البروج المشيدة - 2:

العلاقة بين بن لادن والظواهري كالعلاقة بين ألفيس بريسلي ومستشاره التاريخي باركر
quot;بن لادنquot; كان يفكر في ترك القاعدة في السودان والعمل في الزراعة قبل أن يغويه الظواهري بدور القائد الهمام
أعضاء جماعة quot;الجهادquot; المصريون تمردوا على الظواهري لتحوله عن قتال نظام مبارك للحرب على أمريكا
زعيم القاعدة كان يسمح لعناصره بمشاهدة أفلام هوليوود وإحدى زوجاته كانت تستعمل quot;الماكياجquot; الأمريكي وأخرى حصلت على الدكتوراه من أمريكا
الظواهري سيطر على بن لادن وعزله عن الخارج لدرجة أن جمال خليفة أخاه غير الشقيق كان يحتاج إذناً من الظواهري ليزور أخاه



القاهرة: مجدي كامل


تستكمل quot;الوطنquot; اليوم نشر كتاب للمؤلف، الصحفي المخضرم في صحيفة quot;نيويوركرquot; لورانس رايت تحت عنوان quot;البروج المشيدة: القاعدة والطريق إلى 11سبتمبرquot;، الذي صدر في أمريكا مطلع الأسبوع الماضي، وأثار ضجة لما تضمنه من رؤية جديدة للكارثة، وتحليل لأبرز اللاعبين الأساسيين فيها، وكيف تقاطعت مساراتهم قبل الوصول إلى 11 سبتمبر، ومعلومات خطيرة - لم يكشف عنها من قبل، وإن كان الكتاب في مواضع منه لا يختلف كثيراً عن كتب سابقة صدرت في الولايات المتحدة وحاولت الخلط بين الإسلام والإرهاب، أو تقديم سموم قديمة في زجاجة جديدة.

واستعرضنا في الحلقة السابقة كيف تناول رايت ما أسماه بـquot;جذور الفكر التكفيري لتنظيم القاعدةquot;، وأرجعها إلى سيد قطب الذي اعتبره الأب الروحي والمعلم الأول ليس فقط لزعماء القاعدة ومنفذي الهجمات، وإنما لجميع الميليشيات الإسلامية، وكيف يرى أن سيد قطب هو المسؤول الأول عن هجمات 11 سبتمبر وليس بن لادن أو الظواهري، بل ذهب إلى أن الصراع أصلاً - على حد تعبيره - بين الإسلام والغرب قد بدأ منذ صعود سيد قطب للسفينة في الأربعينات متوجهاً لأمريكا، حيث تحول هناك من شخص متحرر يؤمن بالحداثة إلى شخص آخر انغلاقي وتكفيري.

فكرة واحدة فقط

في هذه الحلقة ينتقل بنا رايت إلى شخصيتين محوريتين في أحداث 11 سبتمبر، هما بن لادن وأيمن الظواهري ساعده الأيمن، حيث يشرح رايت - من وجهة نظره - كيف ساهمت عوامل ذاتية مثل الكاريزما والرؤية، اللتين تمتلكهما مجموعة قليلة من الأشخاص، في صياغة ما أسماه بـquot;الصراع بين الإسلام والغربquot;.

ويقول إن نشأة القاعدة - كتنظيم إرهابي - اعتمدت على اجتماع رأي ونظرة مجموعة فريدة من الشخصيات على فكرة واحدة هي الحرب على الغرب، وكان أهم هذه الشخصيات هو أيمن الظواهري بمفهومه الراديكالي القائم على اعتماد العنف كسبيل لتغيير التاريخ، وأسامة بن لادن الذي استطاع -حسب الكاتب- أن يحافظ على تماسك واستمرار التنظيم بعدما شارف على الإفلاس في المنفى، ويبقيه حياً حتى موعد تنفيذ هجماته الدموية يوم 11 سبتمبر2001. ومن خلال رسم ملامح شخصيتي أسامة بن لادن وأيمن الظواهري يتتبع رايت جذور الميليشيات الإسلامية وعالمها السري بما يتضمنه من تكوينات ثقافية مدمرة، على حد تعبيره.

ويبدأ المؤلف لورانس رايت في سرد قصة حياة بن لادن مع التركيز على التحليل النفسي للشخصية، وإن كان لم ينجح في تقديم الكثير الذي لم تذكره الكتب التي سبقت كتابه. ويقول رايت إن بن لادن كان أبعد ما يكون عن شخصية المحارب الذي يقاتل الاحتلال السوفيتي في أفغانستان. ولكنه كان في الحقيقة أضعف من أن يحارب وكان عالقاً في الوحل، يعاني آلام المنفى وآلام اعتلال الصحة، ويمكن أن يسقط صريعاً من شدة الخوف قبل المعركة.

وإن المحاربين الأفغان كانوا يضيقون ذرعاً من سلوكه، حتى إنهم كانوا يعتبرونه ورفاقه من العرب بلا فائدة.

كما يزعم رايت في كتابه أن بن لادن كان في البداية quot;أباً متحرراً وزوجاً غير منضبطquot;. وأنه لم يكن يكره الأمريكيين وكان يسمح لأبنائه بلعب أمريكية، وحتى بعد إعلان حربه على أمريكا كان يسمح لعناصر quot;القاعدةquot; بمشاهدة أفلام هوليوود، خصوصاً أفلام الممثل السابق وحاكم كاليفورنيا الحالي آرنولد شوارتزنيجر. كما يقول نقلاً عن مقربين لابن لادن إن إحدى زوجاته كانت تفضل استعمال أدوات quot;الماكياجquot; الأمريكية الصنع، وإن أخرى كانت تحمل شهادة الدكتوراه في سيكولوجية الطفل من أمريكا.

ويكشف رايت عن أن بن لادن ترك وراءه خطابات وكلمات وتراثاً لفظياً وجده في كتب وأفلام وتسجيلات صوتية ومذكرات وملاحظات كتبها آخرون، ولم يكتبها بنفسه، وهذا ما مكنه من رسم شخصيته التي يعتبرها رايت في جوانب كثيرة منها غير حقيقية.

بن لادن ليس محارباً بالكلمات

وينقل رايت في كتابه بعض أبيات الشعر التي قرأها بن لادن في حفل زفاف ابنه محمد الذي كان يبلغ - وقتذاك - من العمر 17 عاماً، والذي جاء بعد وقت قصير من قيام اثنين من عناصر القاعدة بهجوم انتحاري على المدمرة quot;كولquot; في سواحل عدن باليمن، وتقول الكلمات التي نسبها رايت لابن لادن على أنها شعر quot;المدمرة التي يخشاها حتى الشجعان.. وتبث الرعب في الميناء والبحر.. تحطمت قطعاً تتقاذفها الأمواجquot;.

ويضيف رايت ولم يتردد بن لادن في أن يكشف - ولأول مرة - وأمام الحضور أنه لم يكتب بنفسه هذه الأبيات وقال: quot;كما تعلمون أنني لست محارباً بالكلماتquot;.

ويقول رايت إن بن لادن هو الذي طرح نفسه كرمز للتضحية بالذات من أجل المقاومة الإسلامية، بينما لعب الظواهري دور المفسر لآرائه والمنظر للقاعدة.
ويقول عن بن لادن: عندما وصل في عام 1996 إلى أفغانستان قادماً من الخرطوم كان في حالة يرثى لها في منفاه، وجمع حوله أتباعه البائسين، واستغل تعاطفهم مع ما آل إليه حاله لكي يضمهم إلى صفه، ويحظى بولائهم، واستطاع أن يصف لهم الدواء الشافي لكل ما يعانونه في منفاهم من آلام، وهو إعلان الحرب على الولايات المتحدة.

ويقول رايت إنه لم يكن من الممكن أبداً أن ينجح بن لادن بمفرده، أو الظواهري بمفرده في أن ينشئ أحدهما تنظيم القاعدة دون الآخر، فابن لادن يملك المال والعلاقات، ولكنه يفتقد القدرة على التنظيم والتنظير اللذين كانا ميزتين لدى الظواهري، الذي أمده بالمقاتلين المدربين جيداً من جماعته المصرية quot;الجهادquot;. وعندما أسسا تنظيم القاعدة في بيشاور في عام 1988، كان بن لادن أساساً معاديا للشيوعية، والقاعدة بالنسبة له تنظيم يمكن أن يطرد السوفييت من أفغانستان والاشتراكيين من اليمن الجنوبي، أما بالنسبة للظواهري فالقاعدة تعتبر فرصة من ذهب لتقوية جماعته quot;الجهادquot;، بتوفير التدريب والموارد والدعم المالي لمواصلة حربه ضد النظام الحاكم في مصر.

ويقول رايت: وقد حاول كل منهما ومنذ اللحظة الأولى جر القاعدة إلى الطريق الذي يريد، وإنه من المهم أن ندرك كيف التقى بن لادن والظواهري في منتصف الطريق واستطاعا التوصل إلى تسوية مفادها أن هدف التنظيم هو quot;إعلان الجهاد العالميquot;.

وبعد خروج السوفييت من أفغانستان، كان لدى بن لادن جيش، ولكن ليس هناك من عدو كي يحاربه، أما الظواهري فقد تم اجتثاث مقاتليه في مصر وليس لديه قوات هناك، وشكلت أمريكا هدفاً أسهل من النظام المصري الحاكم، وبمهاجمتها يتم استبدالها بالاتحاد السوفيتي كعدو للإسلام والمسلمين.

أيزنهاور بين قواته

ويقول رايت: يمكن أن نقارن العلاقة بين بن لادن والظواهري بالعلاقة بين كول باركر وألفيس بريسلي، حيث بريسلي - كما بن لادن - هو النجم الظاهر للعيان الذي لا يستطيع تصريف شؤونه من دون مستشاره الأكبر باركر - الظواهري - فقد زرع الظواهري نفسه حول بن لادن ككادر كبير ومؤثر يستحيل الاستغناء عنه، وقام بعزله عن أية تأثيرات خارجية وحدد له ما يفعله، لدرجة أن جمال خليفة الأخ غير الشقيق لابن لادن كان يحتاج إذناً من الظواهري لكي يزور أخاه.

وينقل رايت عن المخرج المصري عصام دراز قوله إنه عندما ذهب في عام 1988، لعمل أول فيلم وثائقي عن بن لادن وجده يقف - في زهو وعلياء - أمام قوات ضخمة العدد، وكأنه يمهد نفسه ليكون أيزنهاور عصره - إشارة إلى الرئيس الأمريكي الراحل - وهذا هو ما فعله الظواهري، حيث قدم المقاتلين الذين يعطون بن لادن الشعور بالقيادة الجبارة.

ويقول رايت إن الظواهري هو المسؤول عن إدخال مصطلح جديد إلى رأس بن لادن وهو quot;تكفير الآخرquot; ويعني أن يحل دم كل من يعتبرونه - من وجهة نظرهم وحسب فهمهم هم للدين - كافراً بمن في ذلك المسلمون، ومن هنا كان استعداد مختطفي الطائرات في 11 سبتمبر للموت تنفيذاً لفكر الظواهري، الذي أقنع بن لادن بتبنيه، وهو quot;قتال الكفرةquot;، وquot;الشهادةquot; من أجل quot;الجنة الموعودةquot;.

ويقول رايت إن هناك مظهراً آخر من مظاهر الارتباط المقدس، والذي لا تنفصم عراه، بين بن لادن والظواهري وهو أن الأول عادة ما يكون مريضاً يعاني آلام الكلى كما يعاني مرض أديسون، الذي كان يعاني منه الرئيس الأمريكي الراحل جون كنيدي، والظواهري طبيب، مما يجعل روحه في يده، وهو يختبئ بعيداً عن مناطق العمران، حيث الأطباء والمستشفيات.

ويؤكد رايت أن مصادر موثوقا بها أكدت له أن بعض أتباع الظواهري تمردوا عليه لتحوله بهم من محاربة نظام مبارك في مصر إلى محاربة عدو بعيد هو الولايات المتحدة.
نفس القصة القديمة
ويتحدث رايت بتفصيل عن الشخصية المحورية التي - كما يقول - كان لها النصيب الأعظم في صنع المأساة وهو أيمن الظواهري ويقول إنه على غرار سيد قطب، بدأت قصة أيمن الظواهري، الذي تعرض للتعذيب في السجون المصرية كما تعرض قطب، ليخرج أكثر إصراراً على محاربة النظام، وأكثر تطرفاً من ذي قبل.

ويوضح رايت كيف أن الظواهري كان أول من أدخل الهجمات الانتحارية إلى تنظيم quot;القاعدةquot;، بعد أن ألبسها ثوبا صنعه بنفسه تيمناً وتأثراً بمعلمه الكبير قطب quot;العمليات الاستشهاديةquot;، كما أنه أول من اقترح استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في الحرب ضد الغرب.

أما أسامة بن لادن، بعد انتهاء الجهاد في أفغانستان، فإنه حسب المؤلف، ظل متردداً لفترة طويلة في منفاه بالسودان، وقد راودته فكرة امتهان الزراعة التي كانت تستهويه وتأخذ الكثير من وقته.
لكن تأثير الظواهري من جهة واستمرار التواجد الأمريكي في منطقة الخليج من جهة أخرى، فضلاً عن التدخل الأمريكي في الصومال، كل ذلك جعله يحسم موقفه ويندفع إلى المعسكر الذي يريد نقل المواجهة إلى الغرب وخاصة الولايات المتحدة.

وقد سجل رايت في كتابه رحلة صعود الظواهري من طالب بكلية الطب إلى زعيم لجماعة quot;الجهادquot; كأخطر تنظيم إرهابي عرفته مصر.

ويقول إن الظواهري انخرط منذ سنوات شبابه الأولى في صفوف الإسلاميين المصريين ونال شهادة في الطب من جامعة القاهرة عام 1974، قبل أن ينضم إلى جماعة quot;الجهادquot; المتطرفة التي أصبح زعيمها - فيما بعد - وقد أمضى 3 سنوات في السجن بتهمة الضلوع في اغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981، الذي اتهمت جماعة quot;الجهادquot; بالضلوع فيه. وشنت الجماعة بعد ذلك سلسلة من الاعتداءات في مصر في عام 1992، وقد حكم على الظواهري عام 1999 بالإعدام غيابيا.

وينهي رايت كتابه قرب الحدود الباكستانية، حيث يسير الظواهري أو شخص يشبهه ممتطياً جواده في أطراف إحدى القرى، قبل أن يختفي في الجبال. ويقول إن هذه ليست النهاية، فالستار لم يسدل بعد، وإن هذه هي القضية، فقصة القاعدة والطريق للوصول لأي 11 سبتمبر لم تنته بعد.