الجمعة: 2006.09.29
نصر طه مصطفى
انتهت الانتخابات الرئاسية اليمنية بعد إعلان نتائجها يوم السبت الماضي، واعتبرها كثير من المراقبين السياسيين الانتخابات الأهم في المنطقة نظراً لحدة وجدية التنافس بين الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) ومرشحه علي عبدالله صالح وأحزاب المعارضة المنضوية تحت اسم (اللقاء المشترك) ومرشحها المستقل فيصل بن شملان. ففي حين أن الانتخابات لم تحمل مفاجأة حقيقية بالنسبة للرئاسيات فإنها حملت مفاجأة كبيرة بالنسبة للمحليات تمثلت في الفوز الكبير وغير المتوقع للحزب الحاكم حيث كانت كل المؤشرات توحي
بأن المعارضة ستحقق فيها تقدماً كبيراً.. فماذا حدث؟
كما أشرت الأسبوع الماضي فإن فوز الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بهذه الجولة من الانتخابات كان مؤكداً، وكما كان متوقعاً أن يفوز بنسبة بين 70 و80% فقد حصد بالفعل 77% من الأصوات فيما حصل مرشح المعارضة على 21% رغم أنه ليس شخصية سياسية كاريزمية، وهو ما اعتبره المراقبون دليلا على شفافية ونزاهة الانتخابات رغم كل الضجيج الذي أقامته المعارضة بهدف التشكيك في هذا الأمر، دون أن تلتفت لأمر مهم يتمثل في أن الرئيس صالح هو أول رئيس عربي يقبل الفوز بهذه النسبة رغم أن له في السلطة ثمانية وعشرين عاماً، بمعنى أنه لم يسع للتلاعب بالنتائج ليضمن نسبة تدور في فلك التسعينات كما هو معتاد أو حتى الثمانينات من باب التواضع. فالرجل ترك الحكم للصندوق بالفعل، بل اضطر إلى أن يقيم مهرجانات انتخابية في كل المحافظات اليمنية التي تبلغ إحدى وعشرين محافظة، ويجول على جميعها دون استثناء بهدف كسب تأييد الناخبين، وهي ظاهرة جديدة على المنطقة العربية بالصورة التي تمت، ذلك أن الرئيس صالح تعامل مع المسألة بكل جدية بعد أن رفض عروض المعارضة بأن يكون مرشحا للإجماع الوطني وأصر على أن تنافسه، وأشرف على حوار بينها وبين الحزب الحاكم أوصلها لأن تحصل لأول مرة على نسبة 46% من إجمالي اللجان الميدانية المنوط بها إدارة العملية الانتخابية في كل مراحلها، وهو ما يعني انتهاء التحجج بإمكانية تزوير الانتخابات إذ يستحيل حدوث شيء من هذا القبيل في ظل الضمانات التي توفرت، ومنها كذلك تقاسم الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة مناصفة للجان الرقابة المحلية على الانتخابات، إضافة إلى الرقابة الدولية المكثفة وغير المسبوقة على هذه العملية الانتخابية، الأمر الذي جعل وفد الرقابة الدولية المكون من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يقدم تقريرا إيجابيا في مجمله لمسار العملية الانتخابية مع إشارته لبعض السلبيات التي كان تقديره أنها ليست من ذلك النوع الذي يمكن أن يغير في مضمون النتائج الحقيقية للانتخابات أو في إرادة الناخب الذي توفرت له كل مقومات الاختيار الصحيح، ففي تقدير الرقابة الدولية التي راقبت ما نسبته 82% من مراكز الاقتراع أن الاقتراع سار في أجواء سليمة وصحيحة، وقد نتج عن ذلك ترحيب دولي كبير بنتائج الانتخابات وترحيب بفوز الرئيس صالح الذي تلقى الثلاثاء الماضي اتصالا هاتفيا من الرئيس الأمريكي جورج بوش هنأه بالفوز وأشاد بالعملية الانتخابية وشفافيتها التي قال انه تلقى حولها تقارير تؤكد ذلك.
بحسب ما كانت أحزاب المعارضة تأمله فإنها توقعت حصول مرشحها على 40% على الأقل من أصوات الناخبين، وحصولها على أغلبية في المحليات لكن التراجع الكبير الذي حصل بالنسبة لها أمر يعود بنسبة كبيرة في تقدير الذين يقرأون النتائج الأولية للانتخابات إلى نوعية الخطاب الذي دخلت به، وحالة التشنج التي شابت هذا الخطاب، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الشعور العام الذي خلقه تبني هذه الأحزاب لمرشح من خارج صفوفها قد عكس حالة من الإحساس بعدم جديتها، وكل ذلك كانت له انعكاساته السلبية على النتائج التي حصلت عليها وبالذات في المحليات التي لم تنجح في الحفاظ على مقاعدها التي حصلت عليها في محليات ،2001 ناهيك عن الفوز بمقاعد جديدة تعطيها الأغلبية في ما لا يقل عن ثلث المحافظات اليمنية إن لم يكن أكثر من ذلك وهو ما يعني أن تحكم هذه المحافظات خلال السنوات الست المقبلة، لكنها لم تتمكن إلا من الفوز بأغلبية المقاعد في محافظة واحدة معروفة بوجود ثقل كبير للحزب الاشتراكي بها وهي محافظة (الضالع) التي تم إنشاؤها بعد وحدة شطري اليمن بهدف دمج عدد من الوحدات الإدارية في الشطرين لتكوين محافظة جديدة ومحو آثار التشطير.
من جانب آخر، فقد نجح الرئيس صالح في خطابه الانتخابي من القفز فوق مزارع الشوك التي وضعتها له أحزاب المعارضة من خلال خطابها، ويبدو أن مبالغة هذه الأخيرة في نقد الأوضاع الداخلية أسهمت هي الأخرى في شحذ همم أعضاء الحزب الحاكم وشد صفوفهم لأول مرة بهذه الصورة، إذ استفزهم خطاب المعارضة بشكل غير مسبوق وجعلهم يشعرون بخطر حقيقي يستهدفهم جميعاً دون تمييز فقد طالتهم جميعا تهم الفساد والارتزاق وضعف الإرادة وغير ذلك من الاتهامات التي أزعجت جمهور الحزب الحاكم وهو الأكثر بالتأكيد، وهذا ما جعل الناخبين يذهبون لصناديق الاقتراع ليعطوا أصواتهم لمرشح المؤتمر الحاكم دون اعتبار لشخصه عكس ما كان يحدث في السابق عندما يقترع الناخبون للشخص وليس للحزب، وهذا ما يفسر سقوط بعض الدوائر الموالية تقليدياً لحزب الإصلاح الإسلامي المعارض بيد الحزب الحاكم هذه المرة وبصورة فاجأت هذا الأخير أيضاً، وفي الوقت نفسه فإن العديد من المحللين يعتقدون أن خطابات الرئيس صالح في مهرجاناته الانتخابية قد انعكست إيجاباً كذلك على حزبه فتمكن من تحقيق هذا النجاح غير المسبوق في المحليات من 60% عام 2001 إلى أكثر من 80% في هذا العام.
من المتوقع أن تنعكس نتائج الانتخابات الرئاسية اليمنية بشكل إيجابي على علاقات اليمن الخارجية خلال المرحلة المقبلة، فدول الخليج التي تستعد لرعاية مؤتمر المانحين لدعم الاقتصاد اليمني خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في العاصمة البريطانية لندن، هذه الدول أبدت ارتياحها لفوز الرئيس صالح بالانتخابات، والأمر نفسه ينطبق على الدول الغربية التي تعتبر الانتخابات اليمنية ناجحة بمقاييسها المعروفة للعالم الثالث، الأمر الذي سيفتح لليمن أبواب العودة لصندوق الألفية الثالثة الذي تتبناه الإدارة الأمريكية وإمكانية الحصول على دعم أوروبي مالي كبير للاستثمارات الكبرى.
التعليقات