يارا

عبدالله بن بخيت


إسرائيل هي الدولة الوحيدة في هذا العالم التي لا تتمتع بحق الضعف. لا تستطيع أن تكون ساحل العاج أو سيرلنكا. ليس لها حق التذبذب الذي تمر به الدول والأمم. قدر عليها أن تكون دائماً قوية (سوبر باور) وجب عليها أن تنتصر في أي حرب تخوضها. رغم هذه القوة لأول مرة في التاريخ نرى أن الذئب يبحث عبثاً عن ضمانات أمنه خوفاً من ضحاياه.
لا تستطيع إسرائيل أن تسعى للسلام ليس لأنها لا تريده ولكن أي سلام مهما كانت الضمانات سوف يتناقض مع وجودها. لا توجد صيغة سلام ترفع عن النفس الإسرائيلية الخوف. السلام هو تحرير لخصومها من شروط وجودها. لا يمكن أن تسمح إسرائيل لخصومها امتلاك أسباب القوة مهما كانت الأوراق الموقعة. إذا حصلت على السلام لا يوجد ما يبرر قصفها لمقدرات خصومها فمهما وقعت إسرائيل من اتفاقيات مع خصومها سيبقى التاريخ كما هو.
نتساءل دائما عن السبب الذي يجعل أوروبا وأمريكا تذعنان للإرادة الإسرائيلية إلى درجة أن يتنازل الغرب بلا تردد عن مبادئه التي سالت دماء الملايين من أجل تحقيقها. لا توجه لإسرائيل حتى كلمة لوم وإذا ندت عن أي مسؤول أوروبي كلمة نقد أو حتى عتاب ضد تصرف لا إنساني من إسرائيل تسارع وسائل الإعلام إلى إزالة آثار هذا التوبيخ. الغرب يتفهم الوضع الذي صنعه. إسرائيل ليست دولة إسرائيل قوة. تذكرني إسرائيل بوضع بعض الجامعات الغربية. كأكسفورد وأيوا. مدينة في داخل جامعة. كل سكان تلك المدينة مدينون بوجودهم للجامعة. إذا ضعفت الجامعة أو قدر لها أن تزول سوف تزول تلك المدينة هذه هي علاقة إسرائيل بجيشها. إسرائيل دولة تعيش وسط جيشها. كل شيء في إسرائيل للجيش أو بسبب الجيش. أبسط قراءة لوضح إسرائيل لا يعطي إسرائيل فرصة المناورة والتراجع وتحمل الأخطاء. وضع إسرائيل الأخلاقي لم يحتمل المناقشة وضع إسرائيل الأمني لا يحتمل أدنى غفلة وضع إسرائيل الاجتماعي لا يمكن أن يتحمل أي هزة. هذه الدولة يجب أن تعيش في محمية متكاملة الحصانة كل شيء في هذا الوجود قد يكون سبباً في فنائها. كأنها كائن ولد بدون جهاز مناعة عليه أن يتناول كمية هائلة من الأدوية بدون انقطاع وأن يعيش في غرف معقمة لا يتسرب إليها الهواء قبل تنقيته.
هذا الوضع لا يمكن أن يبقى إلى الأبد ولكنه قد يطول وقد يعني أن على العرب والمسلمين دفع الثمن. ضمان أمن إسرائيل لا يمكن أن يكون ذاتياً أهم بند فيه هو ضعف خصومها. هناك سقف للقوة وسقف للتكنولوجيا على العرب والمسلمين عدم تجاوزهما.
إن فكرة الشرق الأوسط الكبير تقوم على تبديل الهوية فكرة خيالية تفترض تغيير هوية العالم من أجل إسرائيل. إذا درسنا المنطقة العربية على سبيل المثال وهو شبيه بأي مكان في العالم نجد أن التجانس هو أحد أعداء إسرائيل. لو قرأنا المنطقة من اليمن سنجد أن حدود اليمن لا تقف شمالاً عند المملكة. فاليمن تتداخل عرقياً وثقافياً مع جنوب المملكة حتى أنه من الصعب تمييز الشعبين وإذا صعدنا إلى حدود المملكة الشمالية سنجد نفس التداخل العرقي والثقافي بين السعودية والأردن لنجد نفس الشيء بين الأردن وسوريا ثم بين سوريا ولبنان ثم لبنان وفلسطين ثم فلسطين ومصر ثم مصر وليبيا وهكذا تتواصل التداخلات العرقية والثقافية والتاريخية إلى أن نبلغ المحيط الأطلسي وهذا لا يتوقف عند الشعوب العربية بعضها مع بعض ولكن نرى هذا أيضا عندما ننظر إلى التداخل بين العراق وإيران وبين إيران وأفغانستان وبين أفغانستان وباكستان وبين باكستان والهند إلى ما لا نهاية. هذه المنظومة الإنسانية المتلاحقة المتداخلة لا مكان لإسرائيل فيها. إسرائيل كيان منبت قائم على رعب الفناء.


فاكس : 4702164 - [email protected]