جيمس مان - واشنطن بوست


تواجه وزيرة الخارجية الدكتورة كونداليزا رايس في الوقت الحاضر أكبر أزمة طوال حياتها السياسية، الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط في خطر أو ربما بدأ في الانهيار وأصبح من مهامها إعادة بناء هيبة الولايات المتحدة في تلك المنطقة من العالم، وفي الوقت الذي تشاهد فيه الدمار الذي خلفته حرب دارت رحاها طوال شهر كامل في لبنان، وتشهد فيه أيضا العنف المتنامي في العراق، فإن مستقبلها السياسي ورؤية السياسة الخارجية الأمريكية كقوة تغيير في الشرق الأوسط سيكونان موضوعين على ميزان دقيق، هذه اللحظة ليست مثل أي لحظة أخرى، إنها لحظة الدكتورة كونداليزا رايس.
ولكن ليس هناك شيء واحد مما فعلته يمكنها من لعب ذلك الدور التاريخي الحرج، فطوال عقد كامل من عملها الحكومي وظفت الدكتورة رايس كثيراً من مواهبها مثل رصيدها الشعبي والذكاء السياسي والبراعة في خوض وكسب المعارك البيروقراطية الداخلية المتأصلة في السياسة الخارجية الأمريكية، ثم مقدرتها الفائقة في تفادي اللوم عندما تسير الأمور في الاتجاه غير الصحيح. وهنا لابد من أن نذكر بأن الأمريكيين الغاضبين من الحرب في العراق كانوا يعفونها من كل لوم ويصبون جام غضبهم على الرئيس بوش ونائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، رغم أن رايس كانت مشتركة في كثير من القرارات المهمة التي قادت للحرب.

اليوم لن تكون كل تلك المواهب كافية لإنقاذ الدكتورة رايس، إن فرص الدكتورة لجلب سلام دائم وناجح في الشرق الأوسط يعتمد على مهارات مختلفة ودبلوماسية شاقة ودهاء في صياغة استراتيجية طويلة المدى ومرونة في التوصل إلى مساومات تنسجم مع مبادئها المعلنة، تمكنت الآنسة رايس من أن تحقق انجازات بتحويل نفسها من عازفة بيانو إلى أكاديمية متخصصة في الشؤون السوفييتية ومن موظفة تابعة إلى مهندسة في السياسة الخارجية للرئىس بوش، ولكن التحدي الحالي أكبر من كل التحديات التي واجهتها الدكتورة رايس من قبل.

الحرب الدائرة في الشرق الأوسط الآن هي حرب الدكتورة كونداليزا رايس أو الآنسة كوندي كما ينادونها اختصاراً ولكنها حتى الآن لم تحقق أي انتصار.

قرار الأمم المتحدة الصادر مساء الجمعة لإنهاء الحرب بين إسرائىل ولبنان، الذي عارضته الدكتورة كوندي مع حلفاء أمريكا، يعتبر قراراً مهماً وفتحاً عظيماً ولكنه ليس إلا خطوة أولى في إطار مجهود كبير وشاق لإعادة الاستقرار في المنطقة، وبعد اندلاع الحرب سافرت الدكتورة رايس إلى المنطقة والتقت بقادتها مراراً ولكنها لم تلتق بزعماء سوريا وإيران.. وفي بداية الحرب عمدت الدكتورة لإطلاق شعارات خطابية فارغة عندما قالت إن الحرب تمثل طبول ميلاد شرق أوسط جديد، وأطلقت بذلك موجة عارمة من الغضب وكراهية الولايات المتحدة وسط شعوب المنطقة، لم يكن الوقت ولا المكان مناسبين لمثل تلك الشعارات الطنانة.

وإذا فشلت الدكتورة رايس وساءت الأحوال أكثر في الشرق الأوسط، فإن معين تزلفها وتملقها في فترة قيادتها لوزارة الخارجية سينضب، في فترة سنتيها الأوليين في وزارة الخارجية اعتمدت الدكتورة رايس على شخصيتها أكثر من الاعتماد على سجلها الدبلوماسي المتواضع.

وحتى الآن يمكن القول بأنها بذلت جهداً وحققت بعض النجاحات في تحسين العلاقات مع الحكومات الأوروبية وفي تخفيف النزعة الأحادية التي اتصفت بها الفترة الرئاسية الأولى لبوش، ولكن الدكتورة فشلت في تحقيق اختراقات دبلوماسية بعيدة المدى في المشاكل الأكثر إلحاحاً مثل البرنامج النووي لكوريا الشمالية.

وربما يكون مفيداً للدكتورة رايس أن تنظر في ما حدث لآخر وزيرين للخارجية قبلها، السيدة مادلين أولبرايت والسيد كولن باول.. حقق الوزيران شعبية كبيرة وشهرة واسعة في الأيام الأولى في الوزارة، ولكن فترتهما في الخارجية انتهت وسط قدر كبير من الجمود والخمول وفقدان البريق.