سيريل تاونسند

يستعد اللفتانت جنرال ديفيد ريتشاردز الرئيس المساعد السابق للأركان العامة والضابط في المدفعية البريطانية لتولي قيادة الجيش البريطاني. ويظهر على شاشات التلفزيون، وهو يضع نظارتين وقوامه فارع، رجلاً مثيراً للإعجاب تقع على عاتقه مهمة شاقة بصفته القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان. ومنذ بضعة أيام، قال في إشارة إلى الوضع العسكري هناك: laquo;علينا أن ندرك أنّ الفشل قد يكون لنا بالمرصاد هناraquo;.

وجاء تعليقه هذا ليذكرني بتعليقين آخرين نددا بإغفال الوضع السائد في أفغانستان والقبول به. ففي العام المنصرم، أعلن السفير الأميركي في كابول رونالد نيومان: laquo;لن نربح هذه الحرب عسكرياً في أي وقت قريب. فإن تباطأت وتيرتنا، سنواجه المتاعبraquo;.

والواقع أن الأميركيين مضوا منذ ذلك الحين في هذا الاتجاه فخفضوا عديد قواتهم في البلد بنحو 3 آلاف عنصر.

أما الجنرال السير مايكل روز قائد قوة الحماية الدولية التي أرسلتها الأمم المتحدة إلى البوسنة فقد نقلت عنه صحيفة laquo;The Independent on Sundayraquo; (في 10 أيلول/ سبتمبر) قوله عن أفغانستان:

laquo;بالنظر إلى مستوى الموارد التي يتمتع بها حلف شمال الأطلسي في الوقت الراهن، وعلى ضوء الاستراتيجية التي نتبعها حالياً، لا يمكننا بكل بساطة أن نحرز النصر. حتى أنّ القوات المنتشرة هناك عاجزة عن تحقيق الأهداف التي رُسمت لهاraquo;.

والواضح أن الولايات المتحدة وبريطانيا مسؤولتان جزئياً عن الأزمة الجديدة. فقد أشاح الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء توني بلير بنظرهما عن الساحة الأفغانية عندما اجتاحا العراق في العام 2003 مع أنّ بوش، وقبل اعتلائه سدة الرئاسة، أكد أنّ بناء الأمم ليس مهمة ملائمة تُسند إلى القوات الأميركية.

وفي بروكسيل، وافق حلف شمال الأطلسي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي على رفع عديد قواته في أفغانستان من 10 آلاف جندي إلى 16 ألفاً. بيد أنّه سرعان ما واجه صعوبة في تجسيد أقواله المميزة والجريئة أفعالاً ملموسةً تتجلى في عدد القوات المرسلة ومعدات الدعم لها. ومطلع الصيف، أُسندت إلى الحلف مسؤولية ضبط الوضع جنوب أفغانستان، على أن ينضوي 11 ألف جندي أميركي منتشرين في البلاد تحت العلم الأطلسي في غضون أسابيع معدودة. واليوم، يبلغ عدد القوات الأميركية في أفغانستان 20 ألف جندي، مقابل 5400 جندي بريطاني، و2500 جندي كندي، و2500 جندي ألماني، و2300 جندي هولندي - ناهيك عن كتائب أخرى أقل حجماً كلها تحت مظلة الحلف بدوله الـ26.

أما حركة laquo;طالبانraquo; التي تزرع الرعب أينما حلت بأساليبها المتقادمة من القرون الوسطى فتستعد هي الأخرى للظهور مجدداً، حتى وإن تأكد أنها لن تحظى بأي دعم من باكستان، ولا سيما من الاستخبارات العسكرية، يمكن أن يسهل على مقاتليها التنقل من وإلى إقليم وزيرستان الحدودي الخارج عن حكم القانون. فهي تتعاون مع عناصر من laquo;القاعدةraquo; والميليشيات القبلية المعارضة لحكومة الرئيس حميد كارزاي، ومهربي المخدرات. كما أنها تستأثر بالعائدات الطائلة التي تدرها محاصيل الأفيون الأكبر على الإطلاق في هذا البلد. في المقابل، تُهاجَم الدوريات الحليفة في كابول، في حين تجوب عصابات المتمردين المناطق الريفية مُقفلةً المدارس.

في هذا الخضم، يعاني الجيش الوطني الأفغاني وقوامه 42 ألف جندي من ارتفاع معدلات الفرار بينما لا تُعتبر الشرطة المحلية محل ثقة. حتى أنّ الحكومة في كابول سمحت لأسياد المخدرات بتبوؤ مناصب عامة رفيعة. فلا عجب أنها أضحت فاسدة بنظر الجهات الدولية الداعمة لها!

وقد فوجئت الاستخبارات الأطلسية بالهجمات الشرسة التي يشنها تنظيم laquo;القاعدةraquo; على قواتها في جنوب أفغانستان. وكانت حصيلة القتلى في صفوف الجنود البريطانيين والكنديين أكثر ارتفاعاً من المتوقع مع مقتل 19 جندياً بريطانياً في 6 أيام فقط. في السياق عينه، كانت مقاطعة هلمند مسرحاً لأكثر الهجمات والاشتباكات ضراوة التي يواجهها الجنود البريطانيون منذ الحرب الكورية. وقد لقي المئات من مقاتلي طالبان مصرعهم لأن حلف شمال الأطلسي يحكم قبضته على المدفعيات الثقيلة. غير أنّ حركة laquo;طالبانraquo;، هذا العدو العازم والحاذق، سرعان ما سارعت إلى تنظيم صفوفها.

عليه، طالب الجنرال جيمس جونز القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي في أوروبا بإرسال 2500 جندي إضافي. فقدمت بولندا ألف عنصر لن ترسلها قبل العام المقبل. أما تركيا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا فرفضت كلها إرسال المزيد من القوات. علماً أنّ القوات الألمانية تعمل بدورها بموجب قواعد صارمة تحول دون مشاركتها في بعثات قتال كبرى. والواقع أنه بعد نهاية الحرب الباردة، عكفت الدول الأعضاء في الحلف على الحد من قواتها المسلحة فيما تنشر دولٌ كثيرة قواتها في أماكن أخرى. فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن تساهم فرنسا وايطاليا في قوة حفظ السلام الجديدة في لبنان، بينما تنشر بريطانيا نحو 7 آلاف جندي جنوب العراق.

وهذا الأمر يعقد بدوره الأزمة التي يواجهها الحلف ولا سيما أن صدقيته على المحك الآن. ففي بلد بحجم أفغانستان، لن يُحدِث 2500 جندي إضافي - إن وجدوا - فارقاً كبيراً. ومع تقييم الوضع عسكرياً، يتبين أنّه لكبح جماح laquo;طالبانraquo; و laquo;القاعدةraquo;، والبدء ببسط السيطرة جنوب شرق البلاد، لا بد من نشر ما لا يقل عن 10 آلاف جندي يتسمون بالاحتراف العالي ويملكون معدات جيدة ويحظون بدعم القوات الجوية الملائمة - وسط النقص الخطير حالياً في عدد المروحيات.

باختصار، لا يبدو أن حلف شمال الأطلسي سيفلح في حشد الأعداد المطلوبة لسحق laquo;طالبانraquo; على أرضها.