عبدالله بن بخيت


سبق أن أشرت إلى أن إسرائيل لا تقيم وزناً للمتعاطفين معها في الجانب العربي.. ليس لأن إسرائيل تحتقرهم لقلتهم ولافتقارهم إلى المنطق الإنساني، ولكن لأن إسرائيل لا تملك الميكانيزم للتعامل معهم؛ لأنها في الأصل لا تملك أي مشروع يربطها بالمنطقة غير لغة ضباط الجيش؛ لذا تكل أمر هؤلاء للبقاء في صفها أطول مدة ممكنة إلى رصيدهم من العناد الذي يسم الذهن العربي بصفة عامة؛ فبقدر ما تعتاش المنظمات العربية المتطرفة على التعصب يبدو أن لإسرائيل نصيباً من هذا التعصب؛ حيث أثبتت الأيام أن العرب يملكون من التعصب ما يفيض عن حاجتهم؛ ليستفيد من وفرته الطرف المعادي.

يواجه العالم العربي مجموعة من المنظمات المقاتلة التي لا تملك سوى القليل من إمكانيات القتال والكثير من التعصب المعزز بالغيبيات لتغطي فارق القوة بينها وبين أعدائها. وتعمل بعض هذه المنظمات في مواجهة إسرائيل تلك القوة الرهيبة الغامضة الأهداف التي لا ترى لها وجهاً يمكن أن تنظر إليه. هذا الجانب الغامض في إسرائيل يولد وسوف يولد منظمات غيبية؛ حتى أصبحت المنطقة تعيش تقاتلاً بين قوة غامضة مجهولة الأهداف وقوى غيبية محلية؛ فاختفى العقل من الصراع العربي - الإسرائيلي إلى درجة أن وجد من الكتاب العرب مَن يتعاطف مع إسرائيل، ويحمّل الفلسطينيين مسؤولية المآسي التي تحدث.

تعمل إسرائيل هذه الأيام على القضاء على حزب الله، وربما حماس. يقول المتعاطفون مع إسرائيل: لو لم تعمل إسرائيل غير هذا لكفاها أن تكون الضامن الأمني للمنطقة من هذه المنظمات الغيبية. يذكرني هذا المنطق بالأب الذي يترك الحية الرقطاء تعيش في بيته وبين أطفاله بحجة أنها تقضي على الفئران.

ولكن غياب العقل تفشى. زعيم عربي كبير (تساوت قوة بلاده السياسية مع قوة موريتانيا) جلس على كرسيّ وأمامه كاميرات التلفزيون وأخذ يعظ إسرائيل وينبهها في طيات مواعظه بأن حربها على لبنان لن تجلب لها السلام بل ستزيد من المنظمات الإرهابية. يتوقع الريس، وهذا أقصى ما تحقق له صلاحيات بلاده في المنطقة، أن يبعث له أولمر برقية يقول فيها: جزاك الله خيراً يا ريس. زعيم عربي ينادي بعقد قمة عربية من الواضح أن تجربته القصيرة في السلطة (ثلاثين سنة) لم تكفه ليعرف فوائد القمم العربية.

ونصف زعيم عربي خطب مدة ساعتين أمام وسائل الإعلام معلناً بوضوح واستقامة أن مشاريع السلام مع إسرائيل ماتت ويجب أن نتوجه إلى مجلس الأمن ليتحمل مسؤولياته. لا شك أن التوجه إلى مجلس الأمن فكرة لم تخطر على بال العرب من قبل.
(السلام مع إسرائيل خيار استراتيجي) شعار العرب الجديد في التعامل مع المسألة الإسرائيلية، لكن لا أحد سأل: هل هذا هو نفس الشعار الذي رفعته إسرائيل في التعامل مع المسألة العربية؟
ترى ما هو خيار إسرائيل الاستراتيجي في التعامل مع المنطقة؟ سؤال لم أسمع أيّ مسؤول أو مثقف عربيّ يطرحه. ما نسمعه من الإسرائيليين هو الأمن. بإحصائية سريعة لعدد الحوادث الإرهابية التي وقعت في إسرائيل مقارنة بعدد الحوادث الإرهابية التي وقعت في كثير من الدول العربية والدول الغربية سنجد أن نصيب إسرائيل هو الأقل. إسرائيل تطالب بالأمن المطلق الذي لم يوجد أبداً. فقدان العقل أفقدنا المنطق والقدرة على التمييز بين الصراع والدفاع عن الحياة.

الصراع هو خيار الطرفين. نتقاتل أنا وأنت للفوز بكعكة. أما الدفاع عن الحياة فهو خيار طرف واحد. نتقاتل أنا وأنت للفوز بحياتي. لا أدخل في صراع إلا عند تكافؤ القوة، ولكن الدفاع عن الحياة يفرض عليك دخول الحرب حتى لو كنت تعرف أنك في أقصى درجات ضعفك.
استطاعت وسائل الإعلام الغربية وأقلام المتعاطفين مع إسرائيل نقل القضية الفلسطينية من كونها دفاعاً عن الحياة إلى كونها صراعاً. عند كل هجوم إسرائيليّ على غزة (بالدبابات والطائرات والصواريخ) نسمع الزعماء الغربيين (والكتاب العرب المتعاطفين وبعض الزعماء العرب) يطالبون الطرفين بضبط النفس والتوقف عن العنف؛ لترسيخ أن الحرب بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين هي حرب اختارها الطرفان كل بملء إرادته. نفس منطق الإعلام الغربي وأقلام المتعاطفين مع إسرائيل لوصف الأحداث التي تجري في لبنان الآن.