عبد الباري عطوان
علينا ان ننتظر بضعة أشهر، حتي نعرف مدي دقة المعلومات التي اصدرتها السلطات الأمنية البريطانية، حول احباط مخطط لتفجير مجموعة من الطائرات المدنية المتوجهة الي الولايات المتحدة الامريكية. فالتجارب السابقة اثبتت ان ليس كل ما يقال حول مخططات ارهابية صحيحاً، وان معظمه ينطوي علي مبالغات متعمدة لتحقيق اهداف سياسية تصب في مصلحة الحرب التي يشنها الثنائي بوش ـ بلير ضد الارهاب الاسلامي .
المتحدثون الرسميون البريطانيون انفسهم كشفوا في السابق عن خلية ارهابية ، من مهاجرين جزائريين، اقامت معملا كيميائيا في شقة بمنطقة هامستيد شمال لندن، ونجحت في انتاج غاز كيماوي (سارين) يمكن ان يؤدي استخدامه الي مقتل الآلاف من البريطانيين الابرياء، وعندما جري تقديم اعضاء هذه الخلية الارهابية المفترضة الي القضاء جري الافراج عن معظم افرادها دون اي احكام، وتبرئتهم من تهمة انتاج الغاز، وتبين ان المعمل الكيميائي الذي اقاموه كان عبارة عن غرفة متواضعة جدا، فقيرة في اثاثها، وينام فيها اكثر من خمسة افراد يعانون من البطالة وشظف العيش.
وربما يفيد ايضا التذكير بقصة الطيار الجزائري رايسي الذي اعتقلته قوات الأمن البريطانية بعد احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) بتهمة تدريب افراد المجموعة التي هاجمت مركز التجارة العالمي، والانتماء الي تنظيم القاعدة ، لنكتشف مرة اخري، وبفضل استقلالية القضاء البريطاني، ان الرجل بريء تماماً من كل هذه التهم، وجري الافراج عنه بعد ادانته بمخالفة مرور، وبعد سبعة اشهر من السجن. الرجل الآن يهيم علي وجهه في منطقة غرب لندن، بعد ان خسر عمله ومستقبله، يهذي للمارة، ويندب حظه العاثر، وظلم الاجهزة الأمنية.
قتل المدنيين ارهاب، وربما ابشع انواعه، وأمر لا يمكن الدفاع عنه، او تبريره، واذا صحت رواية البوليس البريطاني حول عملية تفجير الطائرات المدنية هذه، فان المتورطين فيها يستحقون اشد انواع العقاب. ولكن نريد ادلة وبراهين مقنعة في هذا الخصوص.
حكومة توني بلير تستخدم سياسة التخويف في كل مرة تواجه فيها حملة سياسية داخلية تحتج علي مواقفها التابعة للمحافظين الجدد في خوض الحروب ضد العرب والمسلمين من أجل خدمة مصالح اسرائيل، ومساندة مجازرها ضد الابرياء في لبنان وفلسطين.
قبل عملية التفجيرات المزعومة هذه كان توني بلير رئيس وزراء بريطانيا يعيش أزمة حقيقية، حيث تعددت المطالبات له بالاستقالة من داخل مجلس وزرائه، ناهيك عن نواب المعارضة، والصحافة المستقلة وكتابها الكبار، لانه بات بتبعيته لحليفه بوش، وعدم ادانته للمجازر الاسرائيلية في لبنان يعرض امن البريطانيين في الداخل والخارج للخطر.
كان لافتا ان اكثر من سبعين في المئة من البريطانيين قالوا في استفتاء اجرته محطة سكاي نيوز التابعة لروبرت مردوخ احد ابرز حلفاء اسرائيل، انهم يدينون المجازر الاسرائيلية في لبنان، ويطالبون بوقف فوري لاطلاق النار.
صحيفة الاندبندنت البريطانية خصصت صفحتها الاولي قبل اسبوعين لنشر اعلام الدول المؤيدة لوقف اطلاق النار في نصفها الأيسر، والمعارضة له في نصفها الأيمـــن، النصف الاول احتوي علي اكثر من مئة وسبعة وتسعين دولة، اما النصف الثاني فضم ثلاث دول فقط تعارض وقف اطلاق النار وهي بريطانيا واسرائيل والولايات المتحدة.
لم يكن غريبا او مفاجئا، بالنسبة الينا ان يتلقف الرئيس بوش عملية مطار لندن الارهابية المزعومة، ويعلن ان امريكا في حال حرب ضد الارهاب وانها تذكير نموذجي بان هذه الأمة في حال حرب مع الفاشيين المسلمين .
الرئيس بوش وحليفه بلير يريدان حرف الانظار عن سياساتهما المؤسفة، والفاشية، في مساندة مجازر الاطفال في لبنان، وقتل اكثر من مئتي الف عراقي، واغراق البلاد في حرب اهلية طائفية تودي بحياة الفي عراقي شهرياً تحت ذريعة ازالة الديكتاتورية، وتحويل العراق الي بلد ديمقراطي نموذجي تحتذي به الدول المجاورة.
اذا تبين فعلا ان مؤامرة خطف طائرات بريطانية وتفجيرها في الجو صحيحة ومؤكدة، فان توني بلير شخصيا، وكل من ايده من وزراء وسياسيين وكتاب، يتحملون مسؤولية تعريض بريطانيا لمثل هذه الاخطار الارهابية، لانهم وضعوا مصلحة اسرائيل بالدرجة الاولي، ومصلحة امريكا بالدرجة الثانية قبل مصالح المواطن البريطاني في الأمن والاستقرار والعلاقات الجيدة مع اكثر من مليار ونصف المليار مسلم.
توني بلير وجورج بوش هما الفاشيان الحقيقيان، ولا يقلان اصولية وتطرفاً عن اي جماعات اخري، اسلامية او غير اسلامية، فهما اللذان يخوضان الحروب ويرتكبان جرائم حرب في لبنان والعراق وافغانستان يذهب ضحيتها مئات الآلاف من الابرياء.
فمن لا يدين قتل الاطفال بصواريخ الطائرات الامريكية ومن يرسل القنابل الذكية الي اسرائيل لقتل المزيد، ومن يسمح بمرورها عبر مطاراته، هو الفاشي الاصولي الذي يستحق ان يقدم امام القضاء البريطاني المستقل كمجرم حرب. وهذه الاوصاف تنطبق علي مثلث ارهاب الدولة، وهم جورج بوش وايهود اولمرت وتوني بلير.
نضم صوتنا الي اصوات الملايين في بريطانيا، من كتاب ومثقفين، وعمال ومواطنين عاديين، الذين يطالبون بذهاب توني بلير فورا، لأن في ذلك مصلحة لبريطانيا، واماناً لشعبها، وحماية للبشرية من تحالفه المرعب مع حليفه بوش.
- آخر تحديث :
التعليقات