عبد الرحمن الراشد


قراء احد المواقع الإلكترونية العربية هالهم سعر تذكرة السفر الى الفضاء بعشرين مليون دولار التي دفعتها السيدة الايرانية الاصل، من اجل الركوب في المركبة الفضائية الروسية سويوز. في المقابل لم يحتج أحد على حجم الاموال التي بددتها ايران على العاب الاسلحة التي نشرتها في نصف المشرق العربي وعلى حساب مداخيل مواطنيها، اضافة الى مليارات الدولارات التي تنفقها على بناء وحماية سلاحها النووي.

ولأن التقنية الفضائية هي اقل ما يهم منطقة الشرق الأوسط التي لا تزال الكثير من ارجائها لم تعرف بعد اختراع المصباح الكهربائي، فمن الواضح ان اهتمام الناس بها بدا ضعيفا، لكنها لم تغب عن انتباه الشباب المتعلمين، وأثارت في ايران نفسها الكثير من الجدل، خاصة انه امتداد جدل متواصل حول الجالية الايرانية الكبيرة التي هاجرت الى الخارج بعد الثورة، ولم تعد بسبب اعتراضها على الوضع الداخلي السيئ سياسيا واقتصاديا. والأكثرية الايرانية في الخارج ليست معارضة سياسيا، كما قد توحي بذلك كونها مهاجرة، بل لا ترى الوضع الداخلي يمنحها الحد الادنى للحياة المقبولة والمأمونة، حيث لا تزال الجمهورية الاسلامية في حال ثورية لم تشف منها بعد، وتتمثل في قوانين منع السفر والتحويل المالي والحقوق المدنية وغيرها. وربما هذا يفسر الى حد كبير تجاهل الحكومة الايرانية الاشادة بابنتها الفضائية، لأنها تمثل رمز المهاجرين لا رمز التقدم العلمي والكسب الفضائي.

ما تجرأت على القيام به السيدة الايرانية أنوشية الانصاري ليجعلها اول امراة سائحة في الفضاء في العالم، يستحق التقدير لأنها رحلة محفوفة بالمخاطر، ولها متطلبات علمية لا مادية فقط. شجاعة جسمية وأدبية ايجابية تناقض شجاعة الذين يستقلون رحلات الموت، فيفجرون انفسهم في اسواق الخضار ويقتلون مئات الابرياء بتمويل من اطراف ارهابية مختلفة.

أعرف ان المقارنة ساقطة تماما، لكن نحن امام نماذج حقيقية في المنطقة بين اناس مستعدين للمخاطرة بأعمارهم للوصول الى الفضاء، ويجرون تجارب علمية فيه، وأناس ينزلون الى قاع الجرائم بقتل الاطفال والنساء. بين افراد ينفقون كل ما يستطيعون من اجل رفع اسم بلادهم وطموحاتهم عاليا، وحكومات تنفق نصف قوت مواطنيها في سبيل بناء المزيد من السلاح وتوريط المنطقة في الدمار. هنا تكمن المفارقة بين الحضارة والتخلف، والعمل الانساني الرائع والجرائم المقيتة، ولذا لا بد ان نفخر بكل مصدر الهام للاعمال الصالحة.

عشرة ايام في الفضاء وعشرون مليون دولار انفقتها عائلة انصاري، من اجل ان تطير ابنتهم الى الفضاء لتكون اول امرأة سائحة فضائية. كلها ستسجل تاريخا جديدا في اكثر من اتجاه، امرأة ومشرقية وإيرانية الاصل وفي مشروع لا يزال في بداياته، وتتولى فيه تنفيذ تجارب طبية وبيولوجية.