برلين - سمير عواد


حرصا علي ابنه الصغير (نور) حمل محمد علي الأتاسي متاعه خلال حرب لبنان الأخيرة وجاء إلي هامبورج التي يراقب منها التطورات في لبنان. وكان محمد علي الأتاسي وهو ابن الرئيس السوري الأسبق نور الدين الأتاسي قد لجأ إلي لبنان حيث يعمل كصحافي في صحيفة (النهار) الناقدة للنظام السوري. جاء في مقابلة أجرتها معه صحيفة (فرانكفورتر ألجماينه) أن الحرب لم تلحق خطراً بعملية الديمقراطية في لبنان. المجتمع اللبناني يختلف عن العراقي الذي يعاني من نقمة حيال سياسة الغرب. المجتمع اللبناني منفتح والناخبون في لبنان يبنون قرارهم وفقا لما تقتضيه مصالحهم الاجتماعية والاقتصادية.

برأي أتاسي أكبر مشكلة يواجهها لبنان كما في السابق هو نظام الأسد في دمشق الذي يحاول تعطيل النمو الديمقراطي في لبنان. الجدير بالذكر أن أسرة أتاسي لها تجارب مريرة مع أسرة الأسد. نور الدين الذي كان رئيسا لسوريا في الفترة من عام 1966 حتي عام 1970 حيث أطاح به حافظ الأسد وزج به مع غيره من أعضاء الحكومة في السجن 22 عاما دون محاكمة. في عام 1999 عاد محمد علي أتاسي من فرنسا إلي سوريا وعمل في عملية الديمقراطية بسوريا. أنشأ ابن عمه زهير أتاسي منبر الأتاسي الذي كان آخر الصالونات السياسية في سوريا التي فرض النظام السوري عام 2005 حظرا عليها بدعوي أنه منبر للإخوان المسلمين.

لا يعتبر حزب الله بنظر أتاسي عاملاً مزعجاً في السياسة الداخلية اللبنانية. فقادة حزب الله يعرفون تماما أنه من غير الممكن بناء مجتمع في لبنان يتطابق مع أفكارهم فالمجتمع اللبناني، مجتمع تعددي فيه طوائف وجاليات عديدة. لا أحد حتي في جنوب لبنان يتحدث عن جمهورية إسلامية في لبنان. يضيف أتاسي: حزب الله ليس تنظيم (القاعدة) والشيخ حسن نصرالله ليس أسامة بن لادن. الشعبية الواسعة لنصرالله ليست مشكلة كبيرة ويقول: في الوقت الذي يحتفل فيه حزب الله بالانتصار العسكري علي إسرائيل عليه دفع ثمنا غاليا في السياسة الداخلية. بنظر كثيرين في لبنان فهم يحملون حزب الله أيضا مسؤولية وقوع الحرب في لبنان ولهذا عليه تقديم تنازلات للدولة اللبنانية وللمجتمع اللبناني.

أضاف أتاسي خلال المقابلة أن الحرب تساعد في إدماج حزب الله في النظام السياسي للبنان بل التعجيل به. فقد أوضح حزب الله أنه قادر علي تحدي إسرائيل وأنه مستعد الآن للعمل السياسي. برأي أتاسي هناك ضرورة في إدماج مقاتلي حزب الله مع الجيش اللبناني حين يجري حل القضايا العالقة مثل النزاع حول مزارع شبعا وتبادل الأسري والمعتقلين وحين يتم ذلك ليس أمام حزب الله حجج لمواصلة قيام جناحه العسكري. وفقا لقول أتاسي فإن التحالف بين حزب الله وسوريا لا يعود له أهمية لأن حزب الله ليس من أتباع نظام دمشق بل قامت بينهما علاقة إستراتيجية في مواجهة إسرائيل.

قال أتاسي إن حزب الله قدم تنازلات للدولة اللبنانية. علي سبيل المثال وافقت الحكومة اللبنانية علي القرار الأممي رقم 1701، كون وزراء حزب الله في الحكومة اللبنانية وافقوا علي القرار معني ذلك أن حزب الله موافق علي القرار. تدعو إحدي النقاط الواردة في القرار الأممي إلي انتشار خمسة عشر ألف جندي لبناني في جنوب لبنان.

هذه الأيام حين ترد إلي الجهات المعنية في إسرائيل ترجمات ما نشرته وسائل الإعلام الألمانية بعد الهدنة، فإن النتائج هزيلة من وجهة نظر إسرائيل. في إطار معالجته لنتائج الحرب استنتج يورغ بريمر مراسل صحيفة (فرانكفورتر ألجماينه) منذ زمن طويل في إسرائيل أن الحرب انتهت بنتائج هزيلة جدا للجيش الإسرائيلي. وكانت حرب إسرائيل الأولي في لبنان عام 1982 قد انتهت بمغادرة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها ياسر عرفات من لبنان ووقوع مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا علي إثرها تم استقالة وزير الدفاع وقتذاك أرييل شارون ولاحقا رئيس الوزراء مناحيم بيغن. أكد بريمر أن تأسيس حزب الله جاء نتيجة لاحتلال إسرائيل جنوب لبنان في المرحلة التي أعقبت خروج الفصائل الفلسطينية من لبنان.

حزب الله ليس الحكومة اللبنانية وجناحه العسكري ليس جيشاً نظامياً. لذلك كان هدف إسرائيل منذ البداية معاقبة السكان الآمنين وضرب البنية التحتية للبنان. ما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في البداية بأن العمليات العسكرية في لبنان ستؤدي لتحرير الجنديين الإسرائيليين من قبضة حزب الله لم يتحقق. لكن إسرائيل كشفت عن عجزها وذاقت مرارة الوقع.

كما أن لجوء إسرائيل لمساعدة الأمم المتحدة في صدور قرار أممي يحمل الرقم 1701 ينص بين نقاطه علي هدنة ويدعو إلي تمركز الجيش اللبناني وقوات دولية في جنوب لبنان، علامة ضعف وليس علامة قوة. فإسرائيل لا تحترم لا الأمم المتحدة ولا قراراتها وليس هناك دولة في العالم صدر ضدها قرارات لم تنفذ مثل إسرائيل التي خرقت القرار الأممي 1701 بعد أيام قليلة علي صدوره حين حاولت قوة عسكرية إسرائيلية التسلل لخطف أو اغتيال أحد رموز حزب الله في مدينة بعلبك. يقول بريمر إن الحروب في فيتنام ثم في أفغانستان والعراق ولبنان أوضحت أنه لا يمكن لجيش نظامي مجهز بالأسلحة التقليدية حسم الحرب لصالحه ضد المقاومة الشعبية. كما أن مبدأ إسرائيل والرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 لا يحقق النجاح.

ماذا عن مشكلات الجيش الإسرائيلي: جاء في صحيفة (فرانكفورتر ألجماينه) أن الجيش الإسرائيلي حين دخل الحرب كان تسليحه سيئاً وجر مقاتلو حزب الله القوات الإسرائيلية من فخ إلي آخر. كما افتقد الإسرائيليون إلي معلومات عن حزب الله وأماكن وجود مقاتليه نظرا لعدم تمكن إسرائيل من تجنيد عملاء لها في أوساط اللبنانيين. في السنوات الأخيرة باعت إسرائيل كميات كبيرة من الأسلحة التي حصلت عليها من الولايات المتحدة وألمانيا ومن صنع محلي أيضا وصرفت النظر عن تطوير تسليح جيشها. حين قامت خطة الحرب الإسرائيلية ضد حزب الله راهن رئيس السلاح الجوي الإسرائيلي السابق وقائد الجيش الإسرائيلي حاليا دان حالوتس علي قوة الطيران الحربي الإسرائيلي وغاب عن حساباته أن حزب الله سيضرب مدن إسرائيل بصواريخ كاتيوشا الذي ما زال حزب الله يملك ترسانة كبيرة من هذه الصواريخ. وقالت الصحيفة إن إسرائيل جلبت نتيجة الحرب في لبنان علي نفسها انتقادات دولية ويتعين علي رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزيري الدفاع والخارجية وقائد الجيش الإجابة علي أسئلة محرجة. كما وأنه خلال حرب لبنان تم تغيير قائد العمليات في لبنان. في النهاية تم تدويل النزاع بين إسرائيل وحزب الله.

وذكر مصدر إعلامي آخر أن إسرائيل لم يسبق لها وأن خسرت في الحروب الخمس في الشرق الأوسط عدداً من الجنود مثل الذين خسرتهم في حربها الأخيرة في لبنان. إذ بلغ عدد خسائر إسرائيل من الجنود عند صدور القرار الأممي 115 قتيلاً. وتواجه الحكومة الإسرائيلية اتهامات داخلية بأن خطة الحرب وضعت الجنود الإسرائيليين تحت رحمة مدفعية حزب الله وأن قائد الجيش حالوتس تحت ضغط شديد. وتم الكشف عن قضية تجرد حالوتس من مبادئه الأخلاقية إذ بعد وقت قليل علي بدء العدوان الإسرائيلي علي لبنان قام قائد الجيش الإسرائيلي ببيع أسهم خاصة به قيمتها 21 ألف يورو. وشملت الانتقادات رئيس الوزراء أولمرت ووزير الدفاع عمير بيريتس لقبولهما هدنة مدتها 48 ساعة بعد ارتكاب إسرائيل مجزرة بحق المدنيين في قرية قانا بجنوب لبنان.

ورأي المصدر الإعلامي أن الفائز من هذه الحرب هو بنيامين نتنياهو رئيس كتلة الليكود المعارضة الذي رفض خلال الحرب توجيه انتقادات للحكومة الإسرائيلية وحصل علي نقاط بسبب موقفه. إذا جرت انتخابات في القريب سيضاعف الليكود عدد نوابه في الكنيسيت كما أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني أبرز من يخلف أولمرت الذي يشعر الآن بتنامي شعبية ليفني لذلك منعها من السفر إلي نيويورك للمشاركة في مناقشات مجلس الأمن الدولي قبل صدور القرار رقم 1701 .

وذكر توماس أفنيريوس مراسل صحيفة (زود دويتشه) الصادرة بمدينة ميونيخ في بيروت أن بضعة أيام مضت علي الهدنة بين حزب الله وإسرائيل، سارع حزب الله إلي إزالة أثر الدمار الذي ألحقه العدوان الإسرائيلي بالمناطق التي استهدفها في جنوب بيروت بينما تكتب علي جدران بيروت شعارات تشيد بانتصار حزب الله الثاني بعد عام 2000 علي إسرائيل وعبارة أخري تشير إلي التأييد الأمريكي للعدوان الإسرائيلي: هذه هي حضارة الولايات المتحدة الأمريكية. وجاء في تقرير مراسل الصحيفة من بيروت أن كل متضرر من العدوان يحصل علي مساعدة عاجلة من حزب الله قدرها عشرة آلاف دولار لاستئجار شقة وفرشها مدة عام.

ونقل عن أحمد حاطوم مختار منطقة حارة حريك التي ألحق العدوان الإسرائيلي فيها خسائر بشرية ومادية كبيرة فإن المطاعم والمحلات التجارية التي تعرضت للدمار خلال الحرب سيحصل أصحابها علي مساعدات أكبر. وقالت الشابة هنادي القرة أن زعيم حزب الله الشيخ حسن نصرالله وعد المتضررين بالمساعدة العاجلة وهو ينفذها ليس خلال أشهر ولا أسابيع بل فورا. أشارت الصحيفة الألمانية إلي أن التدخل السريع لحزب الله لنجدة المتضررين من العدوان يكسب الحزب الشيعي الكثير من التأييد الشعبي وأضافت هنادي قولها: نريد الآن الحصول علي مواليد جدد حتي يحصل نصرالله من جديد علي آلاف المحاربين.

وقال مختار حارة حريك: مر أسبوع ولم يطل علينا ممثلون عن الحكومة اللبنانية ولا عن إدارة مدينة بيروت بينما حزب الله قام علي الفور بتقديم معونات للمتضررين. قال مختار حارة حريك إنه أصبح يعتبر نفسه أحد مؤيدي حزب الله رغم أنه ليس عضوا في الحزب. وردا علي سؤال حول الدعم العربي أجاب مختار حارة حريك: تعاملنا الدول العربية كجمعية خيرية بينما إيران توفر لنا العون بصمت. حول السؤال: إيران؟ أجاب حاطوم: ولم لا، فهي دولة إسلامية. أوضحت صحيفة (زود دويتشه) أن حزب الله أثبت وجوده في الحرب وفي السلم ويعمل بسياسة حذقة ويعلم أنه كلما تم الإسراع بمساعدة المتضررين كلما تراجعت الانتقادات ضده. لكن في النهاية إسرائيل هي التي قامت بالحرب وليس حزب الله.