الأثنين 8 يناير 2007
علي الرز
لا حرج لدى جماعة مقتدى الصدر من دمج خصوصياتهم الحركية والفكرية في الشأن العام العراقي، ولا ريب في انهم يفرضون quot;طقوسهمquot; على الجو العراقي في مرحلة ما بعد سقوط البعث انطلاقا من تجربة سياسية ناشئة لم تكتمل ملامحها الا من واقع التصادم على الارض. اما في الجوهر فالتيار الصدري حركة تستمد حضورها من خليط عقائدي تمثله رؤى واجتهادات العلماء الصدريين من جهة ومن نزعة ثأرية فرضها التنكيل المستمر الذي طال بيت الصدر بطرق همجية على يد النظام السابق من جهة اخرى، اضافة الى قدرتها على الانتشار السريع في صفوف الطبقات الفقيرة التي ساهم النظام السابق في ايصالها الى ما وصلت اليه.
ولا شك في ان حداثة التجربة وعمقها العقائدي والثأري اضافة الى طبيعة جمهورها تفتح الباب طبعا لايران كي تلتقي حركتها في العراق مع حركة التيار الصدري، فهي صاحبة باع طويل وعريق في تصدير الافكار وتنظيم الاطر الحزبية والامنية كما انها في خط عقائدي متقارب وثأري متشابه.
من هنا يمكن تلمس الطريق لفهم هذا quot;الحضور المكلفquot; لتيار مقتدى الصدر في المؤسسات العراقية والشارع العراقي، فالمنطق يقتضي بأن التدجين السياسي لفصيل ما عبر اشراكه في عملية انتخابية تمثيلية دستورية وفي الحكم والحكومة يرافقه غياب تدريجي عسكري وامني وميليشيوي من الشارع، لكن المنطق انعكس في حالة التيار الصدري الذي زاد حضوره الميليشيوي في الشارع اضعاف اضعاف ما كان عليه قبل دخوله العملية السياسية، اضافة الى تعدد quot;اعدائهquot; وتنوعهم بين quot;المحتل الاميركيquot; واجهزة quot;مجلس الحكم العميلةquot; الى quot;التكفيريينquot;.
آلية quot;الحضور بأي ثمنquot; اوصلت جيش المهدي التابع لمقتدى الى قلب صورة التطهير المذهبي والعرقي اضافة الى تصادمه مع فصيل شيعي كبير هو quot;فيلق بدرquot;، كما قادته سابقا الى الاساءة حتى للمقدسات الشيعية في النجف من خلال استخدامه لها دروعا في حربه ضد قوات الامن العراقية والقوات الاميركية قبل نحو عامين، بل ان المراجع الشيعية الكبرى لم تسلم من هجومه وانتقاده لها باعتبارها quot;المرجعيات الصامتةquot;... من دون ان ننسى طبعا ما حصل للسيد عبد المجيد الخوئي وكيف سحل وذبح عند باب مقتدى.
وكما ساحت ميليشيا الصدر على المؤسسات السياسية والامنية، ساح حضور مندوبي مقتدى اعدام صدام على عملية التنفيذ وهيبة الهيئة القضائية، فصوروا وهتفوا وتمنى بعضهم للرئيس السابق مصير جهنم من دون ادنى التفات الى ضرورة احترام المناسبة وتقدير اللحظة التاريخية، الامر الذي ادى الى طغيان صورتهم على صورة المحاكمة التي طالت اشهرا... فتحول الاعدام لدى البعض من محاسبة مجرم الى الاساءة الى رمز سني وقائد عربي.
انصار مقتدى اخطأوا وتصرفوا بالعقلية نفسها التي يتصرفون بها في الشارع، عنف وفوضى وثأر وانتقام وحماسة، ولكن هل يجوز لهذا الخطأ مهما كان حجمه ان يبرر تحويل صدام الى شهيد ومقتدى به؟
صدام كان يعدم ndash; واحيانا بيديه ndash; السنة العرب والسنة الاكراد والشيعة. لم يرف له جفن وهو يأمر بإبادة عشرات آلاف السنة في quot;موقعة الانفالquot; ولم يتوتر صوته لحظة وهو يأمر بابادة عشرات الآلاف في الجنوب. لم تردعه يوما الاصول الانسانية والدينية والشرعية والقانونية والقضائية والدستورية لا في حربه مع ايران ولا في غزوه للكويت ولا في التنكيل بشعبه، ولم تكن بشاعة ما قام به في الكويت تحديدا لتستدرج آيات الاستنكار والتنديد من الذين تضايقوا من تصرف انصار مقتدى (وهم محقون في تضايقهم) بل يمكن التذكر، للاسف الشديد، ان مندوبين عربا كانوا يقولون لمندوبي الكويت في الاجتماعات التي سبقت حرب العراق :quot; هل يعقل ان تقفوا ضد وحدة الصف العربي من اجل 605 اسرى كويتيين فقط؟quot; فيما كان quot;العلامةquot; طارق عزيز quot;يستخف دمهquot; في مقابلاته الصحافية متسائلا:quot; هلكونا بموضوع الاسرى. هل هم علماء ذرة؟quot;
ليسوا علماء ذرة بل بشر، والبشر سواء كانوا عراقيين او ايرانيين او كويتيين هم مجرد رقم في دفاتر البعث السوداء. هم تماما مثل المعارض العراقي الذي تم اعدامه في فيلم الفيديو الشهير في حفرة بعد زرع متفجرات في انحاء جسمه ثم وقف مسؤولو النظام وحشد من الانصار يصفقون لحظة تطاير اشلائه... يومها لم نسمع، لا عربيا ولا دوليا، من يندد بهذا العمل الذي لا مثيل لوحشيته في التاريخ الانساني.
هذا هو بعث صدام حسين، وهذا هو تصرف انصار مقتدى، ولكن، وكي لا ننسى، فان جرائم صدام بدأت قبل ان يولد مقتدى الصدر نفسه، وهي حكما لا تقارن بصيحة او هتاف او الدعاء عليه بمصير جهنم.
... كي لا ننسى فقط!
التعليقات