الثلاثاء02 يناير2007
أبو خلدون
في كل مدينة في العالم شارع يحمل تراث الأمة بأسرها، ويجسد عادات وتقاليد شعبها، وفي العديد من دول الخليج كان هنالك ما يسمى ب ldquo;السوق المسقوفrdquo; وهو عبارة عن تجمع للباعة يطرحون فيه بضائعهم في وسط الطريق وأمام الدكاكين على الجانبين، ولم يكن أصحاب الدكاكين يشعرون بالغضب لأن الباعة يأخذون منهم زبائنهم، فقد كان كل واحد منهم يؤمن إيمانا قاطعا بأن رزقه لن يذهب لغيره حتى لو تجمع أمام محله كل الباعة في العالم، كما كان يؤمن أن ليس من حقه سد باب الرزق على هؤلاء الباعة الفقراء حتى لو كان هو يمتلك محلاً في المنطقة يدفع عنه إيجارا، بينما هم لا يدفعون. والمعاملات في السوق المسقوف كانت تتم بحب وثقة وأمانة، وفيها الكثير من روح الشعب وطريقة تعامله.
والمؤرخ الأجنبي الذي يسير في خان الخليلي في القاهرة لن يجد صعوبة في الإجابة على السؤال الذي يشغل تفكير الناس منذ عقود: كيف بنى المصريون الأهرامات وأبو الهول، فالشارع حافل بعبق التاريخ، والحيوية التي تحسها في الذين يترددون عليه، وبريق الذكاء والاستعداد للتضحية الذي يشع من عيونهم يوحي أن هؤلاء قادرون على فعل أي شيء. وفي خان الخليلي محل مختص ببيع الطرابيش رغم أن الطربوش اختفى عن رؤوس الناس منذ خمسينات القرن الماضي، ولكن صاحبه يرفض التخلي عن مهنة توارثها أبا عن جد، ولذلك فإنه يكتفي ببيع طرابيشه للسياح والفرق الفنية. ومن طريف ما يروى أن السياسي السوري العريق فارس الخوري الذي كان يشتهر بكبر حجم رأسه زار المحل، وعثر فيه على طربوش يناسب حجم رأسه، فقرر شراءه، ولكنه اختلف مع صاحب المحل على السعر، فقال له: ldquo;لو بقي هذا الطربوش عندك سنوات، فإنك لن تعثر له على رأس يناسبهrdquo; فرد صاحب المحل: ldquo;وأنت لو لففت كل محلات الطرابيش في القاهرة فإنك لن تجد فيها ما يناسب حجم رأسك غيرهrdquo; فضحك الخوري، واشتراه بالسعر الذي طلبه صاحب المحل.
وفي باريس يعتبر شارع الشانزيليزيه من أشهر الشوارع الفرنسية، إن لم يكن أشهر الشوارع في العالم، وهو ليس في فخامة الفورث افينيو، أشهر شوارع نيويورك، والمباني التي تحيط به ليست ناطحات سحاب، ومحلاته ليست في فخامة محلات الشوارع الرئيسية في طوكيو وهونج كونج، ولكنه كان كافيا لدفع جورج برنارد شو للقول: ldquo;في الشانزيليزيه تتجلى فرادة الجمهورية الفرنسيةrdquo;، ولذلك أقامت فرنسا فيه احتفالاتها بالفوز ببطولة كأس العالم في كرة القدم عام ،1998 كما تقيم فيه احتفالاتها الوطنية في 14 يوليو/تموز، كما أنه يستقبل يوميا ما يزيد على 500 ألف سائح.
ويقول الفرنسيون: إن هذا الشارع العريق الذي أنشأه لويس الرابع عشر بين قوس النصر وساحة الكونكورد بدأ يفقد عراقته، فمقاهي الرصيف والمطاعم الفخمة فيه أخلت مكانها لمحلات البيتزا والوجبات السريعة، والمحلات الفخمة حلت مكانها محلات بيع الخليوي والألبسة الرياضية، وقبل مدة كتب أحد الكتاب الفرنسيين مقالا على موقعه في الأنترنت قال فيه: ldquo;إن الشانزيليزيه يتعرض لاحتلال أجنبي، ولا أحد من الفرنسيين يرفع سبابته معترضاrdquo;. وفي دراسة أجرتها إحدى الشركات البريطانية لصالح الحكومة الفرنسية تبين أن 33% من المحلات في هذا الشارع تبيع الألبسة الرخيصة، ونسبة كبيرة من المحلات الباقية للوجبات السريعة والبيتزا، وقالت الدراسة: ldquo;لقد فقد الشانزيليزيه طابعه الفرنسي وهو في سبيله إلى التحول إلى بازار شعبي كبيرrdquo;.
والشوارع التاريخية في المدن هي الرئة التي يشم منها السكان عبق التاريخ، ويتلمس زوار المدن فرادة الشعوب، وتغيير طابعها أشبه ما يكون بنقل اللوفر إلى ديزني لاند.
التعليقات