الإثنين: 2006.05.08

الدوائر هي الوسيلة الوحيدة الممكنة لمعالجة الوضع السياسي الكويتي


السفير: عبدالله بشارة

عدت الى الكويت بعد غياب قصير، ولم اتصور حجم المساحة التي تعطيها الصحافة الكويتية لموضوع الدوائر، ولم اتصور ايضا الاهتمام الشعبي في هذا الموضوع الذي كان محصورا في البداية في متابعة برلمانية وحكومية، لكن الوضع تبدل بعد الاتساع في المقترحات، والتباين في المواقف، والشدة في طرح الاجتهادات، ولا يثير ذلك الاهتمام الاستغراب لأن الدوائر هي الوسيلة الوحيدة الممكنة لمعالجة الوضع السياسي الكويتي، فلا مجال في هذه الظروف لإظهار أية محاولة للتبديل والتغيير في بنود الدستور، لان ذلك سيفتح ابواب التباين والاختلاف على مصاريعها، ومن الحكمة اذاً التعامل مع وظائف الانتخاب وقنوات الاختيار المتمثلة في توزيع الدوائر.
جاءت مقترحات تبديل خريطة الدوائر الحالية بعد ان شعر الجميع، الحكومة والناس والمؤسسات بأن الوضع لا يمكن ان يستمر على المنوال القديم، الذي افرز عيوبا كبيرة ابرزها التطاول على القانون، والعبث باللوائح والاستخفاف بالانضباط واختراق النظام العام للدولة، والتجاوز على هيبة الدولة وتفشي الفساد وآفة الوساطة التي مست احكام القضاء، كما قرأنا في صحيفة laquo;الوطنraquo; في عددها الصادر يوم الخميس الرابع من مايو حول تنفيذ احكام الاعدام والسعي لوقف التنفيذ، لذلك كانت المتابعة الشعبية لموضوع الدوائر لها كل المبررات، فالمتابعة اهتمام معبر عن رفض التمادي في الاسلوب القديم ومعبر عن الشعور بمضار التسيب وضرورة معالجة الخريطة الانتخابية التي أدخلت الكويت في هذا الوضع المزري.
ونود إبداء بعض التعليقات حول هذا الموضوع الحيوي:
اولا: نعترف بان تجربة الكويت السياسية مازالت حديثة وطرية ولابد من مراعاة ظروفها ومعالجة عيوبها وتشخيص مشاكلها وهي مسؤولية جماعية تحملها النظام والمؤسسات والرأي العام، واذا برزت اجتهادات متباينة فاننا نتوقع حدوثها، فلا مبرر للامتعاض بما في ذلك كثرة الاجتهادات داخل مجلس الوزراء، وبما فيها المساعي التي تقوم بها التجمعات السياسية سواء الكتلة الشعبية او الحركة الدستورية او المستقلون.
ونعترف ايضا بان هناك من سيعاني الخسارة اذا ما تم تبديل خريطة الانتخابات، هذه هي قاعدة التغيير التي تأتي بتبدلات قد لا تسر البعض، ولكن المهم هو العمل على تحقيق اكبر قدر من الفوائد، وأبعاد اكثر حجما من الضرر، واقدر شخصيا شعور الذين سيعانون خسارة الامتيازات وغياب المكانة وانحسار الاعتبار السياسي، ومن المؤكد أن الذين يسعون الان للحفاظ على الوضع الراهن يتحركون بهذا الشعور وفق حساباتهم وهذا من حقهم ونلاحظ أن الرئيس جاسم الخرافي يدعو الى احترام جميع وجهات النظر فالمؤسسة الديموقراطية لا تستنكف وجود اختلاف بينما تريد كتلة الشعبي التزام توصية اللجنة الوزارية بتبني الخمس ويطالب اخرون بعشر دوائر بينما يحتج البعض مطالبين بالعدالة في التوزيع.
ثانيا: يتحدث البعض في تسفيههم للتوزيع الانتخابي الحالي عن ازدهار عصر الستينات عندما كانت الكويت رائدة وقائدة في فصل منفتح فيه سيادة القانون والاستنارة والتنوع، والمقارنة مع الوضع الراهن غير منصفة فقد اتسعت الكويت بسكانها وتنوعت في مذاهبهم ومشاربهم وانتماءاتهم، الامر الذي اثر في الموازين القديمة، واهمها السطوة الاعتبارية والمعنوية لاهل النظام وخسارة المقام لاصحاب الرفعة السياسية، هذا زمن تبدلت فيه المفاهيم، واتسعت فيه الحزبية القبلية والحزبية الطائفية، واورام السياسة، فلم تعد الساحة السياسية الكويتية مرحبة بما يسمى النخب السياسية التقليدية التي كانت مرافقة منذ القدم في مسيرة المشورة والنصح للنظام، وكانت ايضا حريصة على الروح الديموقراطية اكثر من التصلب في التفسيرات الضيقة للقيود الدستورية.
نرى ذلك في كتاب الاستقالة الذي قدمه المرحوم عبدالعزيز الصقر الى المجلس متخليا عن الرئاسة في اعقاب ازمة ديسمبر 1964 حيث يقول: laquo;لقد تعذر عليَّ وجود وسيلة لعودة الامور الى مجراها الدستوري الصحيح، ولتجنيب الكويت عواقب هذه الضجة المفتعلة، بل جرت الامور على عكس المنطق الدستوري والروح الديموقراطية وجاءت على هوى الانحراف في تفسير الدستور، وازاء هذا كله استحال عليَّ الاستمرار في القيام بواجبي كرئيس للمجلس في هذا الجو المشحون بالمخالفات دون توق للعواقبraquo;.
ويأتي في كتاب الاستقالة الذي رفعه المرحوم الشيخ صباح السالم، رئيس مجلس الوزراء، الى سمو الشيخ عبدالله السالم، خلال الازمة الوزارية في ديسمبر 1964، كمؤشر على ما يمكن ان يحدث مستقبلا: laquo;وخلال كل ذلك ـ يقصد تعطيل اداء اليمين من قبل الاغلبية في المجلس ـ بدأت الاشاعات تتداول في البلاد حول اسباب هذا الموقف، وحول مخالفات دستورية قبل انها شابت تشكيل الوزارة الجديدة، ولقد تحلت الوزارة ازاء هذه الاشاعات بالصبر والاناءة، ويأمل ان تهدأ النفوس وتنقشع هذه الغمة التي كادت تخفي وجه الحقيقة عن الناس، وليس ثمة اية مخالفة دستورية من اي نوع..raquo;.
لاشك أن تلك الحادثة التي وقعت في ديسمبر 1964 والتي تم فيها الاختراق الكامل للاعراف والتقاليد وامتهنت فيها السطوة المعنوية للحكم تشكل البداية المؤلمة التي ادخلت الكويت في عصر المخالفات والاستفاضة في تفسير الدستور وبنوده، وبما يلائم المصالح العابرة للمجموعات.
كانت تلك الحادثة التجاوز الاكبر لنهج التوافق والانسجام.
ويضيف المرحوم عبدالعزيز الصقر في كتاب استقالته ـ وكأنه يؤشر الى ظروف اليوم ـ عندما ينتقد الاصرار على الخطأ دون النظر الى الاضرار التي يلحقها التعنت بتجربتنا الديموقراطية الرائدة، ولا الى الاضرار المادية والادبية التي تلحق بالدولة بتعطيل جوهر العمل للمجلس النيابي الناطق باسم الامة والمعبر عن رقابتها للشؤون العامة.
ثالثا: هناك اجماع على الخروج من حالة التردي التي تعيشها الكويت في تجاوز القانون، وهناك اجواء تسمح بالمعالجة المقبولة في رسم جديد لخريطة الدوائر، وهناك عزم قيادي وحكومي تجاوز الوضع الانتخابي الحالي، وكل ذلك يوفر الفرصة التاريخية لاعادة هيبة الدولة واستعادة السطوة الاعتبارية للانضباط وقواعد السلوك السياسي والاجتماعي.
مشكلة الكويت في حياتها السياسية الحالية ان قواعد السلوك التي بدأها العهد النيابي في بداية الستينات تآكلت منذ ازمة 1964 وترسخت بالتكاثف مع مرور الزمن يمكن لجهود اليوم ان تعيد البيئة السياسية لحياة الكويت الاولى..