الإثنين: 2006.06.19
مارلايز سايمونز
من الأشياء التي تركت دون استكمال نتيجة لوفاة quot;سلوبودان ميلوسوفيتشquot; ذلك السؤال المركزي الخاص بما إذا كان الرجل مذنباً حقاً، بحسب التهم الموجهة إليه، بارتكاب أعمال إبادة جماعية في البوسنة؟ وعلى الرغم من أن وفاته قد أنهت محاكمته في محكمة جرائم الحرب التابعة للأمم المتحدة بشكل مفاجئ، فإن هناك احتمالاً كبيراً لأن يتم البت في مسألة الإبادة الجماعية عن طريق محكمة أخرى مقرها quot;لاهايquot; وهي محكمة العدل الدولية.
وهذه المحكمة أنهت مؤخراً جلسات استماع استمرت 9 أسابيع، بخصوص قضية تم رفعها منذ 13 عاماً. ففي ذلك الوقت، وعندما كانت قرى المسلمين تتعرض للهجوم، ويساق سكانها إلى معسكرات الاعتقال، لجأ محامو البوسنة إلى المحكمة متهمين يوغسلافيا بخرق quot;كافة بنودquot; اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية.
وسبب تأخير هذه القضية هو بطء إجراءات المحكمة التي تنظر القضية من ناحية، والمناورات القانونية المتكررة التي اتخذتها بلجراد لتعويقها أيضاً. والآن، وبعد أن انتهت الجلسات، فإن قضاة من 16 دولة سيقومون بتقديم تفسيراتهم للأحداث التي وقعت خلال الحرب من 1992- 1995 وهو أمر يتوقع الانتهاء منه خلال عام.
وحملة الرعب التي كانت تهدف إلى تطهير مساحات واسعة من البوسنة من السكان غير الصرب أصبحت تعرف رسمياً باسم حملة quot;التطهير العرقيquot;. ولكن الخط الفاصل بين quot;التطهير العرقيquot; وquot;الإبادة الجماعيةquot; أدى إلى حدوث انقسام بين الخبراء القانونيين، الذين يقومون بتفحص الأحداث من البوسنة إلى العراق إلى دارفور. وإجراءات المحكمة فريدة من نوعها من حيث إنها ليست محاكمة جنائية لأفراد ndash;مثل المحاكم الخاصة بيوغسلافيا ورواندا، وسيراليون، وإنما هي عبارة عن إجراءات مدنية تقوم فيها -للمرة الأولى- دولة برفع قضية على دولة أخرى تتهمها فيها بارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد سكانها.
وهذه القضية قد يتبين أنها الأكثر تعقيداً في تاريخ المحكمة الدولية منذ نشأتها منذ ستين عاماً ونيف، حيث كانت تلك المحكمة تقتصر على النظر في قضايا السيادة والعلاقات الدبلوماسية والحدود البرية والبحرية.
وهذه المحكمة قد تصدر حكماً بإدانة نظام ميلوسوفيتش على الرغم من أن إصدار مثل هذه الأحكام ليس من وظيفتها أصلاً، مما يعطيها أهمية متجددة بعد أن كانت قد تعرضت للتهميش بعد إنشاء محاكم جرائم الحرب الجديدة. وفي حالة إصدارها حكماً في صالح البوسنة، فإن هذا الحكم سيكون بمثابة وصمة على جبين صربيا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه قد يورط حكومة صربيا كلها وليس شخص ميلوسوفيتش وحده. وبالنسبة للصرب، فإن ذلك قد يعني إثقال كاهل اقتصادهم نتيجة لاضطرارهم لدفع تعويضات باهظة للضحايا الذين تشير الإحصائيات إلى أن عددهم قد بلغ 100 ألف بوسني الغالبية العظمى منهم من المسلمين، علاوة على تدمير مدن وبلدات وقرى إسلامية بكاملها.
وقد دفعت صربيا بأنه كانت هناك تجاوزات من جانبها أثناء الحرب، ولكن لم تكن هناك حملة إبادة جماعية منظمة، وأن بلغراد لم تكن مسيطرة على كافة الأحداث في البوسنة في ذلك الوقت، وأن قيام المحكمة بإصدار حكم يجبرها على دفع تعويضات باهظة لصالح الأخيرة سيجعل المصالحة بين الجيران أكثر صعوبة.
أما البوسنة فتدعي العكس وتقول إن قيام صربيا بالاعتراف بخطيئتها يهمها أكثر من حاجتها إلى التعويضات. وحتى في المرحلة الحالية، لا زالت صربيا تصر على وضع العقبات أمام عمل المحكمة، من خلال الاعتراض على مجال اختصاص المحكمة بالزعم أن صربيا خلال الفترة المعنية لم تكن عضواً بالأمم المتحدة، ولا في المحكمة بالتالي.
خلال جلسات الاستماع الأخيرة للمحكمة، استخدم فريقا الدفاع المتعارضان عدداً هائلاً من الوثائق والأدلة، بل وحتى الشهود الذين تمت الاستعانة بهم في محكمة جرائم الحرب، التي تبعد عنها بأميال قليلة. وقد تبين لهيئة المحكمة أنه كانت هناك جرائم إبادة جماعية في مدينة سريبرينيتشا عام 1995، عندما قام الصرب بإعدام 7000 رجل وصبي من المسلمين.
بيد أن هناك دليلاً واحداً مهماً ظل مستعصياً على الوصول إليه وهو سجلات quot;مجلس الدفاع الأعلىquot; في صربيا خلال فترة الحرب، الذي كان يضم كبار القادة العسكريين والسياسيين في صربيا، والذي تم تسليمه إلى المحكمة بعد ضغط شديد من الدول الغربية. ولكن الصرب اشترطوا عند تسليم تلك السجلات أن يتم الاطلاع عليها بواسطة القضاة والمحامين فقط.
ويقول مسؤولو المحكمة الذين اطلعوا على محاضر جلسات المجلس المشار إليه أن تلك المحاضر تكشف الكثير عن الكيفية التي أدارت بها بلغراد الحرب.
ويصر المحامون على أن فتح الأرشيف أمر ضروري حتى تمكن مواجهة صربيا بتاريخها أثناء الحرب. والبوسنة مطالبة الآن بالتدليل على حقيقة أن صربيا لم تقم فقط بتوفير القوات التي كانت متورطة في إبادة التجمعات الإسلامية، ولكنها كانت مسيطرة أيضاً على تحركات تلك القوات، بما في ذلك قوات صرب البوسنة وقوات بلغراد الخاصة ومليشياتها. ولإثبات حدوث أعمال إبادة جماعية فإنه يلزم إثبات توافر النية على تدمير مجتمع بشري بشكل كلي وجزئي وهو ما يقول المحامون هنا إنه يمكن إثباته من خلال فحص أنماط الجرائم التي تمت على الأرض أثناء تلك الحرب بما في ذلك تدمير 1000 مسجد.
ويقول المحامون الذين يتابعون القضية إن تعريف الإبادة الجماعية أو إثباتها في المحكمة قد يكون أمراً مختلفا: لأن تلك المحكمة ليست جنائية من ناحية كما أن مستويات الأدلة المطلوبة ليست عالية بنفس الدرجة التي تكون عليها في المحاكم الجنائية. وعلى أي حال، فإنه سيكون من الأهمية بمكان أن يتم الانتظار لرؤية الكيفية التي تقوم بها هذه المحكمة بتفسير القواعد، وإصدار الأحكام بشأن تلك القضية.
التعليقات