السبت: 2006.06.24

درست الصحافة والإعلام والعلوم السياسية وتتمنى اقتحام عالم السينما التسجيلية
أنتظر قسمتي ونصيبي وقادرة على المواءمة بين المنزل والعمل

ما تتعرض له laquo;الجزيرةraquo; من اتهامات لا يخرج عن laquo;حرب الأنظمةraquo; العربية



رام الله: يوسف الشايب - الراية

شيرين أبو عاقلة، مراسلة فضائية quot;الجزيرةquot;، باتت أحد أشهر الوجوه الإعلامية في فلسطين والوطن العربي، لا سيما بعد أن قامت بتغطية مجمل الأحداث الصاخبة والمفصلية في رام الله، وغيرها من مدن الضفة الغربية.

ولدت شرين في القدس، العام 1971، ودرست الصحافة والإعلام والعلوم السياسية في جامعة اليرموك الأردنية، حيث تخرجت في العام 1993، لتعود إلى حيث ذويها في القدس .. في البداية عملت في العلاقات العامة في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، وفي العام 1994 عملت في إذاعة صوت فلسطين، أي منذ تأسيسها، بعد أن التحقت بدورة إذاعية خاصة بتأهيل كادر صحافي لهيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية، وبقيت على رأس عملها حتى العام 1998 .. في العام 1997، بدأت العمل مع قناة quot;الجزيرةquot; التي كانت لا تزال في بداياتها، وأثناء عملها في quot;الجزيرةquot; كانت لا تزال تعمل في الإذاعة الفلسطينية، إلا أن القائمين على الإذاعة أجبروها على الاختيار quot;إما هنا وإما هناكquot;، فاختارت quot;الجزيرةquot; .. تقول شيرين: لكل صحافي الحق في التطور وتحقيق طموحاته الصحافية، وفي الوقت نفسه الدفاع عن قضيته التي يؤمن عبر أكثر من منبر، لكن القائمين على الإذاعة الفلسطينية لم يرق لهم ذلك، فخيروني بين العمل في الإذاعة والعمل في الجزيرة، ولم يكتفوا بذلك بل أوقفوا راتبي لشهر، وكون أن التطور غير وارد في الكثير من المؤسسات الإعلامية الفلسطينية، اخترت التفرغ للعمل مع quot;الجزيرةquot;، التي كبرنا معها.

ولم تكن تتوقع شيرين أن تتحول إلى صحافية ذات نجومية طاغية في فلسطين، وحول ذلك تقول: لم يكن يخطر ببالي أنني سأصبح صحافية ذات يوم، في البداية درست الهندسة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، وكوني لم أجد نفسي في الهندسة توجهت وفقاً لدوافع غريبة ومفاجئة نحو الصحافة .. لم افكر حينها بآفاق العمل المستقبلي، لا سيما أنني دخلت الجامعة في العام 1989، أي لم يكن أحد يتوقع أن تكون هناك اتفاقيات سلام بين الفلسطينيين والحكومة الإسرائيلية .. في ذلك الوقت كانت الصحف وحدها الفاعلة في الميدان، وهي على قلتها محكومة بقوانين عسكرية تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي عليها.

وتضيف أبو عاقلة: أعتقد أن السبب في اتجاهي نحو هذه المهنة، هو ما تحتويه على تعامل يومي وتلقائي مع الناس quot;العاديينquot;، ما يجعلني قريبة من مشاكلهم اليومية .. هذا ما أردته تماماً، وكوني في منطقة محتلة وquot;ساخنةquot;، فيمكنني من خلال الصحافة تحقيق شيء ما لنفسي ولوطني وقضيتي.

وحول مشوارها الصحافي إلى أن استقرت بالجزيرة، تقول: في البداية تغلبت كثيراً، ما أجبرني على العمل في مجال بعيد عن مجال دراستي، أي في العلاقات العامة، ولكن مع شيء من الصبر استطعت أن أخطو أولى الخطوات في عالم الصحافة من خلال الإذاعة الفلسطينية، ومنها إلى الجزيرة.. في تلك الفترة عرض عليّ العمل مع أربع فضائيات جديدة، كانت الجزيرة إحداها، وكان عليّ أن أفاضل ومن ثم أختار، فكان أن اخترت quot;الجزيرةquot; كونها قناة إخبارية .. أنا أحب العمل في مجال الأخبار، كون ذلك يقربني من الناس ومما يعيشونه.

اتهامات وأنوثة

وترفض أبو عاقلة الاتهامات المتناثرة لقناة الجزيرة بالعمالة لإسرائيل والغرب تارة، وللإخوان المسلمين وquot;حماسquot; تارة أخرى، وتقول: هذه الاتهامات ليست أكثر من إحدى حلقات مسلسل quot;حرب الأنظمةquot; في الوطن العربي .. أنا شخصياً متأكدة أنها اتهامات عارية عن الصحة، فالقناة العميلة أو التي تعمل وفق سياسات ما، تفرض سياساتها هذه على العاملين فيها، ولم يحصل أن فرضت الجزيرة أي سياسات علينا، فالحرية هي عنوان آلية العمل في هذه القناة، ولو كنت أحمل شكاً تجاه الجزيرة لما بقيت فيها يوماً واحداً.

وحول تأثير الصحافة عليها كأنثى، وإنسانة، تقول شيرين: الأنوثة شيء فطري، ولا يمكن للأخبار أن تلغيها، قد تخفيها لبعض الوقت، لكن بالنسبة لي أنوثتي طافية على السطح من خلال إحساسي بالتقارير التي من المقرر أن أعدها، فالحساسية العالية لا سيما تجاه القصص الإنسانية هي من أهم صفات الأنثى، وأعتقد أنها ميزة قد يفتقدها الكثير من الصحافيين الذكور.

وتتابع: وعلى الرغم من ذلك فإننا نضطر إلى التواجد في اماكن في غاية الخطورة، وأحياناً نتأخر إلى ما بعد منتصف الليل و إلى ساعات الصباح الأولى، وأحياناً تجبرنا الظروف غير الطبيعية في فلسطين على المبيت خارج منازلنا لعدد غير معروف من الأيام .. قد تستهجن بعض فئات المجتمع عليّ كأنثى ذلك، لكن غالبية المجتمع الفلسطيني على درجة عالية من الثقافة والوعي ما لا يشعرنا بخطأ ما نقوم به .. فهم يقدرون لنا كل الاحترام والتقدير أينما تواجدنا، والأجمل من ذلك أنني من عائلة متفهمة للغاية وتقدر عملي وتدرك أهميته.

وحول ما إذا أمكن الربط بين عملها كصحافية وبين عدم ارتباطها بزوج وأسرة إلى الآن، تقول شيرين: لم تكن الصحافة هي المانع أبداً .. quot;كل شيء قسمة ونصيبquot;، لكن كوني عزباء فإن لهذا أثرا إيجابياً على أدائي في العمل، تكوين أسرة يعني مسؤوليات ستسرق الوقت الكثير من عملي، لكن هذا لا يعني أنني أرفض الزواج كوني صحافية، أعتقد أن لديّ القدرة على المواءمة بين المنزل والعمل.



الاجتياح الكبير

وكان لشيرين زيارة إلى مخيم جنين في مارس 2002 كنت في زيارة أي قبل تدميره بعد شهر من ذلك التاريخ، وفي مايو من العام نفسه قامت بزيارة أخرى لتغطية خبر زيارة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات للمخيم .. حول ذلك تقول: في الحقيقة كانت الأمر في غاية الصعوبة يصعب عليّ التعبير عنه بالكلمات، بت أبحث عن المنازل التي زرتها وعن الأشخاص الذين قابلتهم في الزيارة الأولى، لكن عبثاً، فخارطة المكان اختلفت كلياً، هذا إن بقيت هناك خارطة، كما أن الكثير من هؤلاء الشخوص إما استشهدوا أن جرحوا أو كان لا يزال مصيرهم مجهولاً في ذلك الوقت .. أمر مؤلم للغاية، لا يمكن أن أعبر عنه بالكلمات.

وعرفت شيرين خلال تغطيتها لما عرف بـquot;الاجتياح الكبيرquot; أو quot;عملية السور الواقيquot;، في أبريل 2002، عندما كانت ترافق الفلسطينيين في معاناتهم جراء اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي لجميع مدن الضفة الغربية، وقراها، ومخيماتها .. وتتذكر أبو عاقلة: كانت فترة غاية في الصعوبة، أثرت سلباً على نفسية كل الفلسطينيين، نحن عشناها كفلسطينيين قبل أن نعيشها كصحافيين .. لا أتذكر أنه مرة عليّ في حياتي فترة أكثر إيلاماً من تلك الفترة .. رغم الظروف الصعبة التي نعيشها كان علينا أن نوازن بين مشاعرنا وبين مهنيتنا كصحافيين قدر الإمكان.. الصعب في تلك الفترة أننا كنا quot;التيرمومترquot; الحقيقي لما يجري على الساحة بالنسبة لفلسطين والجمهور الخارجي، العربي والعالمي، فالكثير من المسؤولين كان يتعذر عليهم الخروج على الشاشة في نقل حي ومباشر، وبالتالي كانت تعابير وجوهنا quot;الفاضحةquot; احياناً هي المؤشر الذي يستند عليه الكثير من الفلسطينيين، الذين كانوا في شوق لمعرفة إلى أين ستنتهي الأمور.. كنا نحاول أن نخفي الألم الذي يعتصرنا مما نشوف ونسمع ونعيش، وكنا نحاول عدم إظهار مشاعر الخوف والرعب التي كانت تنتابنا بين فترة وأخرى، كي لا نرهب المشاهدين، ونتسبب لهم بمزيد من الحزن والأسى والرعب .. كان هذا الدور في غاية الصعوبة، لكنه مهم لتماسك شعبنا في تلك الفترة العصيبة.

وتتابع شيرين متذكرة: كنا ننام في المكتب بطبيعة الحال، حيث تم تخصيص غرفة للفتيات .. كنا دائماً على أهبة الاستعداد حتى أننا في كثير من الاحيان ننام بأحذيتنا خوفاً من اقتحام مفاجئ للمكتب، لا سيما أن جنود الاحتلال اقتحموا الكثير من المكاتب الإعلامية .. أما بالنسبة للأكل فكان جيراننا يزودوننا بما يقدرون عليه، وكنا نتدبر أنفسنا في حال استطعنا التحرك لبعض الوقت، أو عند السماح بالتجول لساعات كل ثلاثة أو أربعة ايام.

شباب

وتشعر شيرين التي تحب الاستماع للأغاني القديمة، ولا سيما أم كلثوم، بالأسف على جيل الشباب في فلسطين، كون أن الاحتلال يحرمهم من العيش بشكل طبيعي، فهم تواقون للسهر، والنوادي، والمقاهي، والحفلات الغنائية، والسينما، والمسرح .. بل والتجول بحرية، لكن كل ما هو عادي ومألوف خارج فلسطين ليس عادياً داخلها، مع وجود الاحتلال.

أنا أحب السفر، تقول شيرين، لكني وبحكم عملي لا أتمكن من السفر كثيراً .. منذ اندلاع الانتفاضة بت أحب السفر أكثر، ليس هروباً، بل للعيش كباقي البشر ولو لبضعة أيام.. أخرج وقتما أشاء واينما أشاء دون احتلال يجثم فوق صدري.

وتركز شيرين في الكثير من تقاريرها على الجانب الإنساني من حياة الفلسطيني، وحول ذلك تقول: ذلك نابع من إدراكي لأهمية التركيز على النواحي الإنسانية في الخبر لا الإخبارية البحتة، والتي أعتقد أنها باتت لا تؤثر في الكثير من المشاهدين، فخبر استشهاد عدد من المواطنين، أو اجتياح منطقة، أو هدم العديد من منازل الفلسطينيين، أو مصادرة الأراضي، أو اعتقال العشرات، بات يمر مرور الكرام على الكثيرين في الوطن العربي والعالم، وحتى عند بعض الفلسطينيين، أما التعامل مع الخبر بعيداً عن تشييء الأمور فإنه يحدث تأثيراً أكبر على المتلقي، لا سيما أنني أتعامل حينها مع الإنسان كإنسان لا كرقم كما في الأخبار .. أعتقد أن الفضائيات العربية بما فيها الجزيرة لا تزال مقصرة في هذا الجانب.

وشيرين التي تتمنى اقتحام عالم السينما التسجيلية، وتقديم العديد من الأفلام التي تغطي النقص الواضح في الأخبار أو القصص الإخبارية فيما يتعلق بنقل المعاناة الإنسانية للفلسطينيين، كما تتمنى أن تسمح لها ظروف العمل، ولو لفترة مؤقتة، بتغطية أحداث عالمية، شعرت بخطر يتهدد حياتها لأكثر مرة، تتذكر منها حادثة بيت جالا، فتقول: كنا في بيت جالا، وبينما كنا نمارس عملنا تحركت إحدى الدبابات بسرعة كبيرة باتجاهي وعدد آخر من الصحافيين، ما أجبرنا على القفز داخل حفرة كبيرة بين بنايتين سكنيتين، ولا ندري ما كان سيحل بنا لو لم تكن مثل هذه الحفرة موجودة .. أصبت بشرخ في رأسي في حين أصيب آخرون بكسور في أيديهم أو أقدامهم، وفي أقل الحالات تضرراً اقتصر الأمر على خدوش متفرقة.. شعرت في لحظة ما أنني أشارف على الموت .. كانوا يتقصدون قتلنا أو إيذاءنا رغم أنهم يدركون تماماً أننا صحافيون .