محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ

عندما يفشل الإنسان لا يعترف عادة بفشله، بل يبحث عن تبرير، أو سبب ولو كان مختلقاً. ولعل (المؤامرة) من قبل الآخر هي أولى وأقرب المشاجب التي تعوّدَ أن يعلقَ بنو يعرب عليها أسباب فشلهم.

حماس فشلت في إدارة الحكومة الفلسطينية، كما فشلت في استقطاب مؤازرة دول العالم المانحة لها، إضافة إلى دعم الدول العربية الرئيسية، وكانت في شروطها وفي تعاملاتها السياسية أشبه ما تكون بذلك الذي يعنيه المثل السعودي الشعبي المعروف (شحاذ ويتشرّط)، هذا الفشل انعكس على (عجزها) عن تنفيذ مسؤولياتها وواجباتها كحكومة، وأهمها، أو أولها، القدرة على الالتزام بدفع مستحقات العاملين فيها لمدة تجاوزت الآن ما يربو على عشرة أشهر.

وكما أقول دائماً فالمواطن الفلسطيني البسيط لا يهمه ما يجري وراء الكواليس من صراعات، ولا يحفل (بالشعارات) التي ترفعها الحكومات عادة، بل ولا يفهمها؛ فهو يريد حكومة تحميه، وتحقق له ما يجب أن تقوم به أية حكومة من مسؤوليات أمنية، وخدمات حياتية، وعندما يجد أن الحكومة التي انتخبها فشلت في تحقيق واجباتها، كما فشلت حماس، فلن يتردد في البحث عن (الآخر) الذي يقدم له ما فشل الأول في تحقيقه.

وكل المؤشرات تقول: إن حماس ستخسر فيما لو تم إجراء انتخابات فلسطينية الآن، معنى ذلك أن تجربة جديدة للحركات التي عملت على (تثوير) خطاب الإسلام السياسي، انضمت (فعلياً) إلى ركب (الفشل)، بعد فشل سودان الترابي، وطالبان، والسؤال المهم الذي لا يمكن تجاهله في هذا السياق: هل الفشل (الثالث) للإسلام (الثوري) في إدارة الدول يكفي لإقناع الرجل المسلم البسيط أن (أسلمة) أدبيات الثورة لن تحل قضاياه التنموية، وأهمها همومه (الاقتصادية)، وتلبية احتياجاته المعيشية؟ورغم أن حماس بدأت في (التراخي) في خطابها السياسي مؤخراً، عندما أعلن خالد مشعل قبل أيام أن (إسرائيل أمر واقع)، وأن القضية هي قضية حدود ما قبل حرب 1967م لا أكثر؛ بمعنى آخر أن (فلسطين) لم تعد في مفردات الخطاب الحمساوي مثلما كانت سابقاً (وقفاً إسلامياً) من النهر إلى البحر لا يملك كائن من كان أن يتنازل عنها كما هو خطابهم التقليدي المعروف. تصريح خالد مشعل يعتبر تغيراً مفصلياً سيتبعه بكل تأكيد تنازلات جوهرية، غير أنه - مثلما هي العادة العربية المعروفة - يأتي وصافرة الحكم على وشك أن تعلن نهاية المباراة، وبعد أن أنهك (النزف) الجسد الفلسطيني من الداخل؛ أي أن (توقيت) هذا التنازل لن ينقذ حماس في تقديري من فشلها، فالسيل على ما يبدو قد بلغ الزبى.عملياً، لا أظن أن فشل حماس على ارض الواقع سيخرج أصحاب الخطاب السياسي (الثوري) من المعادلة تماماً، غير أنها - بلا شك - ستؤثر تأثيراً قوياً في إضعاف هذا الخطاب سياسياً.. وغني عن القول إن زيادة التجارب الفاشلة (تراكمياً) ستنتهي بالخطاب ذاته إما إلى الاستفادة من التجربة، والعقلانية، والتماهي مع متطلبات البقاء والنجاح، وهذا مانأمله ونرجوه، وإما (الخروج) التدريجي من المعادلات السياسية في الساحة.. ولا يبدو أن التماهي مع متطلبات (الموضوعية) وارد في ذهنية الثوريين الإسلاميين، فالإشكالية التي يدركها أقطاب هذا الخطاب جيداً أن ثمة علاقة مهمة وقوية بين (غوغائية) خطابهم وبين بقائهم فاعلين ومؤثرين في الساحة السياسية.. بمعنى آخر: هم يدركون تمام الإدراك أن ميلهم إلى الموضوعية، و(عقلنة) الخطاب، والرضوخ لمتطلبات الواقعية، كشرط رئيسي من شروط النجاح، سيفقدهم كثيراً من المريدين والأتباع على المستوى الشعبي؛ لذلك فالمعادلة (الصعبة) المطلوبة تكمن (نظرياً) في معادلة (الغنم والذئب)؛ بمعنى عدم التخلي عن الغوغاء والغوغائية بالكلية، واللعب على (الشعارات) والوعود التي تلبي رغبات الجماهير، من جهة، ومن جهة أخرى محاولة التعامل مع القضايا السياسية، وأهمها (العلاقة بالغرب)، بقدر أكبر من الواقعية والموضوعية، غير أن المشكلة أن الإسلاميين الثوريين عندما (يقتربون) من الغرب فإنهم تلقائياً يمسون الخطوط الحمراء التي يجب أن (تبقى) سقفاً مُحرماً لا يمكن تجاوزه مهما كانت المبررات، وهنا أس (الإشكالية) في تقديري.

الثوريون الإسلاميون، على اختلاف أطيافهم، سواء اعتمروا الجاكيت والبنطلون وربطة العنق الأنيقة، كالحماسيين، أو العمامة والزي البنجابي كالأفغانيين والباكستانيين، أو غيرهم من ذات التوجه ونفس الخطاب، تأتي دائماً (تكتياتهم) السياسية في الزمن الخطأ، لأنهم لا يعرفون في السياسة إلا الصمود والتحدي وإطلاق الشعارات. وفي السياسة، كما في الحروب، من لا يعرف (الفر) ومتى، لا يمكن أن يعرف (الكر) ومتى.إلى اللقاء.