الإثنين: 2006.04.03

كارلوتا جال
مراسلة quot;نيويورك تايمزquot; في باكستان


تجتاح منطقة بلوشستان الباكستانية موجة من أعمال العنف تستهدف أنابيب نقل الغاز وخطوط السكك الحديدية التي تعبر هذه المنطقة القاحلة والبعيدة عن مظاهر المدنية. ولأن ذلك لا يكفي على ما يبدو لزعزعة استقرار المنطقة النائية وردت أنباء عن زرع عبوات ناسفة على جنبات الطرق واستخدام قذائف المدفعية. ولاشك أن العنف المستشري في المنطقة أدى إلى سقوط العديد من الضحايا، حيث أفادت اللجنة الباكستانية لحقوق الإنسان عن وقوع ما لا يقل عن 100 قتيل من المدنيين خلال الشهور الأخيرة، فضلا عن سقوط العشرات من أفراد قوات الأمن الحكومية. ومع مرور الوقت تحولت منطقة بلوشستان المتمردة إلى بؤرة مفتوحة تعج بالاضطرابات الاجتماعية الخطيرة، علما بأنها بعيدة عن مناطق القبائل المتاخمة لأفغانستان التي تضغط الولايات المتحدة لتركيز القوات الباكستانية عليها في إطار محاربة المتطرفين الإسلاميين. وإلى جانب القادة المحليين في المنطقة يجمع المعارضون السياسيون على أن باكستان، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، سيرت قواتها إلى منطقتهم بدل إبقائها على الحدود الأفغانية لمواجهة فلول quot;القاعدةquot; وquot;طالبانquot;. ويضيف هؤلاء أن الهدف من الحملة العسكرية على بلوشستان هو تصفية حسابات قديمة والسعي إلى استغلال الاحتياطات الكبيرة من النفط والغاز الطبيعي التي تزخر بها المنطقة.

ورغم نفي المسؤولين الحكوميين وجود حملة عسكرية باكستانية على بلوشستان، إلا أن زيارة قصيرة إلى المنطقة تكشف مدى انخراط القوات الحكومية في مواجهة حقيقية ضد المتمردين. ولم يقف زعماء التمرد مكتوفي الأيدي، بل عبأوا آلاف الرجال لمواجهة القوات الحكومية التي يبلغ قوامها حسب تقديرات المتمردين حوالى 23 ألف رجل. وعند زيارتنا إلى منطقة بلوشستان الوعرة في مطلع شهر مارس الماضي عبر رحلة شاقة وطويلة دامت يوما كاملا واستخدمت فيها الجمال والخيول استطعنا رؤية مظاهر واضحة عن المواجهات. إذ ما إن وصلنا حتى شرعت الطائرات العسكرية تحلق فوق رؤوسنا مستطلعة الميدان، كما شهدنا سماء تسطع بالأنوار التي تحدثها قذائف المدفعية. ومعلوم أن هذه المواجهة الدائرة رحاها في منطقة بلوشستان منفصلة تماما عن تمرد quot;طالبانquot;، أو العنف الطائفي الذي يندلع أحياناً بين السُّنة والشيعة في منطقة quot;كويتاquot; ويهدد بزعزعة استقرار باكستان.

فالصراع في المنطقة يدور حول الحقوق العرقية ومطالب الحكم الذاتي لشعب البلوش المختلف عن باقي مكونات الشعب الباكستاني. فبالإضافة إلى لغته المختلفة التي ترجع أصولها إلى اللغة الفارسية، يعتبر البلوش أول من استوطن المنطقة. لكن الأمور تفاقمت وتأجج النزاع أكثر مع تصميم الرئيس الباكستاني برويز مشرف على استغلال حقول النفط والغاز الطبيعي في بلوشستان التي تعد الأكبر والأكثر أهمية في جميع أنحاء البلاد. يضاف إلى ذلك رغبة السلطات في مد أنبوب في المنطقة ينقل النفط من إيران إلى أحد الموانئ الباكستانية. ويشتكي الأهالي من التهميش الذي عانت منه بلوشستان طيلة السنوات الماضية، وعدم استفادتها من الخيرات التي تزخر بها المنطقة، حيث ظلت إحدى أفقر المناطق الباكستانية. بيد أن حكومة إسلام أباد التي تنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى اعتبرت زعيمي التمرد نواب أكبر خانب بوجتي ذي الثمانين عاما وبلاش ماري أربعين سنة شخصين خارجين عن القانون ويعرقلان النمو الاقتصادي للمنطقة بسبب رغبتهما في الاحتفاظ بزعامتهما.

وفي حوار أجري مع الزعيمين بوجتي وماري، وهي ألقاب تحمل أسماء القبائل التي يقودانها، أكدا أن التهم الموجهة إليهما لا أساس لها من الصحة، مشددين على أنهما ليسا ضد التنمية الاقتصادية في المنطقة، بل هما ضد الحملة العسكرية التي تهدف إلى قمع تطلعاتهما. بوجتي الذي كان يجلس على مقعد خشبي ويتحلق حوله أبناء قبيلته المسلحون ببنادق الكلاشنيكوف قال: quot;لقد أجبرنا على خوض الحرب بعدما فرضت الحكومة الباكستانية القانون العسكري على منطقتنا فاضطررنا إلى حمل السلاح في وجه القوات الحكومية دفاعا عن مواردناquot;، واستطرد: quot;جوهر النزاع هو الحقوق الوطنية لشعب بلوشستان، وما إن تقر الحكومة بهذه الحقوق حتى تنتفي المشاكلquot;. ويتهم الأهالي القوات الحكومية باستخدام الطائرات الأميركية لضربهم، مؤكدين أنهم كثيرا ما وجدوا بقايا قنابل كتب عليها quot;مصنوع في أميركاquot;. وعلى الصعيد السياسي رفع القادة البلوش السنة الماضية لائحة مطالب تضم 15 نقطة إلى الحكومة الباكستانية تطالب باستفادة أكثر للمنطقة من الموارد المتواجدة فيها، وحماية الأقلية البلوشية، فضلا عن وقف بناء القواعد العسكرية التي انتشرت بكثرة خلال السنوات الأخيرة. ويحذر بعض المراقبين مثل سريت خان ماري المؤرخ المقيم في منطقة quot;كويتاquot; من أنه إذا لم تتم معالجة المشاكل المتفاقمة بالسرعة المطلوبة فإن quot;حركة التمرد قد تمتد إلى كافة المناطق البلوشية متجاوزة القبائل المحدودةquot;، مؤكدا أنه بالرغم من التدخل الحكومي العنيف، إلا أن التمرد الحالي هو الخامس من نوعه ولا يبدو أن الأمور ستهدأ في المستقبل المنظور.

يشار إلى أن جذور المشكلة في بلوشستان ترجع إلى بداية تشكيل باكستان سنة 1947، حيث لجأت القوى الوطنية البلوشية إلى رفع السلاح في وجه السلطات أكثر من مرة رغم قبول بلوشستان الانضمام إلى باكستان. غير أن الأمور وصلت مبلغا من السوء والتدهور دفع القادة البلوشيين إلى تشبيه ما يجري حاليا في المنطقة بانفصال بنجلاديش عن باكستان في السبعينيات. ومن بين القوى النشطة على ساحة الصراع جيش تحرير بلوشستان الذي يعد واحدا من ثلاث قوى أخرى تحمل السلاح منذ السبعينيات. وقد أعلن مسؤوليته مؤخرا عن تنفيذ العديد من الهجمات على القوات الباكستانية وعمليات أخرى بما في ذلك استهداف العمال الأجانب الذين يعملون في القطاع النفطي بالمنطقة. وردا على العنف المستشري قامت السلطات الباكستانية باعتقال المئات من الناشطين السياسيين والطلبة، فضلا عن زعماء القبائل والأطر البلوشية، حيث زج بالعديد منهم في السجون دون محاكمة. واللافت أن الحكومة المركزية مازالت تنكر وجود قتال حقيقي في المنطقة، وتنفي نشر القوات الباكستانية في بلوشستان رغم كل الدلائل التي تفيد عكس ذلك، مصرة على أن جنودها المتواجدين في المنطقة ليسوا سوى جزء من قوات مراقبة الحدود.