تقرير واشنطن - توماس جورجيسيان


مع بداية العام الجديد عاد الكونغرس للانعقاد وتبدأ دورة جديدة هي الـ110 والأغلبية للديمقراطيين بعد 12 عاما سيطر فيها الجمهوريون على مجلسي الشيوخ والنواب. ويتوقع المراقبون أن تكون الدورة المقبلة دورة مواجهة ومحاسبة ومراجعة لكافة سياسات الإدارة الحالية خاصة الخارجية منها وتحديدا العراق. فسوء الأوضاع في العراق وتدهورها المستمر هو الملف الرئيسي والضخم على جدول أعمال الكونغرس في دورته الجديدة، ويشمل هذا الملف الشائك كافة الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية للعراق. ومع العراق تفتح ملفات أخرى لسياسات أمريكا الخارجية والأمنية والعسكرية. وكما جرى العرف في قاعات الكونغرس فان ممثلي الشعب الأمريكي ـ أعضاء الكونغرس ـ عليهم القيام بدور المراقب والمحاسب لما يفعله رجال الإدارة والسلطة التنفيذية، ومن ثم المطالبة باستمرار تلك السياسات أو تعديلها أو تغييرها.

بجانب تقييم وتقويم ما تم تحقيقه في العراق وأفغانستان من جانب الولايات المتحدة وحلفائها فان أجندة الدورة الـ110 للكونغرس تضم الحرب المستمرة ضد الإرهاب والإرهابيين في كافة بقاع الكرة الأرضية ـ خاصة في المنطقة الواقعة بين أفغانستان وباكستان. بالإضافة إلى السعي لمنع كل من إيران وكوريا من الاستمرار في برامجهما للسلاح النووي. كما توجد قضايا عديدة تخص مكافحة الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل. وأيضا صعود الصين المتواصل كقوة عالمية لها دور متميز في إعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية الدولية والتأثير على آليات الأمن في أسيا وحول العالم.
ومنطقة الشرق الأوسط أو المنطقة العربية تحظيان باهتمام الكونغرس الجديد على أساس أنها الامتداد الجغرافي والأمني للعراق وأفغانستان وللحرب المستمرة ضد الإرهاب وللصراع العربي الإسرائيلي. وبالتالي توجد على أجندة الدورة الجديدة تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية والتداعيات السياسية للأزمة اللبنانية، وتدهور الأحوال في دارفور. وأيضا البرامج الأمريكية المعنية بالإصلاح السياسي والديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي.

العراق

القضية الأساسية التي تواجه الكونغرس الجديد بالنسبة للعراق هي القيام بما يمكن تسميته بعملية تقييم لما ورد من اقتراحات في تقرير بيكرـ هاملتون الشهير بخصوص العراق وبالتالي اختيار ما هو ضروري ومنتظر من سياسات جديدة من أجل إنقاذ الموقف في العراق. والتقريرـ كما هو معروف ـ اقترح العديد من الوسائل والطرق للخروج من المأزق الحالي. ومنها مبادرة دبلوماسية لفتح قنوات الاتصال مع إيران وسوريا وجعل تدريب قوات الأمن العراقية المهمة الرئيسية للعسكرية الأمريكية.

ومن المنتظر أن تعقد خلال الأسابيع الأولى للدورة الجديدة جلسات إقرار الاعتمادات المالية الإضافية لكل من العراق وأفغانستان، ومناقشة ومراجعة السياسات المتبعة ـ عسكريا وسياسيا في العراق. ومن المتوقع أن تشهد هذه الجلسات مواجهات ساخنة بين القيادات الجديدة للكونغرس ـ بعد فوز الديمقراطيين بأغلبية مجلسي الشيوخ والنواب ـ ورجال الإدارة حول ما أخفقت فيه أو ما لم تحققه على أكمل وجه. ومع وجود وزير جديد للدفاع سوف يتم الحديث عن سياسات بديلة لما اتبعتها البنتاغون من سياسات من قبل وخاصة عدد القوات الأمريكية المتواجدة في العراق (قد وصل عددهم إلى 147 ألفا).

والتوجه الحالي في دوائر القرار قي واشنطن هو إرسال قوات إضافية خاصة إلى بغداد ومنطقة الانبار قد تصل أعدادها إلى 20 ألف وذلك لفترة محددة. ثم التخطيط لانسحاب ينفذ حسب جدول زمني يبدأ مع نهاية العام المقبل ـ 2007 ـ أو بداية عام 2008. أما الموضوع الذي سوف يطرح بشدة أمام الكونغرس من أجل إيجاد حل أو حلول له هو مسألة تدريب القوات العراقية بحيث تكون قادرة ومستعدة للقيام بالمهام الأمنية بعد خروج القوات الأمريكية. وطرح هذا الأمر ومناقشته يتم مع الأخذ في الحسبان قيام دول حليفة للولايات المتحدة بالإعلان عن نيتها في سحب قواتها من العراق ـ ومن تلك الدول: المملكة المتحدة وايطاليا وبولندا واليابان فتلك الدول أما سحبت قواتها أو أعلنت عن خطط لسحبها. وجدير بالذكر أن الإدارة ستقدم ميزانية الدفاع للعام المالي 2008 يوم السابع من فبراير المقبل وقد تقدم أيضا المطالب المالية الإضافية لميزانية عام 2007 ( وتقدر بما بين 100 و160 مليار دولار). وكانت وزارة الدفاع قد حصلت بالفعل على 70 مليار دولار إضافية في الفترة الماضية. من جهة أخرى وأثناء الحديث عن احتمالات سحب القوات من العراق ذكر مكتب تابع للكونغرس أن تكاليف الحرب في العراق سوف تنخفض 11 مليار دولارا إذا تم سحب 25 ألفا من القوات الأمريكية و17 مليار دولارا إذا تم سحب 60 ألفا من تلك القوات.

أما الأمر الأخر المطروح على أجندة الكونغرس فهو المساهمة أو المشاركة في إعادة اعمار العراق. و قيادات الكونغرس ـ كما يبدو ـ تريد فتح ملفات إعادة اعمار العراق لما فيها من فساد و إهدار وسوء استعمال يجب كشفه ومحاسبة المسئولين عنه. وتشير تقارير صادرة عن الكونغرس أن الاعتمادات المالية المخصصة لاعمار العراق بلغت نحو 35.7 مليار دولار. منها 15 مليار دولار خصصت لتدريب وتسليح قوات الأمن العراقية. ونحو 10 مليار دولار لتشييد وبناء البنية التحتية غير العسكرية في العراق. و10 مليار دولار أخري كمساعدات اقتصادية تقليدية لمشروعات تخص التعليم والصحة والمجتمع المدني والإصلاح الحكومي. وقيادات الكونغرس الجديدة تسعى وتريد أن تعرف مصير الأموال الضخمة التي خصصت وصرفت وأهدرت في العراق.

دارفور والسودان

لن يتوقف الكونغرس في الدورة الجديدة ـ كما يبدوـ عن طرح مسألة دارفور والمطالبة أمريكيا ودوليا بوقف المأساة. خاصة أن الكونغرس بمجلسيه وصف منذ يوليو 2004 بأن ما يحدث في دارفور مذبحة إبادة وطالب مرارا وتكرارا من الإدارة أخذ مواقف أكثر تشددا من الحكومة السودانية ومعاقبة تورطها في تلك المذابح العرقية.

سوريا ولبنان

التعامل مع الملف اللبناني ومن خلاله الملف السوري سوف يشهد العديد من المواجهات في الدورة الجديدة. الأزمة السياسية في لبنان وموقف أمريكا من القوي المتصارعة. وأيضا دور كل من سوريا و إيران في لعبة السياسة على الساحة اللبنانية سوف تكون مجالا للمطالبة بأخذ مواقف متشددة أو مواقف عملية تجاه طهران ودمشق. هذا الملف بحكم ما يحدث على أرض الواقع اللبناني وبسبب مواقف الكونغرس السابقة وتشريعاته بمحاسبة سوريا، وإدانة سياساتها سوف يشهد ـ حسب تقدير المراقبين ـ تطورات عديدة ومواقف ومطالب أكثر حدة من جانب أعضاء الكونغرس.

مصر وفلسطين

ومن المرجح أن يقوم الكونغرس في دورته الـ110 بمناقشة ومراجعة الأموال المخصصة للمعونات الأجنبية خاصة المقدمة للدول في الشرق الأوسط. وإذا تم استثناء الأموال المخصصة لإعمار العراق، فان المساعدات الأمريكية المقدمة لكل من إسرائيل ومصر ستمثل نحو 93% من المساعدات المقدمة لدول منطقة الشرق الأوسط. المعونات المقدمة وبسخاء وبدون تردد لإسرائيل في أغلب الأحوال غير قابلة للنقاش والمراجعة. أما باقي المعونات فهي بلا شك موضع مساءلة ومراقبة ومحاسبة عسيرة ـ إذا اقتضى الأمر ذلك. ومعروف أن المساعدات المقدمة لمصر في الدورة الماضية كانت موضع مساءلة على أساس أن مصر لم تعد جادة في سلامها مع إسرائيل وأنها لا تبذل الجهد المطلوب من أجل الإصلاح السياسي. وطرحت اقتراحات بشأن خفض المعونة العسكرية أو تحويل جزء منها للمعونة الاقتصادية. إلا أن هذه المقترحات لم يتم تمريرها بعد أن أكد أعضاء من الكونغرس ما كرره رجال الإدارة بأن مثل هذه الاقتراحات والمجازفات لا يمكن العمل بها لأن طرحها فيما مساس بشريك استراتيجي وهام وأيضا إهمال وإنكار لما تقوم به مصر من دور حيوي في الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة.

والكونغرس الجديد عليه أن يحدد موقفه من جديد فيما يتعلق بالمساعدات للفلسطينيين. فمنذ تشكيل حكومة فلسطينية بقيادة حماس في 30 مارس 2006 أوقفت الولايات المتحدة المساعدات المباشرة وغير المباشرة المقدمة للفلسطينيين باستثناء بعض المساعدات الإنسانية العاجلة. وقدمت خلال العام المنصرم نحو 468 مليون دولار من اعتمادات سابقة خصصت لأغراض إنسانية ولنشر الديمقراطية. وكان مجلس النواب قد أقر يوم 7 ديسمبر الماضي وبعث إلى الرئيس مشروع قانون رقم 2370 والمسمى The Palestinian Anti-Terrorism Act of 2006 الذي أقره واعتمده مجلس الشيوخ في 23 يونيو الماضي. وهو التشريع الذي يمنع المعونات لحكومة فلسطينية تقودها حماس ما لم تقم هذه الحكومة بالاعتراف بحق إسرائيل في الوجود والالتزام بكافة الاتفاقات الدولية ومذكرات التفاهم السابقة. والتشريع يستثني من المنع المساعدات الإنسانية وأيضا المقدمة لنشر الديمقراطية. كما يقدم 20 مليون دولار لإنشاء صندوق لدعم الديمقراطية الفلسطينية والسلام الإسرائيلي العربي.