السبت: 2006.07.08

حسام عبد الحميد

أثبتت الأحداث وعلي مدي نحو أسبوعين أن قميص الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط والذي ارتداه رئيس الوزراء ايهود أولمرت شارون اسرائيل الجديد لم يستر عورته بل كشف عن نواياه الشارونية في تدمير غزة وإسقاط حكومة حماس ولا يهم بعد ذلك إن ظل جلعاد حياً أو قتل علي يد آسريه أو الجيش الإسرائيلي.

فإسرائيل التي قالت انها أرجأت العملية العسكرية الموسومة ب الوهم المتبدد أو أجلت سقوط الأمطار قامت بنسف الجسور وتدمير محطة الكهرباء ومنازل الفلسطينيين وخطفت ثلث حكومة حماس ونفذت العديد من غارات الموت كل ذلك والعالم ما زال مأخوذاً بوهم تأجيل عملية الاجتياح.

والأهم من ذلك أنها أغلقت كل الأبواب أمام التفاوض ودفعت الأمور باتجاه تأزيم الموقف حتي إن الإجراءات التي اتخذتها اسرائيل أصبحت محل انتقاد الكثير من القوي الإسرائيلية وبالذات اليسارية فضلاً عن انتقاد بعض القوي الدولية العاقلة بل ان أهل جلعاد أنفسهم انتقدوا هذه الاجراءات وقال والده كيف تتخذ اسرائيل هذه الاجراءات وابني ما زال بين أيدي خاطفيه؟!.

والواضح ان اسرائيل التي ترغب في إزالة حماس من الخارطة السياسية ستمعن في اجراءاتها وممارساتها اللاأخلاقية وستمضي في طريق الحل العسكري ليس لكونها ترفض مبدأ التفاوض في مثل هذه الحالات فقد سبق وأن تفاوضت مع حزب الله ولا لأنها لا تريد ترسيخ سابقة لم تحدث فقد سبق وأن أطلقت سراح الشيخ أحمد ياسين مقابل اطلاق سراح عملائها ولكن لأنها تريد التخلص من حماس الذي سبب مجيئها للسلطة صداعاً للقادة الاسرائيليين لا يعرفون كيف يمكن التخلص منه.

عبارة لا أريد أن تعرف غزة النوم التي أطلقها أولمرت تكشف عن مدي الحقد الذي يقطر من صدره وهو حقد لا علاقة له بدموع التماسيح علي حياة جلعاد الذي يلقي معاملة علي يد آسريه أفضل ألف مرة من طريقة تفكير قادته المتطرفين سواء أولمرت الذي ذكرنا بصورة البلدوزر المغيب تحت أجهزة الحياة الاصطناعية أو عمير بيرتس الذي يريد أن يثبت لخصومه الاسرائيليين انه ليس أقل القادة الاسرائيليين في سجل الإجرام.

وتزامنا مع كل هذه الاجراءات قررت الحكومة الاسرائيلية في اجتماع طاريء لها اقامة منطقة عازلة شمالي قطاع غزة بدعوي منع الفلسطينيين من اطلاق الصواريخ تجاه المواقع الاسرائيلية خاصة بعد سقوط صاروخ واحد واحد فقط مما اعتبره رئيس الوزراء اولمرت تطوراً خطيراً وإعلان حرب من جانب حماس.

وفرض منطقة عازلة علي غرار ما حدث في جنوب لبنان يعني تدمير المنطقة من كل معاني الحياة وهو ما يعني ازالة المباني والمساكن وتدمير المزروعات ومنع الدخول إليها بدعوي أن ذلك سيحقق الأمن للمدن والمستوطنات الاسرائيلية.

ويعلم القادة في اسرائيل أن مثل هذه الحلول لا توفر الأمن ولا الاستقرار وأن اسرائيل قد أقامت العديد من المناطق العازلة في أكثر من منطقة لكن ذلك كله لم يحم. اسرائيل من الهجمات ولم يمنع الفلسطينيين من تطوير أسلحتهم.

والمضحك في حكاية صاروخ علي عسقلان ان الرواية الاسرائيلية تقول انه صاروخ روسي الصنع تم تهريبه من ايران وكأن اسرائيل تريد ان تشعل ناراً في المنطقة فمن قبل اتهمت مشعل بتدبير عملية اختطاف الجندي لكي تتهم سوريا في الموضوع باعتبارها حاضنة لمشعل واليوم تريد اتهام ايران.

انه تخبط اسرائيل كمن يطلق النار بشكل عشوائي ليصيب أكبر عدد ممكن من الأهداف دون مراعاة لقوانين دولية ولا شرائع سماوية، وهنا يأتي السؤال المنطقي أليس هناك من يقدر علي وقف هذا العدوان علي شعب بأكمله؟ وهل خطف جندي واحد أكبر من خطف وطن وشعب ومقدسات؟

ورغم ان الحقائق واضحة والظلم بين بحق الشعب الفلسطيني إلا ان الشرعية الدولية ما زالت تصر علي النظر للأمور بعين واحدة ومنظور واحد متجاهلين أن عملية الخطف التي لا تكاد تري بالعين المجردة ازاء ما يحدث للفلسطينيين هي رد فعل علي العدوان الإسرائيلي علي الضفة والقطاع وقتل الابرياء وهي تعبير عن نخوة عربية لتخليص النساء والأطفال من الأسر وهي نخوة لا تجاري نخوة أولمرت في تجهيز الجيش استجابة لاستغاثة جلعاد.

إن إصرار اسرائيل علي هذه السياسات التي تسعي الي خلق مناطق عازلة علي الأرض هي في حقيقة الأمر تسعي الي خلق مناطق عازلة في التفاهم والحوار وقتل أي شريك للسلام حتي تهييء لنفسها فرصة تنفيذ الحلول الأحادية الانطوائية حتي تكون في حل من أي مفاوضات للسلام.

فالتحرك الإسرائيلي المقتصر حتي الآن علي عرض العضلات والإفراط في استخدام القوة يمضي نحو حسم الخيار العسكري رغم المحاولات المستمرة من بعض الأطراف العربية لتحقيق تسوية مقبولة وهو ما ينذر بمزيد من الدماء وكما قالت حماس اذا سالت الدماء في غزة فإنها ستسيل في اسرائيل.

أولمرت لا يريد التفاوض لأن الاستجابة لمطالب آسري الجندي الاسرائيلي ستزيد من شعبية حماس في الوقت الذي يريد أن يقضي عليها تماما وهو يعتقد ان تلك الممارسات البشعة بحق الفلسطينيين ستجعلهم يحنقون علي حماس وما جلبته لهم وهو اعتقاد خاطيء.

فالشعب الفلسطيني ورغم حالة الاستخذاء العربي والصمت الدولي يؤكد انه يمتلك ارادة فولاذية ولا يقبل إلا أن يدافع عن أرضه وعرضه وأنه منحاز لمن يرفع له راية النضال والكفاح والجهاد مع إيمانه بأنه يمد يد السلام لمن يريد السلام القائم علي الحق والعدل.

وأكاد أري من وراء كل تلك الزوبعة التي ربما يكون آخر أهدافها تحرير جلعاد أن الهدف الحقيقي هو إخراج حماس من المشهد السياسي خاصة وأن الحوار الفلسطيني كان قد بدأ يجني ثمار التفهم والاتفاق حول وثيقة الأسري وهو ما يعني ضرورة التدخل لقلب الطاولة ومنع ذلك التفاهم وإحداث فراغ دستوري في الحكومة والمجلس التشريعي مما يمكن فتح من اعادة تشكيل الحكومة وسحب مفاتيح السلطة من حماس وربما اجراء انتخابات مبكرة لتصحيح لعبة ديمقراطية سابقة لم تكن محسوبة النتائج.

وإلا اذا ما غضضنا الطرف عن الاستخذاء العربي والصمت الدولي أين محمود عباس وأين المسؤولون الفلسطينيون الذين كانوا يلقون علينا دروس التربية الوطنية صباح مساء في الفضائيات العربية وحتي غير العربية.

حتي عندما يتحدث بعضهم لوسائل الإعلام أو يكتب محللاً في الصحف والمجلات يلقي باللائمة علي حماس وأنها في موضع اختبار وغير ذلك من العبارات التي تشعرك أنك أمام شخص لا يشارك حماس في خندق المقاومة ضد المحتل الذي ما زال جاثماً علي صدر الوطن.

وفي ضوء ما يحدث فإن غزة المخطوفة والمحاصرة بالدبابات الإسرائيلية تستغيث العرب والمجتمع الدولي لمنع الكارثة الإنسانية لأهلها الصامدين أو العالقين علي المنفذ المصري طلباً للدواء.

الشلل أصاب الحياة هناك والسلع الغذائية تنفد والأدوية تتناقص والشهداء يتساقطون والجرحي يتزايدون والبيوت تهدم علي الرؤوس واذا كانت هناك بعض التصريحات والتحركات من جانب مسؤولين عرب فإن الضرورة تستدعي اجتماعاً طارئاً لجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي فليس حرمة المسجد الأقصي الذي أنشئت المنظمة من أجله أشد حرمة من قتل طفل فلسطيني.

ولا بد أن تتكاتف الجهود والضغوط عبر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية من أجل وضع حد لهذا العدوان وتلك الجريمة التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني في وضح النهار وعلي مرأي ومسمع من العالم.

لكن اذا ما استمرت الأوضاع علي ما هي عليه فإن أولمرت سيجد من قميص جلعاد سبباً في تنفيذ مخططاته مستفيداً من الخذلان العربي والصمت الدولي وأخشي ما أخشاه ان يجد من بعض الجهات الدولية بل وحتي الفلسطينيين من يعينه علي تنفيذ مخططه الرامي الي اسقاط حماس هذا الشهر كما تنبأت بعض المصادر وفقاً لقراءات أمريكية لما يحدث في الأراضي الفلسطينية.

إن الأيام القليلة القادمة تحتاج الي مثل هذا التحرك العربي والإسلامي والدولي لمنع الكارثة المنتظرة في غزة عبر اقناع اسرائيل بأن القوة ليست هي السبيل الوحيد لحل الأزمات في المنطقة بل ان تفاوضاً جاداً يقوم علي الاعتراف بحق الآخر هو الحل الأمثل لكثير بل لكل القضايا والملفات الشائكة وهو السبيل الذي يمكن أن يحقق السلام والاستقرار في المنطقة.