اندي رويل


للوهلة الأولى يبدو الرجلان مختلفين: أحدهما، تكساسي متهور ينحدر من عائلة سياسية تنتمي الى الحزب الجمهوري؛ والثاني محامٍ بريطاني مفوّه قاد حزب العمال ليخرجه من القفر السياسي الى ثلاثة انتصارات تاريخية.

قد يكونان مختلفين، ولكن بالنسبة الى الرئيس الأمريكي بوش، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، ظل مصيراهما السياسيان متضافرين معاً منذ 11/،9 ومنذئذٍ ظلاّ متكاتفين في ldquo;الحرب على الإرهابrdquo;، في أفغانستان، والعراق، ولبنان وربما ايران الآن.

ولكن بالنسبة الى الرجلين، الوقت ينفد بسرعة، فبوش وبلير يمضيان نحو نهاية مهنتيهما السياسيتين. وقد يكون لدى بلير سنة في أحسن الأحوال قبل أن يرحل. أمّا بوش، فقد يكون لديه ثمانية عشر شهراً، أو سنتان في أقصى تقدير. وفي الأيام الأخيرة للزعيمين، سيكافح كل منهما في سبيل اجتراح إرث سياسي دائم، يذكرهما الناس به.

لنبدأ ببلير. إن عليه في كل يوم الآن، ان يجيب عن أسئلة تتعلق بموعد رحيله. وفي هذا الأسبوع، كشفت مذكرة تسربت الى وسائل الإعلام، ان حلفاءه المقربين يعكفون الآن على صياغة استراتيجية ldquo;خروجrdquo; له. وقالت المذكرة ldquo;ان ميراثه الأصيل ليس طرح أفكار عمالية جديدة، رغم أهمية ذلك، بل هيمنة مثل هذه الأفكار... وانتصار المدرسة البليريةrdquo;. وقد يرحل بلير في مايو/ أيار من السنة القادمة، وهو يخطط لجولة اقليمية في المملكة المتحدة، وزوبعة من المقابلات مع وسائل الإعلام للتحدث بصوت عال عن نجاح السنوات العشر التي قضاها على سدة الحكم.

والحقيقة البغيضة لدى حزب العمال البريطاني هي أن بلير، الذي كان ذات يوم رأس مال الحزب الثمين، أصبح الآن أسوأ العوائق في طريق هذا الحزب. ولا يمرّ يوم الآن ، دون أن تتعالى النداءات من أعضاء البرلمان من حزب بلير، مطالبةً باستقالته. ويريد منه عدد متزايد من أعضاء حزبه، أن يسلم الراية لخَلَفه جوردون براون على الفور.

كتب أحد المعلقين السياسيين في صحيفة الجارديان: ldquo;لقد خسر بلير ثقة الأمة فيما يقول ويفعل. ومن دون ثقة البلاد لا توجد ثمة فرصة لاستئصال فقر الأطفال، أو التعامل مع البيئة أو مع الكوارث التي تجرّها سياستنا الخارجيةrdquo;. واختتمت المقالة بالقول: ldquo;ان بلير قد فقد سمعته، فلو حاول المضي قُدُماً، وإذا سُمِح له بذلك، فسوف تتحطم آمالنا، وتتحقق جميع مخاوفناrdquo;. وذلك حكم دامغ على سياسي يسير مضطرباً ببطء نحو البيداء السياسية.

أمّا بوش، فهو مثل بلير، شهد شعبيته تتدهور بسرعة. ومثلما حاولت حكومة بلير أن تشق طريقها بالخداع لتخرج من المتاعب، كذلك فعلت حكومة بوش. وعلى الرغم من الأدلة اليومية على المجازر، والاعتقاد على نطاق واسع بأن العراق ينزلق نحو حرب أهلية، ظلت ادارة بوش تماحك بالقول ان المشاكل في العراق ناجمة عن الدعاية السيئة، لا التخطيط السيئ الذي أدى الى غزو قائم على فهم خطأ للأمور.

وقد بلغ التلفيق ذرىً جديدة مؤخراً، ففي نهاية الشهر الماضي، وفي يوم قُتِل فيه أكثر من 50 شخصاً في بغداد، ذكرت صحيفة واشنطن بوست، كيف ان ldquo;قادة الجيش الأمريكي في بغداد طرحوا عطاءً لتوقيع عقد علاقات عامة بقيمة 20 مليون دولار، على مدى سنتين، يدعو الى رقابة صارمة على وسائل الإعلام في الولايات المتحدة والشرق الأوسط، في مسعى لتعزيز تغطية أكثر ايجابية للأخبار الصادرة عن العراقrdquo;. ويدعو العقد الى برنامج لتوفير ldquo;منتجات علاقات عامةrdquo; من شأنها تحسين تغطية أداء القيادة العسكرية.

دعونا لا ننسى مَن هم الرابحون الحقيقيون من الحرب في العراق وrdquo;الحرب على الإرهابrdquo;، فبعد خمس سنوات من أحداث 11/9 دخلنا عصر الحرب المستمرة. ونحن نعيش في عالم أشدّ خطورة وانقساماً. ولكن، كان هنالك رابحون، فقد نُشِر للتوّ تقرير أعدته اثنتان من المنظمات الأمريكية غير الحكومية في الولايات المتحدة، هما ldquo;متّحدون من أجل اقتصاد عادلrdquo; وrdquo;معهد الدراسات السياسيةrdquo;. وهما تُلقِيان كل سنة نظرة على رواتب كبار الموظفين الأمريكيين.

وجد التقرير ان معدل الأرباح، بين سنتي 2001 و،2005 قفز بالنسبة الى الشركات الدفاعية ال 34 في الولايات المتحدة، 189% . وفي تلك السنوات الأربع، تلقّى رؤساء الشركات الدفاعية ال 34 مبلغاً مذهلاً، هو 984008400 دولار. واختتم التقرير قائلاً ldquo;لكي نتصور ذلك المبلغ الضخم، نقول انه يكفي لدفع فاتورة أجور أكثر من مليون عراقي مدة سنة كاملةrdquo;. وفي سنة ،2005 كان مجموع العقود الدفاعية الأمريكية 269 مليار دولار، مرتفعاً من 154 مليار دولار سنة 2001.

وهكذا فنحن إزاء رجُليْن، وحزبين سياسيين مختلفين، وقارتين مختلفتين، ولكن مصير سياسي واحد، وميراث سياسات فاشلة في الشرق الأوسط، ومحاولة لتلفيق أخبار الحرب في العراق. ولكن قد يكون القادم أسوأ، فقد يشعر بوش بأن الإرث الخالد سيكون في إزالة الخطر النووي من ايران. وفي الأسبوع الماضي طالب بأن تكون ثمة ldquo;عواقبrdquo; على ايران بعد ان تجاهلت موعداً نهائياً ضربته الأمم المتحدة لوقف برنامجها النووي. ويمكن أن تكون تلك العواقب عقوبات، أو عملاَ عسكرياً، وهو الأسوأ.

ولا ريب في أن بلير سوف يساند بوش، مثلما فعل مراراً وتكراراً في الماضي. ولكن مهاجمة ايران قرار سياسي خطير يجب علينا ألا نسمح للزعيمين باتخاذه. ويجب علينا بدلاً من ذلك ان نجبر الرجلين على الاستقالة الآن متكاتفين مثلما ظلاّ على مدى السنوات الخمس الماضية.

كاتب مستقل متخصص في قضايا البيئة والصحة والعولمة ويشارك في تحرير موقع ldquo;سبن ووتشrdquo; لرصد التضليل الإعلامي