الأثنين 8 يناير 2007

محمود الريماوي

حين يقول قائل عن التطورات الأخيرة التي رافقت وأعقبت النيل من الرئيس العراقي السابق، بأنها قد أعادت العراق الى الوراء فإن السؤال المثار هنا: هل بقيت هناك فسحة للعودة الى الوراء أكثر فأكثر، وهل هناك من مزيد لتفكك الدولة ومن الاستقطاب الطائفي والاصطفاف المذهبي والتطهير المناطقي، وهي حال سبق أن أجاد في وصفها أمين عام الأمم المتحدة المنصرف بقوله إنها أسوأ من الحرب الأهلية؟ وكم من مرة يمكن حقاً العودة فيها الى الوراء؟

من المؤلم حقاً ما يبدو عليه الوضع العراقي، من انسداد تفاقم مع المجريات الأخيرة. فالصراع ناشب بين من يتوقون لعودة الديكتاتورية، وبين من يبذلون كل ما تملك يمينهم لإنتاج ديكتاتورية جديدة، تتميز هذه المرة بتمزيق النسيج الاجتماعي، وإثارة البغضاء والضغينة بين مكونات الشعب الواحد، وتعميق التقسيم في النفوس والأفئدة، قبل أن ينتقل الى وحدة الأرض والوطن.

لقد استهول الكثيرون بمن فيه خصوم صدام حسين ما جرى من ldquo;احتفاليةrdquo; صبيحة عيد الأضحى المبارك، غير أن السيئ في الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. ففيما كانت تجري تلك ldquo;الحفلةrdquo; التلفزيونية ويتم تصويرها، فإن سفك الدماء خارج تلك القاعة لم يتوقف. فقد كان يجري تباعاً اكتشاف العشرات من ldquo;الجثث المجهولة الهوية وعليها علامات التعذيبrdquo;، وهي الأعمال التي تنسب لفرق الموت، كما كان يتواصل تفجير السيارات المفخخة التي يتبنى مسؤوليتها التكفيريون. وهكذا فإن التكثيف الرمزي للعنف الذي تمثل في تلك الحفلة، ما كان له أن يحجب استمرار مسلسل سفك الدماء العشوائي وبنشاط محموم، وما يرافقه ويهيئ له ويتبعه من شحن وتعبئة وتهييج، ومن نصب الحواجز الصفيقة بين أبناء الوطن الواحد، وهو ما لم يعهده العراقيون من قبل. فهناك الآن سلطات وزعامات ومجموعات مسلحة وقوى أمر واقع تتسابق وتتنافس في ما بينها، على النيل من العراقيين وحرمانهم من أسباب الحياة والأمل، وتبديد ثرواتهم الوطنية وسلب أرزاقهم.

هذه المحنة المتعددة المصادر والمظاهر تبدو بلا حل في الظرف الراهن، لأسباب منها أن الحلول المفترضة والمأمولة، والتي تشمل بسط سيادة القانون قد تضع حداً لنفوذ وتغول تلك السلطات والميليشيات، على اختلاف مسمياتها وشعاراتها، وهو ما يفسر الممانعة الفعلية الجارية لاستشراف أي حل، حتى لو تمثل بمجرد عقد مؤتمر وطني عام للمصالحة والوفاق. ومنها أن دول الاقليم وخارجه إما تتوجس من التدخل أو لا تجد لها مصلحة فيه، وترى في بقاء الوضع القائم أفضل خيار، أو لأن أحداً من أهل الشأن لا يدعوها للتدخل، والمقصود الحضور بطلب وبموافقة مسبقة. وبهذا يجري إغلاق الأبواب أمام الحلول الداخلية والخارجية، ويتم التفرغ لحرب استنزاف أهلية تأكل الأخضر واليابس على مدار الساعة، مع الانتقال والانزلاق من طور للأزمة الى طور آخر، أشد استعصاء ومأساوية كما شهدنا في الأيام الأخيرة.

وحتى لا يدفع العراقيون المزيد، فلا بديل عن توجيه النقد الحازم للسلطة الجديدة، التي لم تثبت أنها مؤتمنة على أرواح العراقيين وكرامتهم وممتلكاتهم وأرزاقهم.كما لم تبرهن على عزمها للمضي في استعادة السيادة والاستقلال، وفي إعادة بناء الدولة. ولا يعني ما تقدم أن السلطة هي الطرف الوحيد المسؤول عن تفاقم وتطاول الكارثة، فلا شك أن الأطراف التكفيرية لعبت وتلعب الدور الأساس، في تهديم كل شيء وحرمان العراقيين من أسباب الأمل، غير أن السلطة بما هي الطرف الرسمي والمسؤول، فإنها بصفتها هذه تتحمل مسؤولية خاصة وكبرى في المشاركة بدفع البلد الى الهاوية، وفي التقصير الفادح في حمل الأمانة.

النقد الواجب توجيهه لهذه السلطة لا بد أن يقترن بمطالبتها بوقف ازدواجية السلطة، ووضع الوالغين في دماء وحرمات العراقيين أياً كانوا بين يدي العدالة، واعتبار ذلك بمثابة شرط شارط لإدامة العلاقات مع تلك السلطة واستمرار الاعتراف بها. ومثل هذا الضغط المشروع من شأنه فتح باب للأمل، والإسهام في وضع حد للاختلاط الخطير بين الدولة ومؤسساتها من جهة، وبين السلطة والميليشيات من جهة ثانية.