منتصر الزيات


أشرت في مقالي الاسبوع الماضي إلي ما يمكن أن يشهده العالم الاسلامي من احتجاج واسع علي استدلال بابا الفاتيكان بنديكت الثالث عشر ضد الإسلام وضد رسوله الخاتم محمد صلي الله عليه وسلم، وكان أفضل ما عبر عنه فضيلة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي من حث الأمة علي استمرار الاحتجاج العاقل وندب الجميع لموقف موحد يوم الجمعة، فلم يكن مطلوبا أن نقبل مجرد التفسير لكلامه الاكاديمي وليس مجرد تصريح بل كان محاضرة أكاديمية جامعية ألقاها في ألمانيا، حكاية أن نقبل أسفه أو عدم استيعابنا لما قال مش مقبولة، صحيح أنه تكرر من بابا الفاتيكان ما يمكن فهمه علي أنه اعتذار، لكن أيضا كان من الضروري الاستمرار في الاعلان عن الغضب العاقل كوسيلة لازمة للاحتجاج، لأن الاساءات من الغرب بدأت تتعاظم ضد الاسلام في إطار ما يسوغ أنه دعم لنظرية صدام الحضارات.

والحقيقة أن الحديث عن صدام الحضارات أو الصدام بين الشرق والغرب وفد إلينا من الغرب ومن مفكرين غربيين، لم يكن مجرد نظرية صاغها هنتنجتون أو فوكوياما، لكنها صياغة تيار يميني غربي تعاظم في أوروبا وأمريكا، فكلنا لم يذكر ما كتبه ريتشارد نيكسون في كتابة الأخير الفرصة سانحة الذي حذر فيه من العدو الأخضر في إشارة صريحة للإسلام، ولم تكن عبارة حملة صليبية التي أطلقها جورج بوش مجرد سقطة لسان بقدر ما تعني توجهاً يسيطر عليه وعلي إدارته، عاد يؤكدها مجددا حينما أشار إلي الفاشية الإسلامية، هذا هو المناخ الذي أحاط بكلمة بابا الفاتيكان وأثار هواجس المسلمين ومخاوفهم، وهي مخاوف مشروعة.

في مثل هذا الوقت من العام الماضي انشغلت الدنيا بأزمة الرسوم المسيئة للنبي الكريم صلي الله عليه وسلم، واشتدت حماسة المسلمين وانعقدت مؤتمرات وانفضت، وصدرت توصيات ودبجت قرارات كلها تبخرت، وشيئا فشيئا هدأت تلك الحماسة وانخفضت وتيرة الغضبة، ولم تدخل التوصيات حيز التنفيذ، حتي أن الحكومة الدانمركية بدأت في مطاردة الاخوة الذين قادوا حملة الغضبة ضد الرسوم المسيئة ونقلوا أثارها إلي العالم الإسلامي بعد أن هدأت الفكرة وذهبت السكرة.

لم تكن هذه فقط هي الإهانة الوحيدة التي صدرت عن متعصبين غربيين صليبيين ضد نبي الإسلام، فلم تكد تهدأ أزمة بابا الفاتيكان واستدلاله بعبارة امبراطور روماني أسقط بها علي الإسلام أثناء محاضرته إياها حتي صدرت صحيفة الفيجارو الفرنسية تحمل مقالا لكاتب مسيحي متطرف امتلأ قلبه بالكره والحقد ضد الاسلام ونبيه صلي الله عليه وسلم، والمشكلة أنه في إثر كل أزمة نجد أصواتا تبرر هذه الاساءات بحرية الرأي والتعبير، رغم أنهم لا يقبلون الاساءة لرؤسائهم او زعمائهم الدنيوية فضلا عن قياداتهم الروحية والدينية.

وإذا كان ما قدرته من اهتمام النخب الفكرية والثقافية والدينية في العالم العربي والاسلامي بهذا التطاول الذي قام به بابا الفاتيكان قد تحقق، فقد رأيت أن أتداخل مع الأزمة من منظور أخر عملي وواقعي بعيدا عن الصراخ والهتافات بمقترح محدد أضعه أمانة بين يدي كل من يقدر علي تنفيذه ووضعه موضع التطبيق سواء من العلماء أو الحكام أو الاثرياء فأهم ما نحتاج إليه هو تدبير مقر له مؤثث وكلفة معقولة لبدء نشاطه.

لقد بدت الحاجة إلي ضرورة وجود هيئة أو مؤسسة قانونية ذات مرجعية إسلامية تعني بأمر اتخاذ إجراءات قضائية ضد هؤلاء الذين يغترون بحصانة زائفة توفرها إدارات غربية يمينية متطرفة، سواء أمام المحاكم في الدول التي تسمح بإقامة مثل هذه القضايا، وأيضا تعني بإقامة دعاوي الابادة الجماعية التي ترتكبها حكومة الكيان الصهيوني في فلسطين ولبنان.

وحينما دعي الشيخ العلامة يوسف القرضاوي إلي مؤتمر نصرة النبي الذي انعقد في البحرين أوائل العام الحالي للتدارس حول الاجراءات الواجب اتباعها لمواجهة الأزمة، اقترحت علي الحضور تأسيس هيئة أو اتحاد أو رابطة للمحامين الإسلاميين أو المهتمين بالدفاع عن القانون الاسلامي علي المستوي الدولي، وهي بهذه السمة لاتتقيد بحدود جغرافية، وليس لها أهداف سياسية بالمعني الحزبي ولا تتصادم مع أي تكتلات عقائدية، وتعمل علي إظهار التفرد العلمي للقانون الإسلامي، واشتماله علي كافة الأركان اللازمة لإقامة مجتمع العدالة والحرية والمساواة ارتكازاً علي مبدأي الشوري واحترام الآخر بوضع البرامج وإعداد الدراسات والدورات التثقيفية، والندوات التي تهتم بتأصيل وتعليم وإظهار قيم العدالة والحرية والمساواة والشوري واحترام الآخر، كما وأن الرابطة معنية بتدريب الأعضاء علي ممارسة هذه القيم في حياتهم العملية ولا تتعارض مع النظم السياسية، والقانونية السائدة في أي دولة عربية أو إسلامية، فضلاً عن أنها تتعامل مع هذ النظم العربية والإسلامية نحو تحقيق الأهداف المشتركة والتنسيق بينها وبين سائر الاتحادات والمنظمات الدولية وكذا الأنظمة الحاكمة بالدول التي يقع بها مقار الرابطة، كما تعمل علي وضع التصورات وتشكيل الآليات التي تتولي تحقيق الأهداف التي نتوخاها بالدفاع عن الإسلام والمسلمين والنبي الكريم صلي الله عليه وسلم علي النحو السالف بيانه.

إنني من علي منبر الراية أكرر هذا الاقترح واضعه أمانة بن يدي الشيخ العلامة يوسف القرضاوي ليعمل علي وضعه موضع التنفيذ وكل من يقدر علي تنفيذه، ولتكن الدوحة عاصمة دولة قطر هي دولة المقر لهذا الاتحاد أو تلك الرابطة استكمالا للدور الذي تلعبه سياسيا وإعلاميا.. كنت أتمني أن يقوم اتحاد المحامين العرب بالدور المنوط به غير أن سيطرة اليساريين عليه حال دونه وبين القيام بواجباته ، وكان حرص القائمين عليه إقصاء الاسلاميين من دوائر اتخاذ القرار داخله، مما أقعده عن المهام الكبيرة في الدفاع عن قضايا الأمة الحقيقية والذود عن هويتها ونسقها الحضاري للإسلام، مما بدت معه الحاجة ملحة لتأسيس اتحاد للمحامين الإسلاميين يعمل بوضوح وشفافية علي القيام بتلك المهام، وهناك نقابات كثيرة صامتة يمكن أن تكون نواة لمثل هذا العمل الرائد فنقابات المحامين بمصر والسودان والاردن فضلا عن تكوينات حقوقية كثيرة في عدد من الدول العربية والإسلامية الأخري ما تعطي دفعة قوية لنجاح قيام هذا الاتحاد

اللهم هل بلغت اللهم فاشهد..