أمنها. واستعان بأقوال بعض المسؤولين ldquo;الاسرائيليينrdquo; السابقين مثل وزير الدفاع ldquo;الاسرائيليrdquo; موشيه ارنز وموشيه يعلون وكلاهما نفى ان يكون الجيش العراقي قوة تهدد الأمن ldquo;الاسرائيليrdquo;.
نسج الكثيرون من مؤيدي ldquo;اسرائيلrdquo; على هذا المنوال بغرض اخفاء اليد ldquo;الاسرائيليةrdquo; في حل الجيش العراقي. ولكن هذا المسعى لم يكن مقنعا. فمن يقيّم الجيش العراقي لا ينظر الى اوضاعه خلال فترة زمنية قصيرة، ولا يحكم عليه في وقت تعرض فيها العراق إلى اقسى نظام عقوبات في التاريخ وفي ظل حصار تسليحي محكم. ولكن من يقيّم الجيش العراقي، خاصة اذا كان ldquo;اسرائيلياrdquo;، يفعل ذلك وفي ذهنه تجربة تاريخية كاملة من الصراع واحتمالات الصراع بين العراق وrdquo;اسرائيلrdquo;، ودور المؤسسة العسكرية العراقية في هذا الصراع. ومن يقيّم الجيش العراقي ودوره في الصراع العربي- ldquo;الاسرائيليrdquo; يفعل ذلك وهو يحسب الحساب ليوم يتخلص فيه العراق من نظام العقوبات ومن الحصار التسليحي. ومن يقيّم الجيش العراقي، يرجع الى دور العراق وجيشه على امتداد التاريخ الحديث للمنطقة.
ldquo;الاسرائيليrdquo; او المؤيد ل ldquo;إسرائيلrdquo; الذي يقيّم الجيش العراقي بهدف اتخاذ موقف منه وفي ظروف تمكنه من التأثير في مستقبل الجيش العراقي سوف يصل الى ان هذا الجيش مثل تحديا كبيرا ل ldquo;إسرائيلrdquo;، وقوة عسكرية تؤثر تأثيرا مهما في موازين القوى في المنطقة وان الخلاص من هذه القوة سوف يسهل ldquo;للإسرائيليينrdquo; تحقيق اهدافهم سواء كانت الحفاظ على أمن ldquo;إسرائيلrdquo; وسلامتها، ام ضمان تفوقها على دول المنطقة او بسط نفوذ غير محدود عليها.
في هذا السياق الأخير، فإنه لم يفاجئ معارضي الحرب ما جاء في كتاب بول بريمر، ثاني حاكم امريكي يتولى شؤون العراق بعد الاحتلال. قال بريمر في مذكراته ldquo;سنواتي في العراق: الصراع من أجل بناء مستقبل من الأملrdquo; ان الدور الحاسم في قرار حل الجيش العراقي كان لدوجلاس فيث، الذي كان يشغل لحظة الاحتلال الامريكي للعراق، منصب مساعد وزير الدفاع، ومعه عدد من المحافظين الجدد المؤيدين ل ldquo;إسرائيلrdquo; الذين كانوا يعملون في وزارة الدفاع الامريكية. فدوجلاس فيث هو واحد من اثنين من الذين صاغوا عام 1996 تقرير ldquo;الافتراق الناجز: استراتيجية جديدة للحفاظ على المملكةrdquo;. وقد دعا التقرير الى اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط على نحو يمكن ldquo;اسرائيلrdquo; من بسط نفوذها في المنطقة. ونشأ فيث في مناخات التعصب الصهيوني الاعمى والعداء الشديد للعرب، اذ ان والده كان من نشطاء حركة ldquo;بيتارrdquo; وهي تمثل واحدة من اكثر المنظمات ldquo;الاسرائيليةrdquo; تطرفا ودموية. ولبث فيث امينا لهذه التقاليد الصهيونية، فقد عارض أي تقارب مع الفلسطينيين أو العرب فكان ضد معاهدة كامب دافيد مع مصر كما عارض اتفاق اوسلو. بالمقابل، كان فيث يحض، مع أقرانه من المحافظين الجدد، ومؤيدي ldquo;اسرائيلrdquo; المتأثرين بأفكار الزعيم الصهيوني جابوتنسكي، على استخدام القوة والبطش ضد العرب.
منذ أن احتل دوجلاس فيث ونظراؤه المواقع المهمة في الادارة الامريكية، لم يعد يفاجئ العرب او ناقدي ldquo;اسرائيلrdquo; والتوسعية الصهيونية انجراف واشنطن الى اتخاذ قرارات تخدم ldquo;اسرائيلrdquo; دون ان تفيد، بالضرورة، مصالح الولايات المتحدة، هذا ان لم تسبب لها اضراراً فادحة، كما قال جاري هارت. ما جاء في كتاب بريمر حول فيث قد يفاجئ امريكيين كثيرين وقد لا يسرهم أن يعرفوا ان ابناءهم يقاتلون في بغداد ويقتلون فيها لخدمة مصالح عدوانية وشريرة. ولكن لعل ما جاء في هذا الكتاب يساعد على تسليط انظار أولئك الامريكيين على حقائق العلاقات المثلثة ldquo;الامريكية-العربية-الاسرائيليةrdquo; فيدرك هؤلاء ان مصلحة بلادهم هي في وضع حد لتسلط أنصار ldquo;اسرائيلrdquo; والمعادين للعرب على سياسة واشنطن الأوسطية، ويعملون شيئا من
أجل تحويل هذا الادراك الى موقف فاعل ومؤثر.














التعليقات