الثلاثاء: 2006.02.14

عبدالله اسكندر

لو نجا رفيق الحريري من محاولة اغتياله في 14 شباط (فبراير) 2005، هل كان لبنان شهد ما شهده خلال العام الذي انقضى منذ الاغتيال؟ يمكن الادعاء ان المحطات الاساسية هي نفسها، وإن اختلفت تفاصيل كثيرة.

القرار الدولي 1559 المتعلق بالوجود السوري كان سيطبق، على رغم ان الانسحاب كان يمكن ان يأخذ شكلاً غير ذلك الدراماتيكي الذي حصل فيه. الانتخابات النيابية كانت ستجرى في موعدها، وستؤدي الى معادلة جديدة ليست بالضرورة محكومة بغالبية كاسحة، لكنها كانت ستأخذ في الاعتبار ان قوى جديدة تنضم الى مطالبات وقف التدخل في الشأن اللبناني وإعادة تقويم لدور المقاومة ولدور الدولة في الجنوب، بما يمنع الاستفادة من هذه الثغرة للاستمرار في التدخل، وبما يخفف في الوقت نفسه من احتمالات التصادم مع laquo;حزب اللهraquo; كطرف مسلح متحالف استراتيجياً مع سورية المشكو من تدخلها. كان وجود الرجل سيضفي سلاسة على التطورات ويحاول إبعادها عن المأساوية التي اتخذها بعضها. واذا كان من الصعب اليقين من نيات الراحل، وهو الذي تحول زعيما لبنانيا كبيرا وقطبا عربيا ومحاورا دوليا لا غنى عنه، فان ما قاله وسعى اليه منذ إجباره على الاقتراع في المجلس النيابي على التمديد للرئيس لحود وحتى لحظات قبل اغتياله، يتجه الى الوجهة الاساسية التي اتخذتها الاحداث لاحقا.

جاء اغتيال الحريري في ذروة مرحلة وبدء الانعطاف الى مرحلة اخرى. وربما جاء الاغتيال ليمنع هذا الانعطاف، في ظل الشعور ان معطيات داخلية واقليمية ودولية جديدة تزداد وطأة، ولم يعد من الممكن معها توفير الظروف والشروط نفسها التي سادت في المرحلة السابقة التي بدأت مع اتفاق الطائف.

لقد بات مطروحا معنى الوجود العسكري السوري في لبنان، ومعنى استمرار سلاح المقاومة خارج الشرعية بعد تحرير الجنوب، والتوازن الداخلي في البلد. وجاء القرار 1559، مستفيدا من المعطيات الجديدة، ليعيد طرح مضمون هذا التوازن الذي جاءت الانتخابات النيابية لتعبر عنه بعد انحسار الهيمنة الأمنية، ولترسي قواعد له مغايرة عن السابق. وكترجمة لهذا التغيير، أعيد التفكير بطبيعة العلاقة الرسمية بين لبنان وسورية، على نحو يساوي بين دولتين مستقلتين جارتين.

هذه العناوين الاساسية كانت مطروحة قبل اغتيال الحريري، وما تزال تحكم الجدل الحالي. وكل قضايا الخلاف، خلال العام الماضي، كانت بمثابة الفروع لهذه العناوين، من المطالبة بكشف الحقيقة الى تفكيك الاجهزة الامنية الى الاعتداءات والاغتيالات والمحكمة ذات الطابع الدولي... وصولاً الى الازمة الحكومية.

والثابت الوحيد في كل هذا الصراع هو الفشل في امكان تسوية لا تلقى الاجماع الوطني والطائفي. اذ ان اي استبعاد او عزل ترافق مع ظروف عابرة سقط فور انتفاء الاغراض المتوقعة منه، وهي في غالبيتها تحسين لشروط خاصة في الصراع. ومثلما اكتشف الحريري، في سنواته الاخيرة، ان تركيبة الحكم الداخلية لا تستقيم من دون تمثيل مسيحي اساسي فيها، اكتشف لاحقا ان تغيير طبيعة التحالفات الطائفية لا تقدم الحل المطلوب لتركيبة ثابتة. فشل التحالف الرباعي في اجتذاب التيار العوني بثقله المسيحي، فكان هذا الفشل مقدمة لانفراط عقده. وفشلت الغالبية الجديدة في اقصاء التمثيل الشيعي من الحكومة من دون المغامرة بأزمة اهلية لا يعرف مداها. ولن تنجح صيغ تحالف اخرى، ومن بينها laquo;ورقة التفاهمraquo; بين التيار العوني وraquo;حزب اللهraquo;، لانها لن تستقطب الا موقّعيها.