تحاول الزعامة الخمينية، ارتباطا بخسرانها لقضية المبادرة في مسألة الطموحات النووية لإيران، الاختباء وراء عدد من التهديدات.
ويدور الحديث هذه الأيام حول التأكيد بأنه laquo;إذا عملت هذا فسنعمل ذاكraquo;، ما يعني ترك المبادرة للخصم.
ويمكن الاستدلال على عدد من التهديدات من التصريحات المتناقضة التي أدلت بها شخصيات بارزة عديدة في طهران بمن فيهم محمود أحمدي نجاد.
التهديد الأول، الذي جرى عبر وسائل الإعلام، هو أن الجمهورية الإسلامية يمكن أن تلحق ضررا بالاقتصاد العالمي عبر استثمار إمدادات النفط. وهدد الرئيس أحمدي نجاد بدفع أسعار النفط الخام إلى حدود 200 دولار للبرميل. ويجري إبلاغنا بأن هذا يمكن أن يحدث في غضون يومين. والشيء الأول والأكثر وضوحا هو إيقاف صادرات النفط الإيراني.
وعلى الرغم من أن حصة إيران تشكل أقل من اثنين في المائة من تجارة النفط العالمية، فلا ريب أن إيقافا مفاجئا لإمداداتها يمكن أن يؤثر على أوروبا والشرق الأدنى. غير انه من المؤكد أن التأثير سيكون مؤقتا، ذلك أن المنتجين الآخرين سيسرعون لتغطية النقص. وبالتالي فان السؤال هو حول ما الذي يمكن أن يفعله الزعماء الخمينيون بعد أن يكونوا قد لعبوا تلك الورقة ؟
السبيل الثاني، الذي يمكن به إعاقة إمدادات النفط، يمر عبر إغلاق مضيق هرمز، الممر المائي الضيق الذي تمر عبره ما يقرب من 40 في المائة من صادرات النفط العالمية كل يوم. وجاءت آخر نسخة من ذلك التهديد من محمد جواد لاريجاني، مفاوض طهران الرئيسي في الملف النووي، غير أن إغلاق المضيق يقع في عداد الكلام السهل أكثر من الفعل.
وابتداء فإن طريق الناقلات يمر عبر ممر جنوب جزيرة قشم الإيرانية. والممر الشمالي، الذي تمتلكه وتسيطر عليه إيران بالكامل، والذي يعرف باسم مضيق كلارنس، ضحل جدا بالنسبة للناقلات والسفن الكبيرة.
ولكن الممر الجنوبي هو تحت السيادة المشتركة لإيران وسلطنة عمان. ومن غير المحتمل أن توافق السلطنة، التي تتمتع بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة وبريطانيا، على إغلاق الممر لمصلحة إيران.
وذلك يمكن أن يرغم الخمينيين على إغلاق الممر بالقوة، ما يعني في الواقع الفعلي إعلان حرب على عمان. ويمكن أن يصل ذلك، بالمقابل، إلى إعلان حرب ضد كل أعضاء مجلس التعاون الخليجي.
ومن أجل إغلاق المضيق يمكن أن يكون هناك خياران أمام الخمينيين. الأول تلغيم الممر الجنوبي والأمل بما هو أفضل. ولكن لدى الولايات المتحدة وبريطانيا كاسحات ألغام في الخليج يمكن أن تطهر المضيق خلال أسابيع. ويتمثل خيار الخمينيين الثاني في إطلاق النار على الناقلات التي تمر عبر المضيق كما فعلوا عام 1987 عندما حاولوا إعاقة صادرات النفط الكويتية بإطلاق النار على الناقلات الكويتية.
غير أن ذلك الخيار قد لا يكون متيسرا اليوم بسهولة. وعلى المرء أن يفترض أن الولايات المتحدة، أو أية دولة أخرى تقرر اتخاذ إجراء عسكري ضد النظام الخميني، يمكن أن تبدأ بضرب مواقع النيران على امتداد الساحل.
وحتى إذا ما سمح للخمينيين بإغلاق المضيق بدون عقاب فهناك سبب آخر يجعلهم غير قادرين على تنفيذ التهديد. والسبب هو ان النظام الخميني يستورد ما يزيد على 40 في المائة من منتجات النفط المكررة التي يستهلكها في الداخل. وإذا ما اغلق المضيق فان النظام الخميني سيجد من الصعب توفير البترول لعرباته ودباباته وطائراته العسكرية. وحتى بدون إغلاق المضيق، فتهديد الحرب يمكن أن يؤدي إلى هبوط في الملاحة في الخليج لأن شركات التأمين سترفع رسومها إلى مستويات قد لا يكون كثير من التجار قادرين على تسديدها. وحتى عندئذ فان الخاسر الأكبر سيكون النظام الخميني الذي يعتمد على الممر المائي في 85 في المائة من صادراته ووارداته.
والتهديد الثاني للزعماء الخمينيين هو أنهم سيردون على أي هجوم بهجوم مضاد في أي مكان. ويمكن أن يجري هذا على جبهتين قريبة وبعيدة، فيما تمر الأجزاء الأكثر عرضة في الجبهة القريبة عبر أفغانستان والعراق حيث لدى النظام الخميني عدد من الوكلاء.
وفي أفغانستان تسيطر إيران على فصيل مسلح للشيعة الهزارة يقدر أفراده بحوالي 10 آلاف شخص بوسعهم السيطرة على محافظتي باميان وميدان بالقرب من كابل، أو حتى إثارة إضطرابات وفوضى في العاصمة كابل.
رجل طهران الآخر في أفغانستان، زعيم الحرب المخضرم قلب الدين حكمتيار، الذي يدير عملا خاصا في إيران، ويشن هجمات من وقت لآخر على القوات الحكومية في أفغانستان. وكانت إيران قد لعبت بورقة حكمتيار العام الماضي في هجوم على مواقع تابعة لقوات حلف الناتو بالقرب من قلعة موسى.
وفي أفغانستان أيضا، ربما تطلب طهران من حلفائها داخل طالبان، بما في ذلك مجموعة يقودها الملا جلال الدين، بتسخين الأوضاع، وتشجيع الملا عمر بالتالي، وحتى بقايا laquo;القاعدةraquo; على مغادرة الكهوف لإلحاق المزيد من التخريب والأذى.
إلا أن هذه الإستراتجية تتطلب أن يظهر عملاء طهران في العلن بدلا عن تكتيكات حرب العصابات. وهذا يعني القضاء عليهم بواسطة الناتو والجيش الأفغاني الجديد. ليس من المؤكد أيضا أن أيا من الملا عمر وأسامة بن لادن على استعداد للمخاطرة بالانتحار دعما للنظام الخميني الذي لن يضيع أي وقت في الانقلاب عليهم إذا حقق أهدافه.
للنظام الخميني عملاء في العراق أيضا، أكبرهم جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر، الذي هاجرت أسرته إلى العراق من مدينة محلة الإيرانية في القرن الثامن عشر. وكان قريبه محسن الصدر قد شغل منصب رئيس وزراء إيران في عقد الأربعينات من القرن الماضي.
للنظام الخميني عدة عملاء في لواء بدر، بقيادة عبد العزيز الحكيم، الذي تتحدر أسرته أصلا من شيراز جنوبي إيران. وعلى العكس من الصدر، نأى الحكيم بنفسه من طهران خلال الأشهر الأخيرة وربما لا يريد محاربة الولايات المتحدة نيابة عن الخمينيين.
وعلى أية حال، إذا جرى نشر الميليشيات الشيعية دعما لطهران، فإن ذلك سيكشفها كجهات عملية للإيرانيين ويضع حاجزا بينها والتيار الرئيسي في السياسة الوطنية.
للنظام الخميني حلفاء في دمشق أيضا. إذ وقع الجانبان على ميثاق دفاعي في يونيو الماضي وظلا يرددان أن أي هجوم على أي منهما يعني الهجوم على كليهما. إلا أن ذلك لا يعني أن النظام السوري سيقف إلى جانب الجمهورية الإسلامية ضد رغبات كل الدول العربية الأخرى في حال اندلاع حرب إقليمية. ولكن حتى إذا قررت سوريا المخاطرة بكل شيء، مإذا ستفعل؟ من المحتمل أن تتسبب في اضطراب وفوضى في العراق وربما تهاجم لبنان. إلا أن ذلك يعتبر دعوة إلى شن هجوم عليها.
من الممكن أن تلعب طهران ورقة laquo;حزب اللهraquo; في لبنان. وعلى خلاف جميع عملاء إيران في المنطقة، laquo;حزب اللهraquo; اللبناني هو الجهة الوحيدة التي سيكون لها رد فعل في الغالب في حال تعرض النظام الخميني الى هجوم. فمن المحتمل أن يتسبب laquo;حزب اللهraquo; في اضطرابات وفوضى في لبنان وينظم عمليات اختطاف طائرات وعمليات اخرى غير عادية ويطلق بضعة صواريخ على إسرائيل من بيروت هذه المرة. إلا أن الأمر الذي سيفضح مزاعمه بأنه حزب لبناني صرف سيؤدي إلى عزله سياسيا ويعريه على نحو غير مسبوق. بعض قيادات laquo;حزب اللهraquo; حاولت خلال الأسابيع الأخيرة النأي بنفسها عن طهران، والبحث عن جهات راعية جديدة في المنطقة وخارجها. وبصورة عامة يمكن القول إن دخول laquo;حزب اللهraquo; في حرب إلى جانب طهران سيحدث انقساما في أوساطه.
استقطبت إيران وكلاء وسط الفلسطينيين أيضا، فمجموعة laquo;الجهاد الإسلاميraquo; مدعومة من طهران منذ السبعينات. كما ان laquo;حماسraquo; تلقت في السنوات الأخيرة دعما ماليا، ولكن رغم ذلك لم تسلم laquo;حماسraquo; نفسها تماما للخمينيين. ففي زيارته الأخيرة إلى طهران رفض إسماعيل هنية تقبيل ضريح الخميني ولم يكن على استعداد للصلاة الى جانب الملالي خلال صلاة الجمعة في جامعة طهران. بوسع طهران إصدار تعليمات الى عملائها بتنظيم هجمات إرهابية باستخدام مواد خطرة في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك أوروبا والولايات المتحدة. إلا أن مثل هذه الموجة من الهجمات ستجعل من تغيير النظام الحاكم الخيار الوحيد في جبهة التعامل مع الخمينيين. وربما يفضي خيار سامبسون الى نتائج عكسية، ومن المؤكد أن يكون خيار حقائب السامسونايت والأموال كذلك.
التعليقات